يتوهم المستبد العربي أن السلطة لا تستقيم الا بممارسة أشكال ثلاثة من العنف : أما الشكل الأول فهو عنف القهر المادي الذي يقوم على خنق أفعال «الارادة» وما ينتج عنها من شعور بحرية الحركة وحرية تحرير الكلام والأفكار. وإما الشكل الثاني فهو عنف «القهر النفسي» الذي يرتكز على تعليب عواطف الشعب من أجل تبليدها ومحاصرة مشاعرها بخلق ذهنية معممة، ترسخ في الأعماق النفسية الشعور بالقصور الذاتي في بلوغ مستوى الرشد. ثم إن المستبد العربي يتوج هذين الشكلين من العنف بممارسة «العنف الفكري» الذي يقوم على استباحة الفطري في وجود الفرد ووجود الجماعة. وعلى هذا النحو ينبذ المستبد العربي تعدد العقول لفائدة العقل الواحد، واختلاف الرؤى لفائدة الرؤية الوحيدة التي قد تذهب الى مستوى لا يصدقه العقل البشري . لقد اعتبر الحجاج بن يوسف الثقفي بالعراق القديمة، زمان التأسيس الضال للاستبداد العربي، معارضيه كائنات أخرى غير رؤوس تينع ليتم قطعها. واليوم عشنا حتى رأينا الجهاز القمعي خارج القانون والمسمى في سوريا ب»الشبيحة» يعترض طريق الفنان الكاريكاتوريست علي فرزات في الساعة الرابعة والنصف صباحا كي يشبعوه ضربا مؤذيا-داخل سيارته- في كل أطراف جسمه- وعلى مرأى وفرجة من رجال الأمن الذين كانوا لحظتئذ في نفس مكان الجريمة بساحة الأمويين بدمشق . هل اكتفوا بذلك؟ أبدا! لقد جرجروه من عربته ووضعوه بينهم في سيارتهم وراحوا يعذبونه وهم يسيرون الى أن أوصلوه الى مكان قفر بطريق المطار خارج دمشق. هل اكتفوا بذلك، أبدا! لقد أنهوا عملهم القذر بمحق أصابعه وهم يتصايحون:» هذا كي لا ترسم ضد أسيادك..هذا كي لا ترسم أبدا.. هذا كي لا تتطاول على أسيادك ...سنكسر أصابعك كي لا ترسم أبدا». وبالطبع لم يكتفوا بهذا أيضا، ذلك أنهم مزيدا في ما اعتقدوه إذلالا للفنان الشهير في سوريا وفي كل العالم، قصوا شعر رأسه وشعر لحيته وراحوا يرقصون منتصرين على فن الكاريكاتير الذي ينظر إليه المستبد العربي على أنه كفر لا يستحق شيئا آخر غير تكسير الأصابع . إنها المسغبة الروحية التي لا يعاني من ضلالاتها غير الكائن الاستبدادي، وهو من هذه الزاوية يستحق الشفقة الممقتة ...ما هي رسالة المستبد الى المفكرين والفنانين في هذه»النازلة» الغرائبية؟ إنها ذات الرسالة التي مارست مضمونها القمعي الشرس ما يسمى «الشبيحة» ضد مجرد مظاهرة لدعم انتفاضة الشعب السوري نظمها الكتاب والمثقفون بدمشق في منتصف شهر جوييي من هذا العام (2011)؟ أيها المستبد في سوريا :نحن لم نخطئ فهمك أبدا، ولم ننتظر أن تكسر أصابع علي فرزات كي نفهمك . فقبل ذلك ذبحت حنجرة ابراهيم القاشوش؟؟؟. وهاتان الواقعتان وحدهما كافيتان لإسقاط الاستبداد، فليسقط...نعم لابد أن يسقط الاستبداد في كل مكان ، فكيف يمكن أن يستمر في واحدة من كبريات أمهات الحضارات العالمية التي انطلقت منها كل الحضارات؟