هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مديح السلطة


«سلاطة السلطة وقحة القدرة»
«هملت» لشكسبير
«لا نهزم السلطة بوردة»
ج. إ. تادييه
يد تلهو بقطع الشطرنج، قبضة ريح وريشة للهباء.. امرأة تفتح صدرها للعاشقين ثم تطويه مثل قبر.. ضوء جاذب لفراش الليل ومفتاح للجحيم، عش الدبابير ووكر أفاعي هي.
السلطة تدوول رجالاتها وتبقى.. تقتات على الأنسجة الحيوية لمن تمنحهم منصة التتويج بكراسي مريحة.. بضعة مهج الدنيا تبيد، وكيد بلا حدود هي، قادرة على صنع الأعاجيب.
معتقل بأشعة ما فوق بنفسجية يسرق منك سلافة الحياة.. الظامئ إليها، مثلما يرتوي بملح البحار.. شرك بيت العنكبوت للحالمين بنياشين التميز والتفوق.. وللغاضبين على شكل لباسها وإيقاع مشيتها وهندسة جسدها المغاير لما تعلموه في كتب الفلاسفة المثاليين والقانونيين الحالمين جدا.
ليل يخفي تجاعيده عن خيوط النجوم، سرير يؤثث طقوسه براحة الغدر ونسيج الخيانة وشهوة الدم حيث يسبق السيف، دوما، العدل.. آلة عجيبة لترويض الخيول، تقود فرسان عشاقها نحو المهاوي السحيقة.
«السلطة أول الحيوان فينا»، الخيانة ملح الوفاء فيها.. هي كذبة المنابر، شهوة الأمير اللامتناهية للخلود، خدعة الكلام في المجالس ورائحة مسكونة بالخوف والضياع.
مكافأة الوردة بالذبح.. جزاء سنمار، وضع قنبلة على شفتي قبلة.. منذ أول القتل إلى آخر العمر، لا تمسك السلطة إلا بالتلابيب وشبح الظلمة.. لأن لها دوما شهية الكلاب المدربة على الصيد، والموت في حدائقها عدو أليف.
السلطة حفلة الألم، منطقة مسيجة بالكوابيس، الرعشة المصاحبة لكل عضو، في الجسد أو في البرلمان أو .. حذر التربص، شهوة القنص، ونصب الشراك للأحلام المزعجة.
حربائية اللون تكتسي شكل الكرسي الذي تقتعده، سليلة النكايات، لا تنفرج أساريرها إلا عن فرح بجراح الآخرين: الأعداء المحتملين، إذ في السلطة لا بد من عدو في الحرب أو تراتبية في لحظة السلم، بهدف الوفاء للتقاليد التاريخية والطقوس الضرورية لتجسدن مراسيم كرنفال السلطة.
السلطة مخدر لإعداد الوصايا قبل الذهاب إلى الجنازة.. إدمان التعليمات والوباء الجماعي للأمر بغير معروف.. حين ترفع السلطة يدها للتحية، لا يعرف العاشق هل هي يد للسلام أم للوداع الأخير تمتد.
في المسافة بين خطو وآخر ترسم السلطة سكة قبور عشاقها.. في ميزانها، هي أو لا أحد .. تدفن موتاها فلا تحس بطعم الأسى ولا بواجبها في البكاء، ولا تحرر أعداءها إلا لصناعة باقة من التمجيد لعرشها، محاكاة لما فعلته كليوباترا بالقائد الروماني مارك أنطوان.
في ميزان السلطة، عين السخط كعين الرضا تبدي المساويا .. حواجز شفيفة بين المقدس والمدنس، لا مجال في دائرتها للصدفة، والحرب مجرد حادثة سير في منعطف التاريخ أو إعادة ترسيم لحدود غصن الحمام.
السلطة باب مشرع على غواية الغياهب، الطعم المر في الفم لكل مشتهى .. فم تنين أسطوري، بؤرة للجمر، هي لعنة التوقعات حين تخيب.. لهاث الناسوت للدخول في ملكوت اللاهوت، لتأبيد الرموز والطقوس والشهداء.
هي التي تحيل الأيام إلى رماد الصمت، وتخلق البهجة من شرنقة الأكاذيب، وعود بالقناطير ووفاء بالبخس منها، باب لتجميع الأغراض .. مديح وهجاء، غزل ورثاء..
