سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الطيب الفاسي الفهري أمام الدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة: ترشحنا لعضوية مجلس الأمن نابع من كون المغرب شكل دائما ملتقى للحضارات وأرضا لإشاعة ثقافة التسامح بين الأجناس والأديان
السيد الرئيس ، «بسم الله الرحمن الرحيم السيد الأمين العام ، حضرات السيدات و السادة، إنه لمن دواعي سعادتي أن أتوجه إليكم سيادة الرئيس، بخالص عبارات التهاني على انتخابكم رئيسا للدورة السادسة والستين للجمعية العامة، بكل ما يرمز إليه هذا التكليف من تقدير لدولة قطر الشقيقة وللعالم العربي ككل، وأنا على يقين أن حنكتكم الدبلوماسية ستكون خير سند لإنجاح أعمال هذه الدورة. كما يسرني أن أشيد بالجهود الموفقة لسلفكم السيد جوزيف دايس خلال الدورة السابقة. وأجدد أحر عبارات التهاني للسيد بان كي مون بمناسبة إعادة تعيينه أمينا عاما للأمم المتحدة، معربا عن تقديرنا الكبير للمبادرات الحميدة التي ميزت ولايته الأولى، خاصة إنشاء وحدة مكلفة بالمرأة، وتأييدنا الكامل للأولويات التي يعتزم التركيز عليها خلال ولايته الثانية. السيد الرئيس، تلتئم هذه الدورة في سياق ظرفية دولية دقيقة وصعبة تتميز بتراكم وتزامن أزمات حادة ومعقدة، منها ما هو هيكلي ومزمن، كالتغيرات المناخية والأزمة الغذائية، ومنها ما هو متواتر ومهدم كالكوارث الطبيعية والحوادث النووية، ومنها أخيرا ما هو ظرفي و مؤثر كالأزمة المالية غير المسبوقة التي تحولت إلى أزمة اقتصادية دولية ذات انعكاسات اجتماعية وسياسية مقوضة للاستقرار، دون إغفال التهديد المتواصل الذي مازال يشكله الإرهاب الدولي، بعد عقد على أحداث 11 شتنبر المروعة وارتباطاتها الجلية مع الجريمة المنظمة بكافة أشكالها علاوة على استمرار بؤر التوتر والنزاعات المسلحة، سواء ذات الطابع الداخلي أو الدولي. إن هذا الوضع المتأزم الذي قل ما شهد العالم نظيرا له، يسائل ضمائرنا بإلحاح وموضوعية: أية أمم متحدة نريد أمام هذه الرهانات الكبرى? كيف يمكن جعل الأممالمتحدة مرجعية سياسية وقانونية وإطارا مؤثرا ونافذا وناجعا لتدبير دولي جماعي للقضايا العالمية الشاملة? كيف يمكن تأهيل أجهزة منظمتنا لمسايرة المتغيرات العالمية المتسارعة? وأخيرا، كيف يمكن، تكريس دور هذه المنظمة لتشكل المحور الرئيسي لنظام متعدد الأطراف، متضامن ومتناسق مع مجموعات دولية جديدة، محدودة العضوية وتتفاعل بشكل أكثر سرعة مع الأحداث؟ إن هذه التساؤلات لا تنطلق من مقاربة مثالية، بقدر ما تنبع من إيماننا العميق بالمكانة الرفيعة والفريدة للأمم المتحدة كإطار ومصدر لحكامة عالمية فاعلة وعادلة ومتضامنة، تستمد شرعيتها من عضويتها الكونية والرصيد القيم الذي راكمته منذ تأسيسها. من البديهي أن تكون هذه الحكامة العالمية، امتدادا طبيعيا للحكامة الوطنية والإقليمية ودون الإقليمية. فكل الدول الأعضاء مطالبة بتحمل مسؤولياتها في اتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة على المستوى الوطني، من أجل وضع أسس الحكامة الرشيدة وتوطيدها. ومن هذا المنطلق، انتهجت المملكة المغربية، منذ عقود، سبيل بناء دولة