استعدادا للموسم الجديد، خاض الرجاء مباراة ودية ضد الحسنية، وكنت أتابعها من الدرجات بجانب والدي رحمه الله. خاض الدغاي الجولة الأولى وعوض بالتاجر في الشوط الثاني، لكنه ارتكب خطأين فادحين أشعلا فتيل الاحتجاج بالمدرجات. وهنا استحضرا طريفة أخرى من طرائف والدي، الذي كان يتوق لليوم الذي يشاهدني فيه أدافع عن مرمى الرجاء كحارس رسمي. لقد كان مستعدا للقيام بأي شيء من أجل ذلك. بعد انتفاضة الجماهير ضد التاجر، اندس والدي وسط الجماهير، وأخذ يسأل «أين ذلك الحارس الشاب المدعو الشاذلي؟»، وجد هذا السؤال صداه بين المحبين الرجاويين، الذين استحضروا المستوى الذي قدمته في مبارتي الموسم الماضي ضد الرجاء. وكان بين الجماهير محبون للخضراء إلى حد الجنون، وخاصة «حكيم البوليسي» و«اسحيتة» و«أنيس»، الذين توجهوا نحو العسكي، الذي كان يتابع المباراة عبر نافذة مكتبه بإدارة الرجاء إلى جانب الرئيس عبد الله غلام، وطالبوهما بتفسير لعدم الاعتماد علي في حراسة المرمى، ولاسيما بعدما أخبرهم والدي بأنني أتابع المباراة بالمدرجات. لم يعلم أي أحد أن الشخص الذي حرك هذه الموجة من الاحتجاج هو والدي. لقد كان ذكيا وعرف كيف يفرضني على مسؤولي الرجاء. حملني هذا الثلاثي على الأكتاف وأوقفني أمام مكتب العسكي. انتهت المباراة بهدفين لمثلهما، ووجد المسؤولون الرجاويون أنفسهم مجبرين على إطفاء هذا الغضب عبر التخلص مني، خاصة وأن أصداء سيئة عني كانت تروج في الكواليس، فاستدعاني الرئيس غلام إلى مكتبه وأخبرني بأنه توصل بعرض من مولودية وجدة للتعاقد معي. أخبرته أنني لا أريد الانتقال إلى أي فريق آخر، وقلت له إني أريد البقاء بالقرب من أسرتي، وأني رفضت عرضا توصلت به من الحسنية حبا في الرجاء، الذي أتشرف بحمل قميصه ولو كحارس رابع، لأن في تلك السنة كان قد صعد الحارس عبد السلام الدعقالي إلى الفريق الأول. كان لضغط الجمهور أثر قوي على إدارة الفريق، فما إن وصلت إلى المنزل بعد انتهاء هذه المباراة حتى أخبرتني والدتي أن عائشة الخويدمي، الكاتبة الإدارية بالرجاء، اتصلت بالهاتف وطلبت مني الحضور اليومي إلى التداريب، التي كانت تجري تحت إشراف المدرب الروسي روكوف بمساعدة فتحي جمال. استمر الوضع على حاله إلى أن جاء المدرب العماري، الذي يعرفني جيدا. لم أكن أشارك في اللقاءات، إلى أن اعتدي على الحارس الرسمي سعيد الدغاي من طرف بعض الجماهير الغاضبة بدرب السلطان، بعد خطئه الجسيم في البطولة العربية، حيث سجل على نفسه هدفا. أصيب الدغاي في يده، وتعرض في نفس الفترة الحارس التاجر لكسر على مستوى الكتف في مباراة ودية بملعب التكوين المهني. وهي الإصابة التي كانت سببا مباشرا في توقف مساره الرياضي. خيم القلق على كل مكونات الفريق، وكانت الأسئلة تتناسل تباعا على مدرب الحراس حجاب، الذي يعرفني جيدا، بحكم إشرافه على تدريبي عندما كان مدربا لحراس الأولمبيك. كان عبد السلام حنات كاتبا عاما للفريق حينها، وتعجب عندما سمع من المدرب حجام يرشحني للدفاع عن مرمى الرجاء، وقال له كيف ذلك وهو قصير القامة؟ تمسك حجام بموقفه، وأخبر مسؤولي الرجاء أنني في المستوى، وأنه يراهن علي. كانت مباراة الكوكب المراكشي هي أول ظهور رسمي لي مع الفريق. كانت الأمطار تتهاطل على مركب محمد الخامس، الذي كان مملوءا عن آخره. وجدت مساندة كبيرة من الجماهير، التي أرادت أن ترفع من معنوياتي في هذا الظرف الحرج، علاوة على الأصداء التي تركتها في الموسم السابق مع الاتحاد الرياضي كانت جيدة. كنا منهزمين في هذا اللقاء بهدفين دون مقابل، قبل أن ندرك التعادل. لم يوجه إلي أي لوم، بل كان التشجيع والدعم اللامشروط، في الوقت الذي وجهت سهام الانتقاد للاعبي محور الدفاع. وفي الدورة الموالية كانت لنا مباراة أمام المغرب الفاسي بملعب الحسن الثاني. ورغم المستوى الذي ظهرت به في المباراة الأولى إلا أن الكل كان متخوفا، فقررت أن أزيل كل عبارات التشكيك وراهنت على تقديم أفضل مستوى. وفعلا كنت رجل المباراة بامتياز، وعند كل ارتماءة أو خروج لصد محاولة ما، كان جمال السلامي يتقدم نحوي كي يهنأني، ويقول «أتدري ما الذي فعلته يا مصطفى؟ لقد أوقفت المد الفاسي». كان اللاعب بلحوجي ينسل في الجهة اليسرى ويمرر كرات مقوسة صعبة، وكانت تحول بالضربات الرأسية نحو المرمى، إلا أني كنت أسيطر عليها، ولم أترك أي فرصة لمهاجمي المغرب الفاسي. وأنهينا اللقاء فائزين بهدف واحد سجله رضى الرياحي في مرمى الحارس خالد فوهامي. انتظرتني فلول الرجاويين عند مستودع الملابس لتهنئتي، وبدأ الارتياح لدى المسؤولين وتحول التشكيك إلى رضى.