في بلد شرلوك هولمز وأغاثا كريستي، يجد عشاق التحقيقات الكبرى ضالتهم. فمنذ أسبوعين، اهتزت جميع المؤسسات البريطانية بسبب قضية مردوخ. الكل انخرط في هذه القضية، رجال السياسة، شرطة سكتولند يارد والصحف الكبرى المتخصصة في الفضائح. وكل يوم تكتشف الجماهير العريضة الروابط الخطيرة التي تجمع بين هذه العوالم الثلاث. وكل يوم يجد أقوياء الأمس أنفسهم مجبرين على تقديم التوضيحات. بماذا يتعلق الأمر؟ في البداية كان الأمر قضية تنصت غير قانوني على المكالمات. وكانت القضية قد أثيرت سنة 2006. ومنذ سنة 2000، كان صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» ذات الشعبية الواسعة قد قرصنت رسائل حوالي أربعة آلاف شخص منهم المشاهير وحتى غير المعروفين، منهم الممثل هيو غرانت وتلميذة مقتولة، منهم الأسرة الملكية وأسر الجنود الذين قضوا في العراق، ولم يستثني ذلك حتى رئيس الوزراء غوردون براون ومرض ابنه، فالإثارة لا تقدر بثمن. رغم أنها لا تقدر بثمن إلا أن لها ثمنا، وهو الثمن الذي سمح لمحقق ولصحفي بأسبوعية مردوخ بالوصول بشكل غير مشروع إلى معلومات تتعلق بالحياة الخاصة بأفراد متنصت عليهم. وكان يتعين أيضا تقديم تعويض لأفراد من الشرطة. ورغم أن سكوتلاند يارد تأخرت في التدخل، إلا أنها باشرت التحقيق في آخر المطاف، وتم توقيف بعض الصحافيين، لكن في 2009، توقفت القضية من جديد. ولم يكن غريبا أن توظف سكوتلاند يارد مسؤولا سابقا بالأسبوعية. وظل الأمر على ما هو عليه إلى حدود الأسابيع الأخيرة حين نشرت فيها يومية «الغارديان» تفاصيل الفضيحة وخلقت زلزالا حقيقيا، تسبب في إغلاق الأسبوعية والإطاحة برئيس شرطة سكتولاند يارد ومساعده، ومساءلة رئيس الوزراء ديفيد كامرون، لأن رئيس تحرير « نيوز أوف ذي وورلد» خلال فترة الفضيحة، أندي كولسون، أصبح سنة 2007 مدير الاتصال لكامرون في حزب المحافظين، ثم برئاسة الوزراء إلى حدود يناير الأخير. وإذا أضفنا إلى ذلك اللقاءات المستمرة بين ديفيد كامرون وجماعة مردوخ، فيمكن تصور الحجم السياسي لهذه الفضيحة ذات الألف وجه. ومنذ ثلاثين عاما، كان ذلك العملاق الأمريكي ? الأسترالي يعتبر، من منطلق قوة ضرباته الإعلامية، صانع ملوك السياسة البريطانية. فمارغاريت تاتشر، توني بلير وديفيد كامرون (وبوش الإبن في الولاياتالمتحدة) استفادوا جميعا من الثقل السياسي للعناوين المتحكم فيها من طرف رجل الأعمال ذاك. وأمس فقط، انقلبت الأدوار للمرة الأولى. فمردوخ لم يعد إمبراطور الصحافة الشعبية المتحكم في السياسة، بل رجلا خاضعا لتحقيق تشرف عليه لجنة برلمانية، ومضطرا للإجابة عن أسئلة تتعلق باطلاعه على الممارسات غير الشرعية التي تتم داخل مجموعته. مردوخ، الذي طالما استغل الفضائح، أصبح موضوع فضيحة بالنسبة لكل وسائل الإعلام. والراوي أضحى مرويا، بل و «مذلولا» كما قال هو بنفسه.