ديمقراطية قوامها الحكم الرشيد، وصون حرية وكرامة المواطنين، واحترام حقوق الإنسان، وترسيخ مبادئ المساواة، وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومحاربة التهميش والإقصاء الاجتماعي. كما جعلت، بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، من تعميق الانفتاح السياسي وتحقيق التنمية البشرية، عنصرين متلازمين لبناء مجتمع ديمقراطي ومتطور ومتضامن. ولقد شكلت مصادقة الشعب المغربي على الدستور الجديد للبلاد، لحظة تطور تاريخي لهذا المسار المتميز الذي يكرس التلاحم بين مكونات الأمة المغربية بروافدها المتعددة، ويرسخ مبادئ الفصل بين السلط وتوازنها، ويضمن استقلالا كاملا لسلطة القضاء وسيادة القانون، ويكرس حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، ويحدد حقوق وواجبات المواطنة، ويضع أسس حكامة سياسية واقتصادية من خلال مؤسسات الضبط والتقنين، ومؤسسات الوساطة والمحاسبة. كما عزز مشاركة المرأة في الحياة السياسية ومساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الإطار، تبوأت الجهوية الموسعة دورا مركزيا في هذا البناء الدستوري الخلاق، باعتبارها الركيزة الأساسية لديمقراطية قرب، هدفها تحقيق تنمية متوازنة ومتضامنة بين كل جهات المملكة. إن ما يشهده العالم العربي من تحولات وأحداث، يؤكد، من جهة، أن التطلعات المشروعة نحو الحرية والكرامة والرقي والقيم الكونية لا تستثني أية منطقة أو ثقافة أو عقيدة. كما أبرزت هذه الأحداث، من جهة أخرى، أنه لا تنمية اقتصادية واجتماعية في غياب الانفتاح السياسي والتطور الديمقراطي لفائدة الأفراد والجماعات. ولا تقدم ولا استقرار في ظل الجمود السياسي والانغلاق الإيديولوجي، وتآكل الشرعية وانسداد كل آفاق التناوب والتجديد. وأخيرا، تعطي هذه الأحداث الدليل على أن كل دولة عربية بمقدورها إقامة نظام سياسي يوفق بين القيم الكونية والخصوصيات الذاتية، نظام يزاوج بين الانفتاح الضروري والحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية. وفي هذا الإطار، يثمن المغرب الخطوات المؤسساتية في كل من الشقيقتين تونس و مصر، ويدعو المجموعة الدولية إلى دعم جهودهما على درب الانتقال الديمقراطي الصعب والدقيق الذي تعرفانه، ولكن أيضا الانتقال الواعد والثمين لهذين الشعبين الشقيقين. كما يعرب المغرب عن ارتياحه لتواجد وفد عن المجلس الوطني الانتقالي، ممثلا للشعب الليبي، التواق الى مستقبل واعد متسم بالحرية والانفتاح والمصالحة، وترسيخ دولة الحق والقانون. ومن منطلق التضامن الدائم بين الشعبين المغربي والليبي وما يجمعهما من علاقات أخوية وروابط تاريخية، وما يتقاسمانه من مصير مغاربي مشترك، بادر المغرب منذ البداية إلى دعم التطلعات المشروعة للشعب الليبي الشقيق ومواكبة ومؤازرة المجلس الوطني الانتقالي في كل تحركاته الخارجية ومبادراته الوطنية الداخلية. ونتطلع بكل ثقة إلى أن تسترجع ليبيا مكانتها الدولية الطبيعية خاصة في محيطها المغاربي. وبخصوص سوريا واليمن تتطلع المملكة المغربية إلى أن تؤدي التحركات العربية إلى حقن الدماء وتأمين مخرج سلمي للأزمة في هذين البلدين الشقيقين، في