نقدنا الذاتي أكتوبر 1972 هذه الوثيقة التاريخية النادرة عبارة عن قراءة نقدية لمسار الحركة الوطنية وأسلوب عملها وأخطائها وأسباب انتكاساتها الكثيرة، وضعها المناضل الحسين المانوزي قبيل اختفائه بأيام قليلة وقدمها للحركة والتنظيم الثوري السري، وبجرأة تناول الحسين الوضع الداخلي للحركة الوطنية وأسلوب إدارتها للعلاقات مع القصر. إن أهمية هذه الوثيقة، تتجلى في كشفها عن الوجه الآخر المسكوت عنه للتنظيم الثوري، وإبرازها للرؤية الجديدة السياسية لجيل من المناضلين الشباب مع بداية انطلاق شرارة الكفاح المسلح ضد الاستعمار، ونظرا لأهميتها هذه، اخترنا منها بعض الفقرات الدالة. "نتابع نقدنا الذاتي، ونتطرق في هذا المقال إلى قضايا تنظيمية واستراتيجية لها أهمية كبيرة بالنسبة لأي حركة ثورية وبالأحرى بالنسبة لحركتنا الاتحادية، ذات التاريخ العريق في النضال والصمود. لقد مرت عشر سنوات على الوثيقة التاريخية »"الاختيار الثوري"« التي أعدها الشهيد المهدي بنبركة لتقديمها إلى المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وثيقة حية تستلزم قراءتها وإعادة طرح السؤال أين نحن من الأخطاء القاتلة التي استخلصها المهدي بنبركة من دراسة نقدية لتفاعل الحزب مع التطور السياسي والاجتماعي لمغرب ما بعد الاستقلال؟ -عدم الشفافية في تقديم الحقائق للجماهير وخوض الصراعات وراء الأبواب المغلقة. -القبول بأنصاف الحلول في المفاوضات والمساومات بين الحركة الوطنية والقصر. -غياب الوضوح الايديولوجي في مواقف الحزب انعكس أسلوب تواصل قادة الحركة الوطنية مع الجماهير الشعبية على تغييبها في مجالات أخذ القرار، إذ اتضح للمناضلين من خلال الممارسة اليومية أن المؤسسة الحزبية غالبا ما يتم إغفالها عندما يتعلق الأمر باتخاذ موقف حاسم وينحصر دور الهياكل المعتمدة في التسيير على دور صوري يتم تغليفه بضرورات المرحلة ومبدأ التفويض. المؤتمر يفوض حق القرار للمجلس الوطني الذي يعطي بدوره صلاحيات التقرير للجنة الإدارية التي توكل من جهتها اللجنة التنفيذية ليكتشف المناضلون القاعديون أن القرار الذي رهن مستقبل أمة بأجمعها هو قرار اتخذه شخص معين تمكن في غياب للمراقبة الحزبية من مسك زمام الأمور والانفراد بسلطة القرار. إن هذا الأسلوب التنظيمي كان له انعكاس مباشر على التعبئة الشعبية لأن القرارات عندما تؤخذ دون إشراك المعنيين بالأمر يصعب ترجمتها إلى أرض الواقع وحتى في حالة إنجازها تبقى مسألة صيانتها مرهونة على اقتناع المستفيدين منها بجدوى التمسك بها. أما في حالة الفشل فمن الطبيعي أن لا يبادر الشعب بتلقاء نفسه إلى الدفاع عنها لأنه يعتبر أن هذه القرارات لا تعنيه مباشرة وأن المعركة من أجل التمسك بها هي في الحقيقة معركة للدفاع عن مصالح فئة لا علاقة لها بمصالح الشعب. ويبرز لنا هذا التناقض في الممارسة بين القول والفعل, تعارض بين الادعاء النظري والالتزام العملي. تناقض يستفيد منه الخصم لأنه يدرك أكثر من قادتنا خطورة وأبعاد التلاحم بين القيادة والقاعدة. إن التعبئة تتطلب كشرط أساسي لتفعيل الطاقات النضالية التواقة إلى التغيير الجذري وعيا ملتزما، ونقصد بالوعي الملتزم الانخراط المبني على الإدراك التام للدور المنوط بالمنخرط النشيط والعضو الفاعل في السيرورة الحزبية الملتزم بالضوابط والحارس الأمين على القواسم المشتركة. عندما توفر المنظمة إطارا تنظيميا لبلورة هذه الشروط تكون قد خطت خطوات إلى الأمام في التصدي للعديد من الظواهر المرضية التي تنخر جسم التنظيمات الثورية، إن حملات القمع المتتالية التي تعرضت لها الحركة الاتحادية جعلت مقياس الثقة يطغى على العلاقات بين المناضلين وأصبح الإلمام بالضوابط التنظيمية أمرا ثانويا، بالفعل الثقة التي تعني الإيمان والالتزام بمبادئ الحزب مقياس أساسي لضمان سلامة وأمن الحزب، لكن لا ينبغي أن يتحول هذا المقياس إلى هاجس وواجب يلغي حقوق العضو في المساهمة في تدبير