يمثل الفنان الجيراري مدرسة في حد ذاتها، تخرج على يده موسيقيون وملحنون وكتاب كلمات وفنانون ومطربون.. ساهم بشكل مباشر في ظهور وتألق العديد من النجوم في المغرب في الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي، وأصبح أصحابها نجوما في سماء الأغنية المغربية والعربية، عبر برنامج «مواهب» الذي كان أشهر برنامج تلفزيوني مغربي لاكتشاف المواهب، الذي سيتوقف فجأة مع بداية الثمانينيات. الفنان عبد النبي الجيراري من مواليد سنة 1924، تلقى المبادئ الأولى في الموسيقى على يد الشيخ البارودي ومرسي بركات وغيرهم، كان يعشق الموسيقى والغناء منذ طفولته... يقول محمد الغيداني معد برنامج «الأذن ذاكرة» عبر الإذاعة الوطنية، في بدية شتنبر 2011، بمناسبة الإحتفاء به عن تجربته الفنية الغنية: «كان منذ صغره محبا للموسيقى والغناء وكان يتردد مساء كل جمعة على ساحة المشور السعيد بالرباط، حيث كانت فرقة الخمسة والخمسين تعزف بالعاصمة الرباط معزوفات ومقطوعات موسيقية في عهد جلالة المغفور له محمد الخامس، كان ذلك في الأربعينيات..» ويضيف الغيداني أن الجيراري سبق عصره بانفتاحه على تركيبات موسيقية لم تكن مألوفة في الأذن المغربية...» تعلم العزف على جل الآلات الموسيقية مثل القانون والأكورديون والبيانو والكمان، ثم قام بتأسيس أول جوق للموسيقى العصرية سنة 1947، الذي سمي ب «جوق الاتحاد الفني الرباطي»، وكان بمثابة نواة للأجواق العصرية التي ستأتي في ما بعد، كما يعد الفنان عبد النبي من بين الذين ساهموا في تأسيس الحركة الفنية المغربية، من خلال وضع بعض قواعدها لتأسيس الأجواق الموسيقية. بدأ الجيراري التلحين ل«راديوماروك»، ولحن العديد من القطع لأبرز الفنانين، مثل عبد الهادي بلخياط في قصيدة «حسبتك» للشاعر إدريس الجاي، كما لحن لإسماعيل أحمد، والمعطي بنقاسم، وعبد الوهاب الدكالي. لم يكتف الجيراري بالتلحين فقط، بل كان مبدعا ومجددا للأغنية المغربية، وباحثا في الكلمة المغناة. كما برع في العزف على عدة آلات ك «العود» و«البيانو». وساهم في بروز وشهرة كل من سميرة بنسعيد التي اكتشفها في السبعينيات وهي طفلة صغيرة. وليلى غفران، ومحمد الغاوي، ورجاء بلمليح التي حملها إلى عالم الشهرة والغناء، وفاطمة مقدادي، ومحمود الإدريسي، ونعيمة سميح، وعزيزة جلال التي تألقت غنائيا إلى أن اعتزلت الغناء، والملحن محمد بلخياط، ومحمد الأشرقي، وجمال أمجد، ومحمد الحياني، والمطرب عماد عبد الكريم، والملحن عبد القادر وهبي، صاحب لحن «ياك أجرحي»، وعز الدين منتصر، وفوزية صفاء، وأمل عبد القادر، ونادية أيوب، وعبد المنعم الجامعي، والبشير عبدة وآخرون. كما تناول الجيراري في ألحانه نصوصا لابن زيدون وجميل بثينة وأبي القاسم الشابي ومحمد بنبراهيم وادريس الجاي والمهدي زريوح. كان الأستاذ عبد النبي يسعى إلى تعبيد الطريق لنجوم الأغنية الصاعدة، وساعدها لتتألق التحليق في سماء الفن، كما كان له صدق في توجيه الأصوات الجميلة التي تستحق الظهور، وهو، وإن كان يجامل في بعض الأحيان، فإنه لن يتردد في التعبير عن رأيه بصراحة في الأصوات التي لا تروقه. وفي هذا الصدد تحكي الفنانة منى فتو حينما ذهبت للمشاركة في برنامج «مواهب»، بعدما استمع الأستاذ الجيراري إلى صوتها سألها عن إسمها، فأجابت «منى فتو»، فقال لها: «فات عليك الفوت أبنتي». الموسيقار الكبير عبد النبي الجيراري تم تهميشه منذ الثمانينيات. أصيب بأزمة صحية ألزمته الفراش لعدة شهور، وخضوعه لعلاج طويل ومكلف، و تفاقم وضعه الصحي بعد وفاة زوجته، ولزم منزله وأصبح يعيش وضعية صحية حرجة بعدما تدهورت حالته بشكل خطير. وغاب لمدة طويلة عن الوسط الفني قبل أن يظهر في تكريمين، الأول من طرف القناة الثانية، والثاني في إطار الدورة الحادية عشرة من مهرجان وليلي. وكان الملك محمد السادس قد أعطى تعليماته بالتكفل بعلاجه، ومؤخرا قام وفد من المكتب التنفيذي للنقابة الحرة للموسيقيين المغاربة بزيارته للإطمئنان على حالته الصحية والتضامن معه. نتمنى للأستاذ الفنان المخضرم عبد النبي الجيراري الشفاء العاجل، وطول العمر.