كان الملك المغربي الراحل الحسن الثاني يرفض وصمها باللعب، لأن السلطة جد .. الشهوات، لهيب الحرب، جمرة الحيوان في أحشائنا، نشوة الشهرة في جناح الوقت.. لو تألقت كل أغصان الأشجار، وسيقان السنابل، وضوء القمر وشعاع الشمس وهبة ريح الغروب.. لما نسجت بيتا واحدا في مديح السلطة.
في نحو السلطة لا قاعدة واحدة صالحة للإعراب، لأن الكل فيها مبني على الخفض أو الرفع، على الكسر أو النصب أو السكون إلى الأبد.
ولأنها تلجأ إلى التعميم، تمنح نفسها حق الحديث المشرعن باسم الآخرين: الله والإنسان والمؤسسات، وما بين الأرض والسماء من هواء وماء ونار وتراب، وتسلب الكل حقه في إنتاج قوله أو بلاغته الخاصة، وتتكئ على الإبهام القصدي للمعنى في خطابها، لإيقاع الآخرين في شرك التحليل والتعليق والتفسير لا التأويل.. لأن نص السلطة مقدس شرعا، لذلك تعتبر المعارضة مجرد حاشية على متن السلطة.
تجاه السلطة، لا خطوة تقود لغير الجحيم نحو الممالك الباذخة.. غريزة البدايات، سليلة النهايات، فتنة نرجس بانكسار صورته على ظل ماء الغدير.. لا تقبل بالنديم ولا الخصم، وتزج بعشاقها كما بأعدائها في خمر لذة النصر أو كرع كأس مرارة الهزيمة.. الكل لديها سجين، وحبل المودة فيها أقصر من حبل الكذب، لذلك لا يغويها لحن قرابة الدم، حنو الأخوة ووفاء البنوة، «فالسلطة لا تفسد قدرة صاحبها على الحب فقط, بل تفسد أيضا تلقائية الحب لدى الغير، فصاحب السلطة لا يمكنه أبدا أن يتأكد من نزاهة الحب الذي يعلنه له الأصدقاء وذوو القربى، لأنه من الممكن بسهولة أن يكون هذا الحب محض نفاق ورياء، فضلا عن ذلك إن حب الرياء ينمو بما يقتات، فأولئك الذين يرفضون أن ينافقوا يغدون مكروهين منبوذين منفيين، في حين أن المنافقين يكافؤون».
في السلطة يحضر الأموات دوما ليبرروا بقاء الأحياء، أو لنعيد كتابة التاريخ على ما تبقى فيهم من أثر.. السلطة فخ الطامحين، قلادة لأسر الأحلام والحاجة إلى إيقاظ الفتنة، حيث القبر يصلح لاستقامة الظهور المحدودبة.. لهاث التعاليم، حقول تزرع بالجثث وتروى بالدم ودماميل التاريخ.
في السلطة الكرسي مصيبة والجالس عليه دوما مصيب.
فيها يصبح الحجام مسؤولا عن سقوط الصومعة.. لذلك فالداخل إليها مفقود والخارج منها مقدود، لأنها العتبة العليا لتجسيد بعد الحق في امتلاك حجية التأويل ،حق العنف وتبرير الخروج عن السياق، وحق إرسال الآخرين إلى الحج أو الجحيم على حسابها الخاص، بيت الله أو بيت النار سواء.. وعدالة السلطة هي ما شخصه شكسبير في مسرحية «الملك لير»، الذي قال: «الكلب يطاع وهو يحتل منصبا».
كل سلطة تتزين بعشب البراءة وتطعم الحشود أساطير دافئة لينسوا دموعهم كل ليلة حين يهجعون.. ويحرسوا على إزالة السخرية المرتسمة على وجوههم حقدا وكراهية.
السلطة نظام كلي لا يقبل التنازع في جزئياته، هي الروح المطلق أو الفكرة الكلية لارتقاء الحيواني فينا من الأدنى إلى الأعلى، دون أن يتخلى عن بدائيته الأولى، أقصد وجوده الطبيعي، هي اللذة في استقطاب أقصى حد من الألم بغية الحصول على أكبر قسط من السعادة، لذلك تبدو السلطة العتبة العليا التي تجافي حدود العقل والطبيعة معا.
