لن ينسى العرب أبداً سنة 2011، جراء الثورات المتلاحقة على الأراضي العربية، التي انطلقت شراراتها في تونس على يد بائع الخضروات محمد البوعزيزي، وامتدت لتطال كلا من مصر، واليمن، وليبيا، وسوريا، والأردن، والبحرين، وأسقطت اثنين من أعتى الأنظمة العربية في تونس ومصر، بينما لا تزال الأنظمة الأخرى صامدة أمام ثورة الشعوب الغاضبة. ومثلما شكل هذا العام علامة فارقة في السنوات الماضية والمقبلة، سيكون لشهر رمضان المبارك هذا العام أيضاً بصمته المختلفة، فالمظاهرات والاعتصامات ومختلف أشكال العنف، أدت بشكل أو بآخر، إلى وقف إنتاج عدد من الأعمال الدرامية، التي عادة ما تزخر بها شاشات التلفزيون في شهر الصوم. كما أن الأخبار المتسارعة من مختلف الأقطار العربية قد تدفع المشاهد إلى مقاطعة الدراما خلال هذا الشهر، لأن ما يجري من دراما واقعية وحقيقية، أعمق مما قد يتابعه المشاهدون على التلفاز. مصر ففي مصر، تم الإعلان عن وقف إنتاج الكثير من الأعمال الرمضانية بسبب الظروف الإنتاجية التي يعيشها القطاع الدرامي، حيث أكد المنتج محمد فوزي أن مسلسلات رمضان هذا العام لن تزيد على 30 مسلسلاً، إذ أن هناك مسلسلات تم تأجيلها من العام الماضي، وأن شركته لم تنتج هذا العام أي مسلسلات جديدة، بل ستدخل شهر رمضان بأربعة مسلسلات مؤجلة من العام الماضي. وأشار المنتتج الفني إلى أن إحجام التلفزيون المصري عن شراء مسلسلات رمضانية هذا العام كان سبباً رئيسياً وراء تراجع الإنتاج، إذ رفض التلفزيون التعاقد على شراء مسلسلات جديدة، واتبع طريقة حديثة وهي العرض بالمشاركة في نسبة الإعلانات مع الشركات المنتجة، وهو ما رفضته بعض شركات الإنتاج. من جهته، عبر السيناريست يوسف معاطي عن رؤيته بأن أحداث ثورة الشباب أثرت سلباً على الإنتاج الدرامي بشكل واضح، لأن أغلب المسلسلات تعرضت لإيقاف العمل بها بسبب أحداث الثورة، إذ تم تأجيل عرض مسلسل «فرقة ناجي عطا الله» للنجم عادل إمام، لأن العمل لن ينتهي قبل بداية شهر رمضان، بعد أن تعرض للإيقاف بسبب الثورة. أما في سوريا فقد بدا الوضع مختلفاً، إلى حد ما، إذ أن الأحداث التي بدأت قبل نحو أربعة شهور لم تؤثر بصورة مباشرة على عمليات الإنتاج، بحسب الممثل مصطفى الخاني. وقال الخاني إن «عدد الأعمال المنتجة لهذا العام يقارب معدل عدد الأعمال التي يتم إنتاجها كل عام في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك لأكثر من سبب؛ أهمها أن الأزمة التي مرت بها سوريا أتت متأخرة بالنسبة لموسم الإنتاج الدرامي، فالمسلسلات السورية تصور في فترتين زمنيتين من العام.» وأوضح أن الأولى تكون بعد انتهاء شهر رمضان مباشرة، ويتم فيها تصوير نصف الأعمال تقريباً، أما القسم الثاني من الأعمال فأغلبها كان قد بدء تصويره قبل اندلاع الأحداث في البلاد، وبالتالي لم يتأثر الإنتاج الدرامي السوري على صعيد الكم لهذا العام، وربما لو بدأت الأزمة قبل أشهر مما أتت عليه لكان لها تأثير أكبر على كم الإنتاج». أما الممثلة كندة علوش فقد كان لها رأي آخر، إذ أكدت أن الأحداث الجارية حالياً في العالم العربي، هي مادة غنية للمشاهدة حتى في شهر رمضان. وأضافت بالقول: «أنا شخصياً شاركت في أكثر من عمل لهذا الموسم، ولكنني أجد نفسي على المستوى الإنساني معنيةً أكثر بما يجري في سوريا والوطن العربي على المستوى السياسي والاجتماعي، وهذا ما تفرضه طبيعة الأحداث، دون أن