شؤون حزبه ويضيق الخناق عليه ليصبح ارتباطه بالحزب مشخص في علاقات ثنائية يطغى عليها الطابع الاستخباري. إن خطورة هذا الوضع هو ما يترتب عليه من خلق لمحيط تنظيمي تكون فيه الأدوار موزعة بشكل مسبق، للبعض دور التنفيذ والاستخبار وللبعض الآخر دور التقرير والتفاوض. ويتعود الجميع على هذه الأدوار التي تتحول إلى مهام وروتينية يفقد فيها المناضل القاعدي حسه النقدي ويسهل المأمورية على العضو القيادي لتصريف مواقفه بالشكل الذي يجنب له انتقاد القواعد. وأخطر هذه الانعكاسات السلبية أن هذا التسيب التنظيمي يفتح المجال واسعا للخصم لاصطياد العناصر القابلة للمساومة والقبول بأنصاف الحلول, أي الحلول التي يرضى بها النظام الفردي والتي تتضمن مصالحه الآنية والمستقبلية. وسط هذا الجو التنظيمي يتم تبني شعارات عامة دون أن يشعر قادتنا بضرورة تفسيرها وتعليلها بتحليل شامل للأوضاع, بل يكتفون بالإشعاع لهذه الشعارات وتمريرها عبر الأطر المتفرغة للعمل السياسي والنقابي، لقد نتج عن هذا الوضع تحول التفرغ إلى امتياز يقرب المستفيدين منه من مواقع القرار. إن هذا الصنف الجديد من المناضلين هم الذين سيشكلون نواة البيروقراطية التي تسلطت على الاتحاد المغربي للشغل وأفرغته من بعده النضالي كأداة لتحرير العمال من الاستغلال ليصبح أداة إجهاض للحركة العمالية وللحركة الثورية بشكل عام. ويتضح من كل هذا أن ردع روح النقد والنقد الذاتي تسبب للحركة الاتحادية في كوارث وإخفاقات متكررة. وتم تكريس هذا الأمر بترويج أن المستفيدين من عملية نقد الذات الاتحادية هم أعداء الاتحاد, في حين أن تجربة الحزب دلت على العكس، كلما عرفت تنظيمات الاتحاد نقاشا داخليا واسعا، كلما انعكس الأمر على أوضاعه الداخلية بتقوية للصفوف وتعزيز للهياكل. ويكفي أن نشير في هذا المجال إلى تجربة الحركة الطلابية, أن حيوية الاتحاد الوطنية لطلبة المغرب من خلال كثافة الأنشطة والمؤتمرات الوطنية هي التي جعلت المنظمة الطلابية تصمد أمام هجمات الحكم وتتصدى لمحاولات جرها إلى الاستسلام، هذا في الوقت الذي كانت تواجه فيه النظام بمفردها. لقد استفاد الاتحاد من الأطر التي تمرست على النضال في الساحة الطلابية والتي التحقت بصفوفه لمواصلة المعركة ضد الاقطاع والاستعمار الجديد ونجد هذه الأطر تقف اليوم في الواجهة ضد البيروقراطية عاملة على تصحيح المسار والمساهمة في بلورة نوعية لقرارات 30 يوليوز. إن الغموض في الرؤى الذي طبع مسيرة الاتحاد في السنوات الأخيرة جعل المناضلين والشعب بشكل عام يتأثر بالاشاعات والحملات النفسية المضادة التي يقوم بها الجهاز الاعلامي الرسمي، حيث أن النظام تمكن في بعض الأحيان من زرع البلبلة في صفوفنا لدرجة أن البعض أصبح يستقي التوجيه الحزبي من عملاء النظام. لقد انقلبت الصورة فبدل أن يكون التنظيم سريا لضرورة حماية سلامة المناضلين نجد أنفسنا أمام واقع شاذ تحكمه سرية التوجيه وعلنية التنظيم... وغياب الوضوح في الاختيارات السياسية والاستراتيجية هو الذي يدفع المناضلين الصامدين إلى البحث عن التوجيه في متابعة ما يروج في الخارج... وغياب الوضوح الايديولوجي هو الذي أدى بأطر الحركة إلى الالتزام بموقف الحياد في المعارك الحاسمة... هل التاريخ يعد نفسه؟ الأخطاء التي ارتكبتها الحركة الاتحادية في بداية الستينات لم يتم تجاوزها ونحن في بداية السبعينات، إن الظروف التي نعيشها اليوم تذكرنا بشروط الستينات. -انتفاضة داخلية مكنت الحزب من التخلص من هيمنة الجهاز البورصوي وحررته من قيود الجمود والانتظارية لينطلق بروح جديدة لقيادة النضال الشعبي في معركة التخلص من النظام الفردي و ترسيخ أسس نظام عادل وديمقراطي. -مد نضالي وغليان شعبي يشمل جل القطاعات والفئات الاجتماعية بما فيها البادية المغربية -تناقضات عميقة تنخر جسم هرم السلطة خصوصا بعد المحاولة الانقلابية الاخيرة وانسداد الآفاق بالنسبة لحلفاء ومدعمي النظام على المستوى الخارجي.