إطار الإصلاحات العميقة والجوهرية المعلنة، وبما يحفظ استقرارهما ووحدتهما الترابية. إن هذه التطلعات والتغيرات النابعة عن الإرادة الحرة للشعوب تستوجب مواكبة فعلية وجادة من طرف الاشقاء والشركاء في احترام لخصوصياتها الذاتية وانسجام مع مساراتها الوطنية، مع الأخذ بعين الاعتبار الأشواط التي قطعها كل بلد في بنائه الديمقراطي. وفي هذا السياق، يسجل المغرب بتقدير كبير التجاوب الذي عبرت عنه مجموعة الثمانية من خلال «شراكة دوفيل». و يعتبر المغرب أن هذه الشراكة الواعدة، بالإضافة لما ستوفره من دعم مالي، تشكل حافزا لتشجيع الدول العربية الخمس المستفيدة من الاعتماد على قدراتها الذاتية وتطوير اندماجها الاقتصادي من جهة، وتقاسم الخبرات والممارسات المثلى في مجال البناء الديمقراطي والإصلاح الدستوري. ويعبر المغرب عن استعداده للعمل مع أشقائه في هذا الإطار، بالنظر لما قطعه من مراحل في انفتاحه السياسي وما راكمه من تجارب في انتقاله الديمقراطي وما حققه من نتائج متميزة في بنائه الدستوري. وبالفعل، فإن التحولات العميقة والتحديات الملحة التي يشهدها العالم العربي، تستدعي حكامة إقليمية جديدة قوامها اندماج إقليمي في إطار تجمعات منسجمة ومتكاملة كاتحاد المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي واتفاق أكادير للتبادل الحر، ذلك الإطار المرشح للانفتاح على دول عربية متوسطية أخرى، ولتوسيع مجالات عمله لتشمل قضايا الإصلاح الديمقراطي والحوار السياسي. هذه الحكامة الجديدة التي تهدف، تحت مظلة جامعة الدول العربية، إلى بلورة نظام عربي مرتكز على آليات وأساليب مبتكرة، خدمة للتنمية البشرية والاندماج الاقتصادي والانفتاح الديمقراطي، ودرءا للنزاعات ومخاطر الانفصال. ويبقى إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية عاملا ضروريا لتسريع وتيرة هذا البناء العربي لما فيه مصلحة كل شعوب المنطقة. تجتاز القضية الفلسطينية، اليوم، لحظة تاريخية حاسمة تتميز بانسداد أفق المفاوضات وتأزم الوضع على الأرض، جراء استمرار مخططات الاستيطان وسياسات الاعتقالوالضم والهدم والتهجير، خاصة في القدسالشرقية، وممارسات القمع الجماعي والعنف المفرط، كما دونت ذلك تقارير أممية بما فيها التقرير الخاص «بأسطول الحرية». ومما زاد الوضع تأزما عدم تجاوب الحكومة الإسرائيلية مع المبادرات والمقترحات الدولية البناءة للأطراف الراعية للسلام، مما أدى إلى إجهاض كل المساعي الرامية إلى إعادة انطلاق مسلسل تفاوضي جاد وحقيقي حول قضايا الوضع النهائي وفق الالتزامات المتبادلة. لقد آن الأوان لأن تتحمل منظمة الأممالمتحدة، عبر مختلف أجهزتها وباستعمال كافة الآليات الممكنة، مسؤولياتها كاملة لتمكين الشعب الفلسطيني بقيادة سلطته الوطنية من بلوغ حقوقه الوطنية المشروعة كاملة، تماشيا مع الجهود المبذولة لتعزيز مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة، واعتبارا لحجم التأييد والاعتراف عبر العالم، كمؤشر واضح على الاقتناع الدولي الجازم بمشروعية هذا الاستحقاق التاريخي الذي لا بديل عنه. إن المملكة المغربية التي كانت سباقة للدفع بخيار السلام والدفاع