فليست السلطة جوهر حقيقة الفكرة الأخلاقية، إنها ديالكتيك هيجل مقلوب على رأسه، والذي أنتج بموجبه الدوغم أو المعتقد المطلق، كل الغيتوهات والغولاكات وأشكال لاغيوتين المستحدثة..
وعلى عكس الحب الذي يشبه طائر البليكان الذي يهب فراخه، حين تجوع، أحشاءه طعاما ينقذهم من سغب الموت، فإن السلطة مثل القطة الجائعة التي تأكل أبناءها ببلادة حينا وبذكاء ماكر أحايين أخرى.
حتى حين تقتل السلطة القمر، وتسدد لإلاه المطر الضربات القاضية، تظل تبتسم بين الجرح والجرح.. هي تضع دائما الملح حين يكون السكر هو المطلوب، ومع ذلك فعشاقها كثر، وما زالوا يتناسلون ويستمرون.
لا تترك السلطة للذاهبين إليها فرصة إعداد نزواتهم، وفستان أحلامهم.. تسكرهم بخمرة الهبة والجاه، وتسلب زهرة عمرهم، هنا يتوحد المعتقل السياسي والمنفي والمضطهد مع الحاكم وحاشيته، أحدهما يشقى في نعيمها والآخر ينعم في شقائها، تلك فتنة السلطة السادرة في غيها.
هي أقوى من حرارة فرن الصائغ، على تذويب المحبين كما المعارضين مثل فص ملح.. فالسلطة عسل على شفرة حادة، هوس لتفريغ العقد حتى على أعواد مقصلة، وتفريغ للمكبوت في قالب مرصوص بالذهب.
السلطة عين لا تنام، لذلك فهي لا ترى جمال النخلة، سحر قطرة الندى كبذرة جمال على خد وردة، نفح الطيب وشذى الأحلام الرغيدة..
رغم دواء الديمقراطية، تنتشر السلطة مثل السرطان، حتى في التفاصيل الصغيرة حيث تؤاخي الشيطان.. ومع ذلك فهي ذات أدب جم، توشح المغضوب عليهم بأوسمة شرف وبكلمات من المديح الطيب، وتمشي في جنازة من تكشطهم بسرعة البرق، وقد تبني لهم التماثيل وتطلق إسمهم على شارع رئيسي بالعاصمة.. لغز ساحر هي.
صراع العلامات والرموز.. سلاسل الظلمة وأشواك الفتك، حشرجات الحالمين بالذهاب إلى قمة الجبل.. في السلطة تختنق الحقيقة وينطفئ الصدق، تتدلى ضفائرها مثل مشانق وسط السراديب، فهي مالكة مفاتيح الأبواب الموصدة، قناصة الفرص، واهبة الأوهام المعسولة، حس اليقظة في الثعلب القناص لا براءة الطريدة.
سحر غامض يتخطى حدود التخمين، ذاك الذي تجسده السلطة.. فهي تحيي عرسا إذا قتلت نجمة، وتشهر سكينا إذا انكسرت بقبلة.. وصاحب السلطة يأمر بإعدام الموج إذا مس معطفه ملح البحر، وبمحو الشتاء من قائمة الفصول إذا داعبه رذاذ المطر، وبنزع الألسنة وإخراس أجراس المدينة، إذا التقطت أذنه الصدى لا نداء الصراخ، لأن غضب السلطة مثل الوباء الجماعي لا يبقي ولا يدر.. جاذبية الموت هي، امتلاء رخو بنشيد الهزائم، عنوان اللاطمأنينة الأبدية وبيض لتفقيس الخطيئة.
السلطة إبنة الإنجاب بالليل، أما ما تبقى من نهار فهو فقط لتصريف ما تجمع من ركام الواجبات الثقيلة.. هي أنثى في المبنى اللفظي فقط، لذلك «كيدها عظيم»، أما هويتها الحقيقية فهي بنية قضيب الذكورة.
ظلت السلطة حية فيما قضى عشاقها نحبهم ومنهم من ينتظر، لأنها هي روح الأفعى سارقة عشب الخلود من يد جلجامش.. هي الأنثى التي روضت أنكيدو وأفقدته قوة الطبيعة، ليس في السلطة تجاعيد، لذلك فهي تظل تشع بسحرها، ولا تحتاج لعملية تجميل.. وتأسر هواة الليل الباحثين عن آخر النفق، والسادرين في غي أحلامهم.. لم تبق يوما أرملة، لأنها تتزوج الطامحين إلى عصر حليب نهديها، حتى قبل أن يذبل الحذاء الذي مشت به في جنازة معشوقها السابق..
