يعتبر بنيامين باربر أحد المثقفين الأمريكيين البارزين حاليا . وهو لا يقل أهمية من حيث الصيت والشهرة عن فرانسيس فوكوياما وصمويل هنتنغتون أو حتى نعوم تشومسكي . فبنيامين في كتابه» الجهاد ضد أمركة العالم : العولمة الرأسمالية والتزمت الأصولي ضد الديمقراطية « يقف في الجهة المضادة لصمويل هنتنغتون من حيث تركيزه على نقد الامبريالية التجارية التوسعية لأمريكا ، وليس فقط الاكتفاء بنقد الأصولية الإسلامية . فهو لا يعتبر أن الخطأ موجود في طر ف واحد ، بل في طرفين . فالحضارة الغربية ليست خالية من العيوب كما يزعم هنتنغتون أو حتى فوكوياما. الفوضى العالمية الحاصلة حاليا ليست ناتجة فقط عن انفجار العصبيات الدينية والعرقية والطائفية في أنحاء شتى من المعمور وإنما هي ناتجة أيضا عن توسع العولمة الرأسمالية الجشعة التي لا تعرف إلا قيمة الربح والاستهلاك المادي المسعور وازدهار الأسواق التجارية (107ص) فبنيامين الأستاذ للعلوم السياسية في جامعة نيويورك المنتمي إلى الجناح المستنير شاهد بأم عينيه الطائرتين اللتين نطحتا برجي المركز التجارة العالمي وهو يلقي درسه مع الطلبة (107) .مما أوحى له أن هناك صراع كوني بين قوى الجهاد وبين الثقافة الرأسمالية العالمية. ويقصد الجهاد هنا مجمل القوى المضادة للحداثة وفي طليعتها الأصولية الإسلامية بالدرجة الأولى (108). فمن خلال تحليلاته للحدث خلص بمنيامين إلى النتيجة التالية : إن عقل الأصوليين ينتمي إلى العالم الحديث لاستعمالهم للتكنولوجيا : الانترنيت - الهواتف النقالة -وسائل المعلوماتية الحديثة المتطورة- الطائرات السريعة.(108) وروحهم تنتمي إلى العهود الغابرة والقرون الوسطى . وهنا وجه الغرابة والتناقض الذي يصعب علينا فهمه أو استيعابه .فالذين هاجموا نيويورك وواشنطن برهنوا على مهارتهم العالية في السيطرة على التكنولوجيا ، ٍ فهؤلاء ليسوا أغبياء وإنما هم أشخاص يتمتعون بكفاءات عالية ، وبالتالي فهم يستخدمون أدوات النظام الرأسمالي الغربي ، يريدون تدميره أو الإطاحة به . وبالتالي فهم يحبون التكنولوجيا الغربية ويرفضون الفلسفة العلمية التنويرية . هؤلاء الذين عقولهم في جهة وروحهم في جهة أخرى يجب تشخيص شخصيتهم ، ما في نفوسهم وعقولهم وصولا إلى المفكر فيه (108). يستغرب بنيامين ولع الأصوليين المتزمتين بكل وسائل المعلوماتية والتكنولوجية الحديثة ، وكرههم في ذات الوقت لكل الأفكار الحديثة الآتية من الغرب . ويعتقد عندئذ أن الأمر يتعلق بانفصام في الشخصية . ولهذا السبب يقول إن عقلهم في جهة وروحهم في جهة أخرى . فقد كان من المنطق أن يرفضوا الحداثة كلها جملة وتفصيلا باعتبارها ناتجة عن الكفر والكفار .(108) ولكنهم قبلوا بوعائها الخارجي : أي الآلات التكنولوجية ورفضوا روحها ، أي الفكر الفلسفي والعلمي الذي يرون فيه خطرا على عقيدتهم اللاهوتية . ولكن في رأي بنيامين ينبغي القول للإنصاف والعدل بان العولمة الرأسمالية المفرغة من أي حس أنساني أو أخلاقي مسؤولة أيضا عن هذا الوضع. ولذلك هاجم المؤلف منذ العنوان كلا الطرفين من دون أن يضعهما على مستوى واحد .فأمركة العالم يرافقها الفقر واللامساواة والشعور بأنك ضحية السوق العالمية . ثم تشعر بأن قدرك محسوم سلفا من قبل قوى لا مرئية تتحكم بمصير العالم من خلف الستار أو من خلال الضغط على الأزرار.فإننا ان لم نصحح مسار العولمة ، فإن المعركة ضد الحركات الأصولية المتطرفة لن تنجح . وهذا هو ما لا يفهمه بوش وإدارته (109) . أما كلمة الجهاد « عند بنيامين المستخدمة في العنوان لا يعني فقط الجهاد الإسلامي ، بل تعني أيضا كل الأصوليات الدينية الرافضة للحداثة وهذا يعني أن المؤلف يعامل الجميع معاملة واحدة ولا يحصر التعصي على الإسلام فقط كما يفعل الكثيرون من مثقفي الغرب حاليا . ولكن بما أن الأصولية الإسلامية هي الشغل الشاغل للعالم بعد 11 سبتمبر فإن الناس يعتقدون بأن الأديان الأخرى خالية من ظاهرة التزمت والغلو في الدين (109). السؤال : ما الحل للتخلص من مخاطر الأصولية الدينية من جهة والعولمة الرأسمالية من جهة أخرى ؟