عنه، ومناصرة كفاح الشعب الفلسطيني عبر مختلف مراحله، تحذر من مخاطر جمود عملية السلام بفعل منطق القوة والإذعان المنذر بأسوأ الاحتمالات. ومن هنا، يجدد المغرب دعمه للطلب الذي قدمته القيادة الفلسطينية في شخص فخامة السيد الرئيس محمود عباس للحصول على عضوية هيئة الأممالمتحدة كدولة ذات سيادة كاملة على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. والمملكة المغربية ، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، لن تدخر جهدا للدفع بالتحركات الناجعة والإسهام في كل المساعي البناءة لتحقيق هذا الهدف في أقرب الآجال. ويبقى هدفنا جميعا هو إعادة إحياء مسلسل المفاوضات وفق مرجعية واضحة وأجندة شاملة، وسقف زمني محدد ومنهجية تفاوضية جديدة، مع مصاحبة قوية وفاعلة من لدن الأطراف الراعية لعملية السلام. وفي هذا الشأن تسجل المملكة المغربية بارتياح الإشارات الإيجابية التي تضمنها البيان الصادر مؤخرا عن اللجنة الرباعية الدولية. السيد الرئيس، وفق نفس الرؤية التضامنية والاندماجية مع محيطه العربي، انخرط المغرب في مشاورات واسعة مع دول مجلس التعاون الخليجي لتأسيس شراكة متقدمة ومتطورة، وتشمل مختلف الجوانب الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والبشرية. وإن المملكة المغربية التي ترتبط بأوثق العلاقات مع كل دول هذا التجمع الإقليمي الوازن، تسعى إلى تأسيس نموذج تشاركي جديد بمضمون ملموس ومتميز، يسهم بأوفر نصيب في تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار واحتواء المخاطر المهددة لسلامة دولنا وأمنها ووحدتها الترابية وتأمين مصالحها العليا. ومن هذا المنطلق، يجدد المغرب دعمه للحقوق المشروعة لدولة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث المحتلة. السيد الرئيس، إن انتماءات المغرب الإسلامية والإفريقية والعربية والمتوسطية، والتزامه بتفعيل التعاون جنوب - جنوب كما كرسها الدستور الجديد، تغذي تنوع الاهتمامات المؤسسة للسياسة الخارجية المغربية، وتتماشى مع تطلعاتها لإقامة حكامة إقليمية، مبنية على التشاور والحوار والتضامن. ومن شأن التحولات التي تعرفها الدول المغاربية أن تعطي دفعة جديدة للاندماج المغاربي، تجاوبا مع تطلعات شعوب المنطقة الخمس لاستغلال أفضل الفرص لتحقيق التنمية والاستقرار. وانطلاقا من هذه الرؤية، حرص المغرب على تنشيط علاقاته الثنائية مع الجزائر الشقيقة عبر زيارات وزارية قطاعية نأمل أن تكون مدخلا جادا لتحقيق تطبيع شامل بين البلدين بما في ذلك إعادة فتح الحدود البرية، وفق ما تفرضه حتمية الجوار البناء. وبنفس الإرادة، يجدد المغرب استعداده الكامل لمواصلة وتكثيف مسلسل المفاوضات لإيجاد حل سياسي متوافق عليه للخلاف الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، انطلاقا من مبادرة الحكم الذاتي، التي أجمع مجلس الأمن، عبر ستة قرارات متتالية، على اعتبارها جدية وذات مصداقية. تلكم المبادرة الجريئة والواقعية، التي تراعي، في إطار وحدتنا الوطنية وسيادتنا الترابية، معايير الشرعية الدولية، بعيدا عن التأويلات الضيقة التي تحكم على مسلسل المفاوضات بالعقم والجمود. ولقد