لا تأبه لتغير الفصول ولا يتعبها تغيير الوجوه، ورغم أنها لا تعود إلى كرسيها مثل صياد خائب، فإن لها دوما نفس إحساس التذمر والانتقام الذي تحمله الشباك الفارغة.
للسلطة عادات سيئة.. لا ملابس داخلية لها: لا جوارب ولا صدريات ولا حاملات نهود.. لأنها تشعر بالخوف مما تحمله بداخلها، وتحول ضفائرها إلى مشانق بدون عطر، فالسلطة لا تطمئن حتى لسلطتها، فهي تنام بتاجها فوق رأسها خوفا من أن تحس مثل ملك مخلوع، وتريد من الأحلام أن تنحني لها بخشوع كل هجعة ليل.. وكلما اهتز عرش عشاقها، غادرتهم نحو الغزاة الجدد بنفس ابتسامة مضيفة الطائرة.. السلطة عاهرة قد تمنح ذاتها للآخرين، كلما أصاب الجالس بجانبها سهو أو وسن.
من وجد مفاتيحها ضاع في بطون مهالكها، ومن أراد زرع زهر الصواب في حدائقها، رمته إلى حافة الجنون أو أوصدت عليه أبواب النسيان، فهي تحتاج دوما إلى من يبرز أنه جدير بها.. فالموت شهادة حياة السلطة، في كنفها يبدو مبررا بالقانون ومحميا بالكراسي، ركام تيه الطرقات، حيث لا تنفع إرشادات علامات المرور.. وحده المتنبي، بفراسته، يقظته وبهائه.. كان يميز المهاوي البعيدة في دهاليز السلطة، ولم يسر فيها بحذر الحكيم، فقاده الطريق نحو الجحيم.
في ديوان السلطة يتفق الخصمان اللذوذان على الصلح، من أجل القضاء على بعضهما البعض بقفازات حريرية..
ومع ذلك فللسلطة قوانين ونواميس، مؤسسات وضوابط، ودستور تخلقه لتخرقه دوما لتضمن استمرار سلطة سحرها قبل تغيير أزيائها..
للسلطة أساليب بهية، دوما وستبقى.. هكذا إلى الأبد.
تمثلات عن السلطة
من حيث الدلالة المعجمية «للسلطة»، نجد في «لسان العرب» حوضا دلاليا واسعا يشترك في أبعاد الهيمنة والمعرفة والقوة والسيادة والسيطرة والغلبة والحجة والبرهان، على الشكل التالي:
سلط : من السلاطة وهي القهر والسيادة والهيمنة والحدة والشدة والسطوة والحزم والتأثير..
فالسليط طويل اللسان، وما يضاء به من زيت وغيره، والسليطة: الفصيحة حديدة اللسان أو من اشتد صخبها.
السلط : القوائم الطوال، والسلطان: الحجة والبرهان وهو القاهر وحجة الله في أرضه، والأمراء سلاطين لأنهم تقام بهم الحجة والحقوق .
والسلطة : السهم الطويل وإطلاق القدر والقهر.
قال ابن جماعة وهو قاضي القضاة على عهد المماليك في القاهرة في كتابه «تحرير الأحكام»، بعد تفصيله في أمر ضرورة الالتزام بالطاعة لكل سلطة تمت لها الغلبة : «فإن خلا الوقت عن إمام فتصدى لها من هو ليس من أهلها، وقهر الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة أو استخلاف، انعقدت بيعته ولزمت طاعته، لينظم شمل المسلمين وتجمع كلمتهم، ولا يقدح في ذلك كونه جاهلا، أو فاسقا في الأصح، وإذا انعقدت الإمامة بالشوكة والغلبة لواحد، ثم قام آخر، فقهر الأول بشوكته وجنوده، انعزل الأول، وصار الثاني إماما، لما قدمناه عن مصلحة المسلمين وجمع كلمتهم».
