انطلقت في ربوع البلاد حملات شراء الأصوات، وما زالت التواريخ المنظمة للانتخابات بعيدة. وفي كبريات المدن ، وفي القرى ، تتواصل الأصداء عن السعار الذي انتاب رجال المال القذرين، وهم يجوبون البلاد حاملين صناديق المال المشبوه ليوزعوا ويعرضوا نخاستهم على المواطنين. إننا نشاهد يوميا فصولا من استعباد المغاربة الأحرار، وتركيع معنوياتهم ومسخ هوياتهم الحرة، التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم. عمليات مسخ منظمة، مسيسة وممولة بأنهار من المال . ومن سوء الحظ أن بعض رجال السلطة وأعوانها، يتابعون المشهد بلامبالاة تكاد تكون إجرامية. وهي لا مبالاة لم تعد مقبولة اليوم، في ظل دستور جديد، وفي أوضاع تتأهب فيها الشعوب لأجل الكرامة والعدالة. إن الذي يحدث مناهض للاتجاه العام ، الداعي والمطالب بالكرامة، أما التعامل الذي يسير على هديه، أو على ضلاله أصحاب المال الوسخ، من مساحي الأراضي المشبوهين والحزب العقاري، المتدني أخلاقيا وسياسيا، فهي من صميم الاستعباد وإهانة الناس والتبخيس الرهيب للكائن البشري. هناك شعور لدى جزء من المواطنين أن السياسة والمؤسسات تصنع القذرين والوسخين، لهذا يشعرون هم أيضا كما لو أنهم يلطخون . وهذا الشعور هو شعور الوطن من خلال مواطنيه النظيفين. لقد جربنا كل أشكال التزوير، والذي يحدث اليوم هو شكل فظيع من تزوير هوية شعب، شعب يقف في وجه استعماريين، من أبسط مواطن فيه الى ملكه الكبير ، محمد الخامس . شعب القيادات الوطنية الكبيرة من قبيل الخطابي، الزياني وعلال الفاسي، والمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد، ومحمد منصور والزرقطوني، وقوافل من العظماء، يهانون اليوم في شخص مواطنين دافعوا عنهم لكي يكونوا أحرارا. لا يمكن التسليم بالتدبير اليومي للخنوع الجماعي والإسفاف والسقوط والتردي، لا يمكن القبول بالسكوت السياسي عن أساليب النخاسة والتبخيس اليومي للمواطنين، لأن تبخيس شعب يعني عرضه في سوق التجارة، وإفراغه من كل قيم المروءة والسمو، والدفع به الى أصقاع البهدلة والتبخيس. إنهم يقتلون قيم شعب، وروحه وغاية وجوده، ويشاهدون يوميا الإهانة الجماعية، وتحسيس المغاربة بأنهم سلع، وأن الفاسدين والمرتشين والوسخين قادرون على فعل كل ما يحلو لهم، وقادرون على أن يتصرفوا كما لو كانوا في ضيعاتهم . إنه المغرب، وهناك من عليه أن يحمي شعبا في خطر، ولا يمكن أن يتفرجوا، لأنهم بذلك يشجعون غطرسة وعنترية أصحاب المال، والذين يريدون أن يستعبدوا شعبا. لقد بينت كل أطوار العالم السياسي في محيطنا العربي أن مسألة الكرامة هي التي تحرك الشعوب. والإذلال الممنهج في كل مناسبة لهذا الشعب الأبي، لا يمكنه إلا أن يزيد من غضب الناس، والذين لن يواجههم هؤلاء المفسدون سوى.. بالطائرات. على السلطات المعنية أن تحفظ للشعب المغربي كرامته، فهناك اليوم شعور كما لو أن بعض أعوانها استقالوا من الدفاع عن شرف أبناء شعبهم وشرف الانتماء إلى هذا المغرب الذي أغرقوه بالسلوكات المافيوزية والتحقيرية والمتغطرسة. هل نعطي أمثلة على هذه السلوكات القذرة؟ لا. يكفي أن تسترقوا السمع للمارة، وأن تنظروا يمنة ويسرة لتروا العجب العجاب.