أمام البلاد منعطف حاسم، لا داعي لكي نعيد تعداد ملامحه، وأمامها فرصة تاريخية قوية لقفزة تضعها في الطريق السيار للتاريخ الديموقراطي،وفي أفق التطلعات البشرية المتقدمة، إذا ما هي وجدت بالفعل كل عناصر القوة الممكنة اليوم، وهي تستعد للمرحلة القادمة من تاريخ استقلالها وبناء الدولة الوطنية الديموقراطية. هناك الكثير من العناصر التي تصنع مادة حية، متماسكة قادرة على أن تكون خميرة للمستقبل. هناك الدستور الذي صادق عليه مغاربة الألفية الثالثة، والأمل يحدوهم بأن يتكرس الاستثناء المغربي ، مبنى ومعنى في الدائرة الأوروعربية، ويتكرس أيضا الاختيار الديموقراطي السلمي كعتبة وبوابة لحل كل المشاكل. لن نجانب الصواب إذا قلنا إن أهم شيء في تكريس الإمكانية السياسية، التي انعدمت في دول الفتن والثورات والاقتتال وتسببت في ما تسببت فيه، هو النص الدستوري ومضامينه المتقدمة والالتفاف حوله ، والتقدير الجماعي لتقدمه وطلائعيته . وعلينا أن نكتسب الجرأة الكافية لكي نقول بأن النص الدستوري، إذا لم يجد صداه العملي في الحياة العامة ، فإنه سيصبح مثل أي نص ، مهما كانت قوته ، بلا روح وبلا امتداد عملي قادر علي خلق التعبئة السياسية للتوجه الى الاشياء الرئيسية في بلادنا. وهناك ثانيا العمل السياسي الحالي من أجل أن يتم تنزيل وتفعيل هذا الدستور على أرض الواقع، وخلق الشروط التي تجعله حقيقة واقعية في حياة المؤسسات والأفراد، وهو التنزيل الذي تقاربه كل مكونات الأمة من مواقع وحسابات مختلفة، مع الاتفاق جوهريا حول ضرورة ضمان سلامته وتأمينه من كل الانزلاقات. ولا بد لكل أطياف الفعل السياسي أن تقدر التقدير الصحيح لهذا التنزيل، الذي يعد الترجمة العملية والمادية للنص المصوت عليه بأغلبية ساحقة، وبشبه إجماع مجتمعي. ومن هذا المنطلق فأمام الاغلبية الحالية ، بالرغم من عمرها القليل، أن تتصرف بالفعل ، طوال الايام الفاصلة بينها وبين الاقتراع التشريعي، كمؤتمن على هذا التوجه وأن تقتنع، وهي راحلة، بأنها انخرطت في التنزيل القانوني والمسطري والمؤسساتي المطلوب منها. ومطلوب من المعارضة أيضا أن تنضج شروط مشاركة قوية وفاعلة للرأي العام، سواء كان قد التحق بتحليلاتها أو خالفها. لقد كانت المعارضة، والتي اشتغلت في عز الصراع والقرار الاستبدادي بقتلها ، لا تدين الانتخابات سوى بعد مرورها، إذا ثبت التزوير، كما أن القوى الوطنية الإصلاحية، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي، لم تكن ترفع من شعار سوى لتعزيز المشاركة الشعبية بالرغم من كل الظروف المناهضة للديموقراطية وللاقتراع السيادي الشعبي. وعليه، فإن النقطة الثالثة التي يجب أن يضعها الجميع في الحسبان ، هي أنه لا توجد قوى سياسية قادرة على الهيمنة، سواء سعت الى رسملة القلق الشعبي العربي ، أو الى التهديد بإعادة تشكلات الماضي ومتاريسه، ولا توجد أية قوى سياسية غير قابلة للنقد وللمحاسبة على التدبير أو المواقف أو التوجهات التي تحكم مساعيها. إن المغرب يحتاج أيضا إلى أن تتقلص كل مساحات الشك في استحقاقاته، سواء بقرارات إدارية ، تعزز الثقة والحد الأدنى من السلم السياسي الضروري لدخول غمار الاقتراع العام المباشر، منبع السيادة ،أو بالتزام الجرأة مع الذات وتحصينها من كل استسهال قد يضرب ما تحقق من عناصر التماسك والتفاعل السياسي . نحن نشعر بالفعل أن المغرب في حاجة الى جرعة كبرى من الصدق والنزاهة الفكرية والوطنية المتعالية عن الحسابات، فئوية كانت أو حزبية أو سياسية تخدم لوبيات تكد من أجل استعادة جزء من الماضي الذي جاء الدستور لدفنه. حذار من أن تجتمع مقومات اليأس، وتجتمع أطراف ، ظاهريا متناقضة أو متصارعة وتدفع، ضمنا أو صراحة ، شعورياأو لا شعوريا الى المزايدات، والى خلق كل شروط التيئيس من المسلسل الديموقراطي، الذي يعد، في هذه الحالة صمام الأمان لبلادنا. إن الذي يكسر صندوقا شفافا، عليه أن يعرف أنه يفتح قبرا للأمل، ومن يوصد بابا لتعلم الديموقراطية، يفتح قمقما للشيطان. والجميع يحتاج الى الجرأة مع الذات ومع المصالح ، الآنية أو البعيدة، عندما لا تتجاوب أو تتماشى مع المصلحة الكبرى للبلاد.