بتاريخ 20 غشت 1953، أبعدت فرنسا سلطان المغرب. وبعد المرور من كورسيكا، تم نفي محمد الخامس إلى مدغشقر شهر يناير 1954. وظل في أنتسيرابي إلى حدود أكتوبر 1955. وفي ذلك التاريخ، سمحت له السلطات الفرنسية، التي كانت مجبرة على التفاوض معه من أجل تسوية الأزمة المغربي، بدخول فرنسا. وبعد بضعة أسابيع على ذلك، كانت عودته إلى المغرب لتدشن مسارا جديدا نحو استقلال البلد. وفي هذا المقال الذي أنجزه الباحث فريدريك غاران، الأستاذ الباحث بجامعة «لاريينيون»، نجد متابعة لتفاصيل رحلة النفي إلى مدغشقر، وقبلها إلى كورسيكا، ونبشا في ذاكرة فترة بارزة من تاريخ مغرب ما قبل الاستقلال. في الثامن عشر من أكتوبر، أخبر الدكتور ديبوا روكبير، لدى وصوله إلى أنتسيرابي، السلطان ب «الإرادة القوية [للحكومة] من أجل إيجاد حل للقضية المغربية في أقرب الآجال ومهما كلف ذلك من ثمن» وكذا ب «الأمل في أن يساعدها العاهل السابق لأن ذلك قد يعني نقله إلى فرنسا.» الحل الذي كانت حكومة منديز فرانس تخطط له كان مفاجئا: تعيين سلطان جديد (سلطان ثالث) على العرش، لكن هذه المرة بموافقة محمد الخامس. ولم يكن رد محمد الخامس مفاجئا حيث «رفض جملة وتفصيلا مقترح تعيين سلطان جديد.» وقال الدكتور ديبوا روكبير: «لقد كان على استعداد لتقديم الدعم الكامل للحكومة الفرنسية لكي تتدارس معه حلا من شأنه أن تسوية الوضعية. غير أنه قبل الشروع في دراسة من هذا القبيل، وضع السلطان شرطا أساسيا يتمثل في العودة إلى فرنسا، وهذا يرجع لدواعي شخصية وليست سياسية.» بمجرد عودة الدكتور ديبوا روكبير على باريس بتاريخ 23 أكتوبر، قدم تقريرا لكريستيان فوشي، جاء فيه: «عندما نقلت إلى وزير الشؤون التونسية والمغربية هذا الرفض التام للتنازل، لاحظت أن الحكومة الفرنسية كانت في حيرة من أمرها.» وبعد ذلك، جاء دور المقيم العام بالمغرب لاستقبال الطبيب الخاص بالسلطان: «لقد سألني السيد فرانسيس عن مهمتي، وأخبرته بدقة عن الهدف منها والنتيجة التي خلصت إليها. شرحت له وجهة نظري كما سبق أن شرحتها للسيد كريستيان فوشي، حيث كانت الخلاصة هي ضرورة إحضار سيدي محمد بن يوسف إلى فرنسا بأسرع ما يمكن وبدون قيد أو شرط. وأخبرته بأنه في حال اتخذت الحكومة الفرنسية قرارا من هذا القبيل، وإذا علم المغاربة أنه هو الذي يعود له الفضل في هذه المبادرة، فإن مصداقيته ستزداد وسيكون بالإمكان تحقيق إنجازات كبرى.» وفي حال تعيين سلطان ثالث، فإن ذلك سيكون دليلا على فشل السياسة الفرنسية التي راهنت فيها على شخص بن عرفة. وفي هذا الإطار، كيف يمكن التفكير في موافقة محمد الخامس على هذه المسألة، في وقت بدا فيه أن توجهه السياسي بدأ يعطي ثماره؟ ومع كل ذلك، فإنه من الواضح أن الوضعية لم تتغير، بل على العكس من ذلك، فقد تعززت مكانة محمد الخامس. مما لاشك فيه أن كريستيان فوشي لم يكن مقتنعا بما اقترحه عليه الدكتور روكبير، لكن ذلك لم يحل دون تكليفه، أسبوعا واحدا في ما بعد، بمهمة أكثر رسمية من سابقتها. كما تم تكليف المحامي إيزار بالتفاوض، لكن قبل المغادرة، عقد المحامي محادثات مكثفة مع بيير منديز فرانس، حيث أفهمه هذا الأخير أنه بدعم الماريشال جوان في ما يتعلق بالقضية التونسية، يتعين عليه السير على أفكاره في ما يتعلق بالمغرب هو الآخر. وظل المطلب الأول والأخير هو تنازل محمد الخامس، والإشارة إلى أن تعنته سيشكل «خطرا على وضعه ومستقبله ومستقبل أملاكه.» وهكذا أضحى مجال المناورة بالنسبة للمحامي إيزار صغيرا ومحدودا للغاية. لم يكن يدرك المأزق الذي أصبح فيه منذ سفر الدكتور ديبوا روكبير: فمن جهة، الحكومة «تطالب بالموافقة على التنازل في مدغشقر»، ومن جهة أخرى «صاحب الجلالة يرفض الموافقة على التنازل وعلى أي قرار قبل العودة إلى فرنسا.» وهو على متن الطائرة المتجهة نحو تناناريف، وضع المحامي إيزار الخلاصة التالية: فرنسا تقر بأن بن عرفة انتهى، وبأنه ليس ثمة أي حل ممكن بدون موافق صاحب الجلالة محمد الخامس، وبأنه يتعين على الحكومة العمل بسرعة على التوصل إلى وسيلة لإعادة الروح في العملية ككل.