يقول نيقولو ميكيافيللي في كتاب «الأمير» الذي أطلق عليه موسوليني وصف «ملازم رجل الحكم»:
«على الأمير الذي يجد نفسه مرغما على تعلم طريقة عمل الحيوان، أن يقلد الثعلب والأسد معا، إذ إن الأسد لا يستطيع حماية نفسه من الأشراك، والثعلب لا يتمكن من الدفاع عن نفسه أمام الذئاب، ولذا يتحتم عليه أن يكون ثعلبا ليميز الفخاخ وأسدا ليرهب الذئاب، وكل من يرغب في أن يكون مجرد أسد ليس إلا، لا يفهم هذا، وعلى الحاكم الذكي المتبصر أن لا يحافظ على وعوده عندما يرى أن هذه المحافظة تؤدي إلى الإضرار بمصالحه (...) ولن يعدم الأمير، الذي يرغب في إظهار مبررات متلونة للتنكر لوعوده، ذريعة مشروعة لتحقيق هذه الغاية (...) وعليه أن يكون مداهنا كبيرا ومرائيا عظيما (...) ولذا فإن من يتقن الخداع، يجد دائما أولئك الذين هم على استعداد لأن تنطلي عليهم خديعته».
بالنسبة للفيلسوف برتراند رسل ف: «السلطة تعني بكل بساطة إنتاج آثار مرجوة».
أما الباحث الأمريكي روبرت دال: «فالسلطة هي الطاقة التي يستخدمها أي شخص للحصول على شيء ما من آخر لم يكن ليحصل عليه لولا ذلك التدخل».
قال جيل دولوز: «إن السلطة تتصرف بعنف أو تمارس نفسها كإيديولوجية، تارة تقمع، وأخرى تموه أو تخدع وتوهم، تارة تتقمص زي الشرطي وتارة ثانية تتخذ شكل دعاية .. فالسلطة تمارس نفسها كإيديولوجية، حتى عندما تتسلط على النفوس، لا تلجأ بالضرورة إلى العنف، لا تقمع في الوقت الذي تتسلط فيه على الأجساد، بل الصحيح هو أن العنف مظهر أو أثر للقوة المسلطة على شيء.. فالسلطة تنتج الواقع قبل أن تقمع، كما تنتج الحقيقة قبل أن تضفي عليها رداء إيديولوجيا، قبل أن تجرد أو تموه.
(...) السلطة ليست مؤسسة، وليست بنية، وليست قوة معينة يتمتع بها البعض، إنها الإسم الذي يطلق على وضع استراتيجي معقد في مجتمع معين (...) تحاصر السلطة المغلوبين وتخترقهم مرتكزة إليهم بنفس الكيفية التي يرتكزون بدورهم إلى التأثير والسطوة اللذين تمارسهما عليهم في صراعهم ضدها».
أكد لويس الخامس عشر وهو يخاطب برلمان باريس في مارس 1716 على أنه: «في شخصي وحده تجتمع السلطة، ولي وحدي تعود السلطة التشريعية دون منازع أو حسيب، النظام العام بمجمله يستمد وجوده من وجودي، وأنا حاميه الأول».
بالنسبة للسوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو: «لا تحكم لغة السلطة وتأمر إلا بمساعد من تحكمهم، أي بفضل مساهمة الآليات الاجتماعية القادرة على تحقيق ذلك التواطؤ الذي يقوم على الجهالة، والذي هو مصدر لكل سلطة».
قال ألفريد سوفي: «إن الانخراط في السلطة، هو فعلا، أن يموت المرء كإنسان ليولد كحائز للمسؤولية الكبرى».
أكد عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر: «أن من يتعاطى السياسة ويقبل باستعمال وسائل السلطة والعنف إنما يتحالف مع الشيطان (...) فالسلطة لا توجد إلا في إطار سياق العلاقات الاجتماعية التي تمكن جهة غالبة لفرض إرادتها برغم كل عناصر المقاومة».
أما ميشيل فوكو فيري:» أن السجن هو المكان الوحيد الذي تبرز فيه السلطة في حالتها العارية وأبعادها الأكثر مبالغة، خاصة وهي كسلطة أخلاقية... وهذا هو ما يبهر في السجن، إذ أنها أول مرة لا تتخفى فيها السلطة ولا تتقنع، وتبرز كتجبر مبالغ في جزئياته الوقحة بذاتها، وفي نفس الوقت فهو نقي، لأنه مبرر، لأنه يتشكل داخل أخلاقية تؤطر وجوده»
قال الخليفة الأموي معاوية وهو يخطب في الأمة: «الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما أخذته فلي وما تركته للناس ففضلا مني». وفي سياق آخر: «من لم يعجبه صوتي فسيعجبه سوطي»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.