رصيده الكروي وألقابه الكثيرة تتحدث عنه، فهو واحد من الحراس المتميزين الذين أنجبتهم الساحة الكروية الوطنية في العقدين الماضيين. فرض نفسه داخل فريقه الرجاء البيضاوي وقاده إلى اكتساح الألقاب وطنيا وقاريا، بل كان له دور حاسم في أكثر من لقب. مجرد وجوده في المرمى كان يبعث على الارتياح في نفوس زملائه، كيف لا وهو الحارس الذي عرف بتدخلاته الحاسمة وردود أفعاله القوية وكذا تصديه لضربات الجزاء. إنه الحارس العنكبوت مصطفى الشاذلي، الذي يعترف بكونه ولد ليكون حارسا للمرمى، لأنه وجد نفسه يدافع عن «حجرتين» بالحي، وفرض نفسه بين أترابه قبل أن يقتحم باب الممارسة على أعلى مستوى عبر بوابة الأولمبيك البيضاوي. طيلة شهر رمضان الأبرك هذا، سنسافر مع الحارس الدولي مصطفى الشاذلي في رحلة ممتعة نقف خلالها عند لحظات العز والتألق كما اعترضه احيانا بعض الانكسارات، التي يرويها اليوم بكثير من الحسرة. غرس التنافس بين الأحياء في دوريات كرة القدم حب الانتصار في نفس الحارس مصطفى الشاذلي. فقد «كنا نتنافس على كأس نشتريها ونتركها عند جزار الحي، كي لا يسرقها أي أحد، ونتنافس في لقاءاتنا بحدة وقتالية. ومن يفوز في النهاية يستحق حمل هذه الكأس. هذا الأمر ولد في نفسي الإصرار على الفوز. وهي ميزة قلّت لدى كثير من لاعبينا الحاليين. مباريات الأحياء كانت هي المحك الأول الذي تتكون فيه شخصية اللاعب وتقوي حضوره الذهني. لقد ساهمت في خلق الشخصية الكاريزماتية للحارس مصطفى الشاذلي، وسطرت الخطوط الأولى لنجوميته. وهذا ما شعرت به حين أصبحت عميدا لفرق الرجاء البيضاوي.» كانت ملاعب الأحياء في هذه الفترة تعج بالنجوم، وكانت المنافسة على أشدها بين الفرق، فقد شكلت ملاذا رحبا للمنقبين عن المواهب، رغم قلة عددهم على مستوى الدارالبيضاء حينها. وما ساهم في هذا الزخم، كثرة الفضاءات والملاعب التي اندثر معظمها حاليا بسبب الاكتساح الإسمنتي. فلو توفر التوجيه لهذه الأسماء لبلغت أعلى درجات الممارسة. وهنا أستحضر أحد أبناء الحي ويدعى سعيد. كان لاعبا أعسر ويتوفر على مهارات تقنية عالية جدا. يشابه في بنيته الجسدية مارادونا، وحتى طريقة لعبه فيها الحس المارادوني. ودون مبالغة كان يمكن أن يكون هذا اللاعب - لو وجد من يؤطره - لاعبا عالما. فتحت أمامه فرصة الانضمام إلى فريق الوداد البيضاوي بعدما رصدته بعض أعينه التقنية، إلا أنه «هرب» ورفض الاستمرار. كان صيته ذائعا ولفت الأنظار بفنياته ومراوغاته. تدرب مع شبان الوداد بجانب الداودي والنيبت، وأعجب الجميع لكنه رفض التوقيع، رغم الإغراءات التي قدمها مسؤولو الفريق الأحمر، حيث أهدوه دراجة نارية للانتقال على متنها إلى التداريب، لكنه رفض الخروج من جلباب الحي. كنت شغوفا بكرة القدم إلى درجة الجنون، وكنت أستجدي جدتي وأحرجها حينما تكون مع نساء الحي لتمكيني من مبلغ ثلاثة دراهم أشتري بها كرة بلاستيكية، وأقصد أقرب فضاء للعب. لم يكن لدينا من يؤطرنا بالحي، وبالتالي كان لعبنا عشوائيا. كنا نضع «الحجرتين» وننخرط في لعب قد يطول لساعات، وكنت أتصدى لتسديدات زملائي الذين كانوا يتنافسون على هز شباكي». وأمام مطالبة الجيران للكوشي بالكف على إزعاجهم بكرته، كان يقصد ملعب «بوطراحة»، الذي كان يسهر عليه