بتاريخ 20 غشت 1953، أبعدت فرنسا سلطان المغرب. وبعد المرور من كورسيكا، تم نفي محمد الخامس إلى مدغشقر شهر يناير 1954. وظل في أنتسيرابي إلى حدود أكتوبر 1955. وفي ذلك التاريخ، سمحت له السلطات الفرنسية، التي كانت مجبرة على التفاوض معه من أجل تسوية الأزمة المغربي، بدخول فرنسا. وبعد بضعة أسابيع على ذلك، كانت عودته إلى المغرب لتدشن مسارا جديدا نحو استقلال البلد. وفي هذا المقال الذي أنجزه الباحث فريدريك غاران، الأستاذ الباحث بجامعة «لاريينيون»، نجد متابعة لتفاصيل رحلة النفي إلى مدغشقر، وقبلها إلى كورسيكا، ونبشا في ذاكرة فترة بارزة من تاريخ مغرب ما قبل الاستقلال. وهو على متن الطائرة المتجهة نحو تناناريف، وضع المحامي إيزار الخلاصة التالية: فرنسا تقر بأن بن عرفة انتهى، وبأنه ليس ثمة أي حل ممكن بدون موافق صاحب الجلالة محمد الخامس، وبأنه يتعين على الحكومة العمل بسرعة على التوصل إلى وسيلة لإعادة الروح في العملية ككل. كان السلطان ينتظر رحيل بن عرفة واستبعاد مسألة «التنازل» والتخلي عن فكرة «سلطان ثالث». أما المحامي إيزار، فيرى أن أي اتفاق يتم توقيعه في مدغشقر سيكون مشبوها بالنسبة للمغاربة، كما أخذ بعين الاعتبار التفاوض في مدغشقر بشأن اتفاق نهائي لن يتم نشره إلا بعد وصول السلطان إلى فرنسا وإنشاء «مجلس للوصاية». كان مولاي الحسن ينتظر في تناناريف وصول المحامي إيزار، حيث استغل هذا الأخير الساعات الثلاث التي قطعاها معا في اتجاه أنتسيرابي وكشف مشروعه للأمير الذي كان يقود السيارة: «ولدهشتي الكبيرة، فلم يكن ثمة نقاش. كان الأمير ينصت ويطرح علي الأسئلة، قبل أن يعبر عن موافقته الكاملة، ووعدني بأنه سيدعمني أمام والده...» وفي نفس الليلة، تناول المحامي وجبة العشاء رفقة السلطان وأبنائه في الفندق، قبل أن تبدأ المحادثات، حيث أبدى السلطان نوعا من التردد على مدى يومين من النقاشات: «لم يكن له أي احتجاج على عودة العلاقات إلى طبيعتها العادية بين فرنسا والمغرب، بيد أنها ما تزال إلى حدود تلك اللحظة في النفق المسدود. ونوه بدون تردد بمقترحي لتعيين سي البكاي ممثلا في مجلس الوصاية، إذ سبق لي أن كانت لي علاقات مع هذا الرجل... لكن رفض رغم ذلك منحي موافقة نهائية، وطلب مني مناقشة كل شيء مع القادة الوطنيين الموجودين بباريس وإبلاغه بما ستسفر عنه تلك المحادثات، وبناء على تلك النتائج، سيحدد موقفه..» ولدى عودته إلى باريس، سيعمل المحامي إيزار على استشارة ممثلي حزب الاستقلال. وتعددت المحادثات التي تمت مباشرتها في أنتسيرابي. وفي منتصف شهر دجنبر، أخبر منديز فرانس المحامي إيزار بأنه ينوي «إدراج القضية المغربية في جدول أعماله شهر يناير، وبأنه مدعو للإطلاع على ذلك.» وتم تحديد موعد لتلك الخطوة في 30 دجنبر. ومن جهته، قام المحامي إيزار بدعوة محمد الخامس لإرسال مذكرة بأسرع ما يمكن: «ولقد بعث إلي سيدي محمد بن يوسف بتاريخ 26 دجنبر رسالة/ برنامج موقعة باسمه». وتم قبول الخطوط العريضة للمشروع، حيث سيتم تعويض «مجلس حماية العرش» ب «مجلس الوصاية». كما أن «خطة إيزار» أو «خطة 26 دجنبر»، والتي تقضي بعودة محمد الخامس تمت إعدادها. ورغم أن الرسالة لم تصل بين يدي المحامي إيزار إلا في مستهل شهر يناير، إلا أن ذلك التأخر لم يكن مؤثرا. ولقد التقى المحامي برئيس المجلس بتاريخ 30 دجنبر، وبدا تحسن كبير على الموقف الفرنسي.