يقلل ذلك من أهمية الدراما التي يمكن أن تستعيد تألقها في المواسم المقبلة، إذا كانت تعاني من أزمة هذا الموسم بفعل ما يجري على الساحة العربية». الخليج وخليجياً، قال الناقد يحيى زريقان إن عدد الأعمال الدرامية لشهر رمضان المقبل ستتراجع بنسبة تتجاوز 60 في المائة بسبب الأحداث الحاصلة في البلدان المنتجة، ومنها مصر وسوريا والبحرين وغيرها، «وهذا لا يعني أنه لن يكون هناك أعمال درامية، بل ستكون هناك أعمال قليلة لا تتجاوز ستة مسلسلات على مستوى الخليج»، بحسب قوله. وأضاف: «أما الأعمال السعودية فلن يتجاوز عددها الثلاثة، فنحن نحتاج الى أعمال كوميدية تعيد البسمة إلى الشفاه، لأن القنوات خلال الفترة الماضية امتلأت بأعمال قديمة تعاد من قناة إلى أخرى، مما أفقد الكثير من القنوات عدداً من مشاهديها.» أحد أبرز المسلسلات التي تعرضت للإيقاف كان مسلسل الفنان المصري عادل إمام «فرقة ناجي عطا الله»، الذي يعود به إلى التلفزيون بعد غياب 28 عاماً. ويحكي المسلسل قصة ناجي، اللواء المتقاعد في الجيش المصري، الذي يتم إلحاقه للعمل بالسفارة المصرية في تل أبيب، وبفضل شخصيته وخفة ظله، يتميز بين أفراد البعثة الدبلوماسية المصرية، ويستطيع اختراق مجتمع تل أبيب مما يقلق جهات الأمن في إسرائيل، ويطلبون إبعاده، وتتم الاستجابة فوراً للطلب، ويغادر تل أبيب بسرعة تاركاً أمواله في أحد البنوك، ويعود ناجي لاستعادة أمواله وينجح في ذلك، ولكنه يتعرض للمطاردات. القوائم السوداء ومع تضارب آراء الفنانين في عدد من البلدان العربية بالثورات في بلدانهم، ابتدع الشباب الثائر في هذه البلدان، ما عرف ب«القوائم السوداء»، أي تلك التي ضمت أسماء من وقفوا ضد الثورة، وفي المقابل، جاءت «قوائم الشرف»، التي ضمت أسماء من ساندوا الثورة. والسؤال هنا هو: هل يمكن أن تؤثر هذه القوائم على نسب مشاهدة المسلسلات التي ستعرض في رمضان لممثلين ممن ساندوا أو عارضوا الثورة؟ السيناريست يوسف معاطي أكد أن ما عرف إعلامياً بالقوائم السوداء لن يؤثر على مشوار الفنانين الذين وردت أسماؤهم في تلك القوائم، خاصة وأن الجماهير ترتبط بنجومها، بصرف النظر عن رأي الثوار الذين اخترعوا تلك القوائم. أما الفنان السوري مصطفى الخاني فقال: «أعتقد بأن تأثير تلك القوائم سيكون بشكل شخصي على جماهيرية الفنان نفسه، وليس على الدراما السورية بشكل عام، لأنها دراما تعتمد بصورة أساسية على البطولة الجماعية، ولكن من الممكن أن تتأثر الأعمال القائمة على النجم الواحد، وهذه النوعية من المسلسلات قلما نجدها في سوريا مقارنةً بالدراما المصرية». من جهته، يرجح المخرج والمنتج السوري نجدت إسماعيل أنزور أن يكون لها تأثير بشكل أو بآخر لدى بعض الأوساط، لكنه شدد على أهمية متابعة أي عمل درامي وتقييمه على أساس القيم الإنسانية التي يحملها، وليس على أي معيارٍ آخر. أما الممثلة كندة علوش، فقد كان لها رأي آخر في القضية، إذ فضلت التريث في الحكم لما بعد الموسم الرمضاني، لمعرفة مدى هذا التأثير من عدمه، لأن التجربة هي التي تثبت ذلك. لكنها رأت أن الموقف السياسي للفنان، استناداً إلى معتقداته وقناعاته، أمر شخصي، دون أن يؤثر ذلك على عمله، أما الأعمال الفنية فينبغي تقييمها من منظور ما تقدمه على المستوى الإنساني والفني، وفي النهاية العمل الجيد هو الذي يطرح نفسه بقوة على المستوى الجماهيري، بغض النظر عن مواقف الفنانين المشاركين فيه.