آنذاك المرحوم ريمي. ويقصد المرمى الحديدي ويبدأ في صد كرات زملائه حتى العياء، ليعود بعدها إلى المنزل مغبرا ومتسخا. في موسم 1986 - 1987 التحق بصغار فريق جمعية الحليب، «بعدما اقتنع والدي رحمه الله بصعوبة الالتحاق بفريقي الوداد أو الرجاء، بسبب البعد، وعدم توفر وسيلة نقل من حينا بسيدي عثمان إلى الوازيس. اقترح عليه أحد أصدقائه أن يسجلني بفريق جمعية الحليب، الذي كان قريبا من محل سكننا، ويمكن أن أذهب إليه راجلا. كان الفريق حينها يلعب بالقسم الوطني الثاني، وكان يشرف على تدريب فئة صغاره شخص يحمل نفس لقبي العائلي. كان يسمى محمد الشاذلي. توجهت نحوه وقلت له لقد أرسلني عندك فلان. لم يعرني أي اهتمام وخاطبني بلهجة حادة: «أولدي اللي عندو عندو ما يسيفطو حد عندي». هزت هذه الكلمات أركاني وعدت أدراجي إلى المنزل باكيا. وبعد فترة اصطحبني نفس الأشخاص الذين أرسلوني في البداية إلى الملعب وقدموني للمدرب محمد الشاذلي. كانت تداريب الصغار تتم بأحد الجوانب المتربة المحاذية لملعب تيسيما. يشكل المرمَيَان من المحافظ المدرسية للاعبين، لأن التداريب كانت تجري فقط في الفترة ما بين منتصف النهار والثانية بعد الزوال. طلب مني المدرب التوجه نحو المرمى، وبالنظر إلى الموهبة التي كنت أتوفر عليها، وكثرة المباريات التي خضتها بالحي، لم أشعر بالارتباك، كما أنه في تلك الفترة كان مطلوبا مني فقط طريقة الوقوف بالمرمى وكيفية التعامل مع الكرات المسددة اتجاهي. جذبت انتباه المدرب خاصة من خلال ردود الفعل وطريقة الوقوف داخل المرمى، فتقدم نحوي وقال لي بالحرف: «سنلعب يوم الأحد مباراة ضد نجم الشباب بملعبه. عليك أن تحضر». شعرت بفرحة غامرة، وعدت إلى البيت مسرعا وأخبرت والدي بأن المدرب قبلني واختارني لأشارك في مباراة يوم الأحد ضد نجم الشباب. استقيظنا باكرا. وضعت حقيبتي، التي جمعت بها أغراضي، وخاصة قفاز جلدي كنت أرتديه كلما اشتد البرد، فوق ظهري وأركبني والدي وراءه على متن دراجته النارية، التي كانت تعبر الأحياء الراقية بالدارالبيضاء، وخاصة حي الوازيس. التفت إلى والدي وقال: «أتدري يا بني، بهذه الأحياء يسكن علية القوم، حدد من الآن هدفك في الحياة. عليك أن تثابر وتجتهد لكي تصبح واحدا منهم، ويصير لديك منزل مماثل لهذه المنازل.» كانت كلمات نفاذة لكني لم أعلم مغزاها إلا حينما أصبحت حارس مرمى يلعب على أعلى المستويات». بعد الوصول انضم الشاذلي إلى زملائه، وسلمه المدرب قميص حراسة المرمى، «شعرت لحظتها بالسعادة، لقد ارتديت قميصا بشعار الفريق، ويتصدره اسم المؤسسة المحتضنة ويحمل الرقم واحد، وأنا الذي تعودت حينها على اللعب بملابسي العادية.» شاركت أساسا في الجولة الأولى، وقدمت عرضا باهرا. كان والدي يتابع المباراة من المدرجات، ويتواصل معي بالإشارة. وهنا أعود لأقول إن دوره في حياتي الرياضية كان كبيرا. طلب مني تلميحا حينها بأن أبحث عن سبب لأغادر الملعب، فقد خاف أن أرتكب أخطاء في الجولة الثانية قد تمحي كل العرض الذي قدمته في الشوط الأول. قلت للمدرب أني أصبت بتوعك، فقال لي «مزيان أولدي الله يجعل البراكة، انتظرني عند نهاية المباراة»، بعد الاستحمام سلمني المدرب الشاذلي استمارة الانخراط كي أملأ بياناتها بالمقاطعة.»