جاء قرار مجلس الأمن 1979 ليجدد التأكيد على المقومات الأساسية للمسلسل السياسي، بالدعوة إلى الدخول في مفاوضات جوهرية و جدية، والتحلي بالواقعية وروح التوافق لإيجاد حل وسط، مطالبا دول الجوار بالانخراط الكامل في مسلسل المفاوضات. لقد حان الوقت ليتحمل كل طرف مسؤولياته، خصوصا على ضوء الأحداث التي تعرفها المنطقة، والعمل بكل جدية وحسن نية قصد إيجاد حل سياسي توافقي و نهائي لهذا الخلاف الإقليمي المفتعل، للاستجابة لتطلعات إخواننا في مخيمات تندوف المحرومين من أبسط الحقوق الإنسانية. ومن هذا المنبر، أود أن أؤكد من جديد الحاجة الملحة لتحقيق اندماج مغاربي وفعال في إطار اتحاد المغرب العربي كفضاء منفتح ومتكامل وديمقراطي، خدمة لمصلحة الشعوب المغاربية الخمسة: - مغرب كبير يشارك بشكل فعال وخلاق في الدينامية الحالية التي يشهدها العالم العربي. - مغرب كبير مساهم نشيط في تفعيل التعاون الأورو- المتوسطي كما يجسده الاتحاد من أجل المتوسط. - مغرب كبير ينخرط بجدية في تنمية واستقرار منطقة الساحل والصحراء التي تشهد تهديدات إرهابية خطيرة، وتوغلا كبيرا لشبكات الجريمة الدولية المنظمة. باعتبار المغرب، عضوا مؤسسا للمنتظم الإفريقي، جعل صاحب الجلالة الملك محمد السادس استقرار وتنمية القارة الإفريقية في صدارة أولويات السياسة الخارجية للمملكة المغربية، منتهجا سبيل التعاون والتضامن لرفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تعرقل التنمية الشاملة بهذه القارة. وبنفس الإيمان، ساهم المغرب بكل إيجابية في جهود إقليمية ودولية لتسوية عدد من النزاعات، فضلا عن مشاركته المبكرة والمتواصلة في قوات حفظ السلام الأممية، وخاصة في إفريقيا، وواكب بشكل نشيط وفعال في المسلسل الناجح للانتقال الديمقراطي الصعب في بعض الدول الإفريقية كغينيا والكوت ديفوار والنيجر. واقتناعا من المغرب بضرورة تعزيز وتطوير منابر التشاور، والتنسيق بين الدول الإفريقية، عمل بتعاون مع أشقائه الأفارقة على إنشاء تجمع الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، وذلك بهدف الاستثمار الأمثل والجماعي لفرص التعاون التي يتيحها هذا الفضاء المشترك، ورفع ما يواجهنا جميعا من تحديات مرتبطة به وخاصة الأمنية منها والبيئية. ومما لا شك فيه أن تحقيق التنمية المستدامة في الدول النامية، خاصة الإفريقية، سيظل أمرا صعب المنال، طالما بقيت الفجوة شاسعة بين المساعدات التنموية الدولية التي عرفت تقلصا بفعل الأزمة المالية والاقتصادية، وبين مستويات المديونية التي تثقل كاهل الدول النامية. وإذ نحث المجموعة الدولية على تقديم مزيد من الدعم لقارتنا الإفريقية، وجعلها في صلب أولويات برامجها بما يسهم في تحقيق أهداف الألفية للتنمية، ندعو الدول والمنظمات وباقي الشركاء إلى الوفاء بتعهداتهم في هذا المجال. ويتطلع المغرب إلى أن يسفر الحوار الرفيع المستوى حول تمويل التنمية المقرر عقده في دجنبر القادم، عن نتائج ملموسة تعيد الثقة بين الدول النامية وشركائها بما يعطي دفعة جديدة ل «توافق مونتيري». كما يجدد التأكيد على الأهمية الخاصة للمبادرة الملكية الداعية إلى تنظيم اجتماع