الاستفتاء على الدستور الجديد بالمغرب شهر يوليوز الاخير كان بمثابة نقلة نوعية، بل بداية جديدة في التعامل مع مغاربة العالم من حيث حقوق وواجبات المواطنة .وخصص الدستور الجديد خمسة فصول حول حقوق المهاجرين المغاربة، وهي فصول تعطي كامل الحقوق لمغاربة الخارج في المشاركة في الحياة السياسية لبلدهم المغرب، والتمثيلية المباشرة في المؤسسات الوطنية وعلى رأسها البرلمان. وهذا التكريس للحقوق أكده أسمى قانون للبلاد ،بعده أكد الخطاب الملكي في عشرين غشت الاخير على نفس المنحى من أجل تكريس الحقوق على أرض الواقع وهي التمثيلية المباشرة. وإذا كان أسمى قانون في البلاد ورمز الامة، من خلال خطابه، يمنح ويحث على كل حقوق مغاربة العالم في المشاركة في الحياة السياسية بشكل كامل. التساؤل المطروح هو: ماذا يحول دون تطبيق هذه النصوص على أرض الواقع ،ولماذا الاصرار على تجاهل وزن وقوة مغاربة العالم، سواء على المستوى الاقتصادي المالي والاجتماعي والثقافي، ومشاركتهم في كل أوراش المغرب. وهو دور يلعبه المهاجرون في بلدان عديدة منها الهند، الصين، اسبانيا، البرتغال، تركيا وايرلندا حيث لعبت الجاليات من أصول مهاجرة أدوارا مركزية في التحول الاقتصادي الذي عرفته هذه البلدان، وفي الحياة السياسية لهذه البلدان. النقاش الذي عرفه البرلمان المغربي مؤخرا من أجل اخراج نصوص القانون التنظيمي للبرلمان، والتي جاء بها الدستور الجديد، لم يعر اي اهتمام ل15 في المائة من سكان المغرب عبر العالم. ولم يفعل في الواقع ما جاء به الدستور من حقوق لهذه الفئة من المجتمع المغربي. فهل ستتدارك الغرفة الثانية هذا الحيف؟ عدد من البلدان منحت لمواطنيها بالخارج هذه الحقوق السياسية ،نذكر منها فرنسا نموذج النخبة السياسية بالبلد، ففرنسا تخصص 12 مقعدا بمجلس النواب لحوالي 2 مليون فرنسي و100 ألف مقيم بالخارج. وهو رقم كبير بالنسبة لبلد يضم 65 مليون نسمة. نفس الاتجاه تسير عليه تونس التي تريد إشراك مواطنيها عبر العالم رغم قلة عددهم، ورغم المشاكل التي تعترض ذلك بعد رفض الحكومة الكندية لهذه المشاركة على أراضيها. لكن التونسيين متشبثون بهذه المشاركة واقترح القانون المنظم لها 10 نواب لتمثيل الهجرة التونسية فقط بفرنسا بالإضافة الى باقي العالم . بل إن الحكومة الحالية يوجد بها اربعة وزراء من الجالية التونسية بالخارج .ونفس الوضع بالنسبة للجزائر في الانتخابات التشريعية الاخيرة، ولائحة البلدان التي تتيح لمواطنيها المشاركة طويلة .فكيف يمكن للمغرب ان يحرم حوالي 3ملايين 700 الف مغربي ( وهو رقم لا يحصي مجموع المغاربة فقط المسجلين بالقنصليات) من التمثيلية رغم وزنها الاقتصادي ،المالي والبشري ومكانتها الاستراتيجية؟ وهي تساؤلات مشروعة على المغرب أن يطرحها في الوقت المناسب .وهي كلها تساؤلات مشروعة لفهم هذا الاقصاء لفاعل أساسي ومكون أساسي من المجتمع المغربي ،أي 15 في المائة من السكان، الذي يحول كل سنة من العملة الاجنبية حسب بنك المغرب ما قيمته 9ملايير دولار ، دون احتساب ما يمر خارج الأبناك، ودون الحديث عن الاستثمار العقاري ونقل الخبرة في العديد من المجالات، وأهمية الودائع داخل الأبناك. وهي كلها مؤشرات تجعل المهاجرين الركيزة الاساسية للاقتصاد المغربي. طبعا كيف يمكن إقصاء كل هذه الفئة وعدم فتح باب المشاركة لها ،أو الاقتصار على منح تصويتها عن طريق التصويت بالوكالة (عدد من الجمعيات تطالب أن يكون التصويت بالوكالة استثناء وليس القاعدة )، وهو أمر رفضته العديد من جمعيات الهجرة والشخصيات السياسية وأطر الهجرة، أي ضرورة المشاركة الفعلية للمهاجرين. المهاجرون اليوم، لهم الحق في المشاركة في اللوائح الانتخابية لكن ليس كمهاجرين بل كمواطنين مقيمين بالداخل، وهو ما يجعل عنصر التمثيلية يغيب عنهم. وبما أنه تمت دسترة مؤسسة مجلس مغاربة الخارج ،يطرح السؤال على الأحزاب: كيف سيتم التعامل مع هذا المجلس ،هل سيستمر تقليد التعيين داخل المجلس أم أن مجلس النواب سيغير القانون المنظم ،كما يسمح له بذلك الدستور، ليصبح هيئة أكثر تمثيلية لمختلف مكونات الهجرة بدون استثناء وتجاوز بعض عيوب التأسيس؟ وهل سيتم فتح حوار وطني حول مآل هذه المؤسسة؟ مما يجعل مجلس الهجرة إحدى الوسائل للخروج من الوضعية الباب المسدود حاليا رغم انه مجلس ذو طابع استشاري وليس تمثيلي في أفق تطبيق تفعيل الدستور الحالي في مجال تمثيلية المهاجرين بالبرلمان. طبعا الشعور بالإقصاء تريد أن تعبر عنه العديد من جمعيات الهجرة بتقديم طعون حول لا دستورية الانتخابات المقبلة إذا تمت هذه الانتخابات دون إشراك حقيقي للمهاجرين وتم التمادي في إقصائهم. طبعا هذا الحيف في حق جزء مهم من مكونات المجتمع المغربي وهذه «الحكرة» كما تطلق على ذلك بعض جمعيات الهجرة، يجعل مغاربة الخارج يشعرون بالإقصاء المزدوج، سواء المفروض عليهم بالهجرة جراء الميز الذي يمس جزءا كبيرا منهم في بلدان الإقامة، يضاف اليه هذا الاقصاء الجديد بالبلد الاصلي .وهو ما يطرح تساؤلا على المغرب حيث يتعارض هذا التوجه مع الدستور والخطب الملكية الاخيرة .التساؤل المطروح اليوم: هل نريد الحفاظ على روابط مع مغاربة العالم وإدماجهم في مواجهة كل التحديات التي تواجه المغرب، أم أن هناك إصرارا على إقصاء هذا المكون الاساسي من المجتمع المغربي، ولمصلحة من يتم ذلك ؟