لقد تم وضع دستورنا الجديد بتوافق إرادة ملكية سياسية مع إرادة وطنية واسعة بإدخال الاصلاحات الدستورية اللازمة لمرحلتنا الحالية، وتم تحضير مشروع الدستور من لدن نجباء مختصين في نظام اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، معززة بالآلية السياسية. وتم الاتفاق على نص ومضمون الدستور في استفتاء فاتح يوليوز 2011 وانطلق تفعيله يوم 30 يوليوز بتحديد التوجهات العامة للإصلاحات، التي يجب أن تواكبه، في الخطاب الملكي ليوم عيد العرش. وتبعا لذلك أصبح لدينا دستور جديد. يتطلب أيضا نجباء للسهر على حسن تطبيقه وتفعيله، نصا ومضمونا وروحا. و لهذا يمكن أن نعتبر أن الدستور بمثابة «الرجل» البشرية المعافاة، وتطبيقه ممكن أن نعتبره بمثابة البحث وإيجاد «البلغة» المناسبة لهذه الرجل، على أساس أن لا تمتد الايدي الى الرجل لقطعها لتكون مناسبة لأية بلغة نختارها، بل العكس هو الصحيح، يجب أن تجتهد الايدي في جعل البلغة ملائمة ومناسبة للرجل التي يمكن تغييرها أو تعديلها. هذا هو منطق العقل السليم، وأعمال العقلاء منزهة عن العبث كما يقال. وبالرجوع الى حكمة أخرى عاقلة، ونقول بأن إخفاء الصومعة يتطلب حفر البئر الكافي واللازم لإخفائها، ولا يمكن الاكتفاء ببئر غير عميق يكشف وجود الصومعة المختفية من مكانها الأصلي. للأسف الشديد، نلاحظ بوادر متعددة في تطبيق الدستور الحالي. نلجأ الى قطع الرجل عوض «تغيير» أو مراجعة صنع البلغة، والاكتفاء بحفر بئر أو آبار لا تستطيع إخفاء «الصومعة»، و الصومعة هنا هي مضامين وروح ونص الدستور، والابار غير العميقة هي بعض المساطر التي يتم اللجوء إليها في تفسير وتطبيق الدستور. للأسف الشديد أيضا، بدأنا نسمع بعض الاصوات المحللةن وبالخصوص على أمواج الاذاعة والتلفزة، تعتبر أن الأمر يتعلق بمساطر ويجب ألا تشغلنا هذه المساطر عن الجوهر الذي يجب أن يصل بنا الى الغاية المرجوة أو الهدف المقصود. يمكن أن نقول هنا إن الامر ليس بقضية شكلية. وليس مجرد اختيار مسطرة أو إجراء دون مسطرة اخرى أو إجراء آخر. ويستحيل أن نتبنى المقولة التي تدعي بأن الغاية تبرر الوسيلة. فالأمر يتعلق بمسألة جوهرية قد تترتب عليها مضاعفات سياسية وعملية كبيرة قدلا نجد لها حلا بعد ذلك. لهذا، من اللازم أن ننتبه من جديد إلى ضرورة التفكير بعمق في مختلف التدابير المتعلقة بتفعيل وتطبيق الدستور. وهذا التفكير يتطلب حرصا ويقظة، مستوعبين بالفعل لنص وروح ومضمون الدستور الحالي ليتم تأويله ديمقراطيا، وبالتالي تفعيله بكل ما يقتضيه من ترو وحنكة وتشاور مضبوط بين مختلف الاطراف والجهات المكلفة والمؤهلة والمختصة بتفعيل دستورنا الجديد،وصياغة هذا التفعيل في قرارات وإجراءات ومشاريع قوانين تنظيمية أو قوانين عادية أو قرارات تنظيمية بل حتى قرارات وتوجهات سياسية. أولا: إجراء انتخابات سابقة لأوانها لمجلس النواب هكذا مثلا كما قلنا في رأي سابقا مدافعين عن هذا التوجه الذي بدأنا به هذه الورقة. فتأويلنا للدستور أوصلنا الى أنه بالفعل يمكن تخفيض عمر البرلمان من خمس سنوات بالنسبة لمجلس النواب أو ست سنوات (أو تسع الحالية بمجلس المستشارين القائم حاليا) بمجلس المستشارين. لكن لابد من وجود ظهير لإنجاز هذا الحل من قبل جلالة الملك. طبقا للفصل 51 من الدستور الحالي، هذا الاجراء الوحيد الذي يمكن تطبيقه في المرحلة الانتقالية الحالية مع وجود كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين القائمين حاليا. وذلك لحل هذين المجلسين الاخيرين أو أحدهما. أما حل مجلس النواب، فإن الفصل 104 من الدستور الجديد يخوله لرئيس الحكومة. ولا يخول لهذا الأخير حل مجلس المستشارين. بالاضافة الى ذلك، فإن هذا الحل الأخير يجب ان يتم بمرسوم يتخذ في المجلس الوزاري. المهم أن هذا الحل الوارد في الفصل 104لا يعني مجلس النواب القائم حاليا. لأن الفصل 176 من الدستور الحالي المتعلق بأحد مضامين الفترة الانتقالية يحيلنا الى الفصل 51وليس الى الفصل 104 من الدستور. لهذا، لا يمكن أن نتوقف عن إلحاحنا بأن إنهاء ولاية مجلس النواب القائم حاليا تقتضي، دستوريا وبالضرورة، صدور ظهير يقضي بحله. إذا كانت هناك إرادة سياسية لإنهاء مهامه، وبالتالي إجراء انتخابات سابقة لأوانها لأعضاء مجلس النواب. فالاصل في العملية هو الحل وليس الاصل هو تحديد تاريخ 25 نونبر 2011 فقط. وبالتالي للزيادة في التوضيح، نذكر أن «مسألة الحل» هي الرجل،. أما تحديد التاريخ فيكمن في مسألة «البلغة». فالبلغة يمكن تعديلها وتغييرها، أما الرجل فلا يمكن قطعه ا أو تكييفها مع البلغة المحضرة مسبقا. ولقد بينا في ورقات سابقة أن المرتكزات التي نبني عليها هذا الرأي نعتبرها مازالت صالحة، ونلح عليها لأن الله يحب العبد الملحاح. اللهم اشهد إني قد نبهت.