رفيع المستوى بالجمعية العامة للأمم المتحدة حول الاستثمار في إفريقيا. وبحكم تضامنه مع الدول الصغيرة والجزرية في منطقتي الكاريبي والمحيط الهادي والمحيط الهندي، يبقى المغرب مستعدا لبلورة التزامه للإسهام في كل مبادرة ترمي إلى مساعدة هذه البلدان على رفع التحديات التنموية والبيئية التي تواجهها، في إطار استراتيجية موريس. السيد الرئيس بهذه الرؤى الواضحة والتوجهات البناءة التي تعكس الانسجام التام والتطابق الكامل بين اختيارات المملكة المغربية الداخلية وأولويات سياستها الخارجية، تتطلع المملكة إلى تأييد الدول الأعضاء في الجمعية العامة لترشيحها للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن للفترة 2012 - 2013. ويأتي هذا الترشيح تطبيقا لمبدأ التناوب المعمول به على مستوى المجموعة الإفريقية، كما يسعى إلى خدمة السلم والاستقرار وتعزيز التضامن وإعلاء القيم الكونية: * فهو أولا ترشيح لخدمة السلم والأمن الدوليين التي جعلت منهما بلادي التزاما دستوريا واضحا، يكرس لتجربة ميدانية امتدت على أزيد من نصف قرن، وتميزت بمشاركة أكثر من 50 ألف فرد من قواتنا المسلحة الملكية في عمليات حفظ واستتباب الأمن عبر العالم. كما يتجلى هذا الالتزام في إسهام المملكة المغربية في المشاركة الفعالة في أعمال لجنة توطيد السلام، باعتبارها أداة لتفعيل التضامن الدولي مع الدول التي تعرف نهاية النزاعات وبداية البناء والمصالحة الوطنية. وإثراء لهذه الشراكة من أجل السلام، ما فتئ المغرب يعمل بكل شفافية والتزام في مجال نزع السلاح و الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل. * وهو ثانيا ترشيح لتعزيز التضامن خاصة بين الدول النامية في إطار تعاون جنوب جنوب بمضمون ملموس وآليات متجددة. ويشمل هذا التعاون : - تقديم مساعدات إنسانية لمواجهة الكوارث الطبيعية والأزمات الغذائية، خاصة في الدول الإفريقية جنوب الصحراء ومنطقة الكارييب وجزر المحيط الهادي. - إقامة برامج تعاون مالي وتقني في مجالات اقتصادية واجتماعية كالفلاحة والصحة والماء والكهرباء. - فتح باب التكوين أمام أزيد من 9000 طالب سنويا قادمين من 42 دولة، منهم 8000 يستفيدون من منحة مغربية. * وهو أخيرا ترشيح من أجل إعلاء القيم العليا انطلاقا من أن المغرب شكل دائما بحكم موقعه الجغرافي وتنوعه الثقافي وانفتاحه على العالم، ملتقى للحضارات وأرضا لإشاعة ثقافة التسامح والتعايش بين الأجناس والأديان. والتزاما منها بالمبادئ الحقوقية الكونية، اتخذت المملكة المغربية مبادرات بناءة لدعم ثقافة حقوق الإنسان واضطلعت بدور نشيط في مسلسل مراجعة ووضع آليات مجلس حقوق الإنسان اعتبارا للمكانة الهامة لهذا المجلس وقوته الاقتراحية داخل المنظومة الأممية، والمكتسبات التي حققها في ظرف وجيز. ولنا اليقين، أن دعمكم لهذا الترشيح المشروع ، الذي يتزامن مع ظرفية إقليمية خاصة، سيعطي لعضوية المغرب في مجلس الأمن بعدا متميزا يصب في مصلحة تناول بناء وملتزم ومتوازن لبعض المواضيع الحساسة الموجودة على أجندة المجلس، سواء العربية منها أو الإفريقية. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته».