كاميرون يواجه غضب النواب البريطانيين لعلاقاته مع مردوك تهدد فضيحة التنصت على الهواتف التي تتواصل تداعياتها في بريطانيا بتلطيخ سمعة أشهر قوة بوليسية في العالم بعد الكشف عن علاقات «اسكتلند يارد» بصحافيين وموظفين سابقين وحاليين في شركة نيوز انترناشنال، الذراع البريطانية لإمبراطورية مردوك الإعلامية. ويرى مراقبون أن الفضيحة التي تسببت في غلق صحيفة «نيوز اوف ذي وورلد» بعدما كانت أوسع الصحف الأسبوعية الناطقة بالانكليزية انتشارا في العالم، يمكن أن تؤدي إلى إسقاط رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أيضا أو خروجه منها مضعضعا في أحسن الأحوال. وواجه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال ساعات عدة سيلاً من الأسئلة من قبل النواب، خصوصًا من المعارضة التي انتقدته بشدة لاحتفاظه لبعض الوقت بمدير الاتصالات أندي كولسون، الذي كان سابقًا رئيسًا لتحرير الصحيفة الأسبوعية الشعبية التي أغلقتها مجموعة مردوك والمشتبه في أنها مارست التنصت على نطاق واسع بدءًا من العام ألفين. وتم توقيف اندي كولسون، الذي ترك الصحيفة في 2007، أخيرًا لدوره المفترض في عمليات التنصت قبل أن يفرج عنه بشروط. واضطر للاستقالة من منصبه في رئاسة الوزراء بسبب الفضيحة في يناير الماضي. وقال كاميرون أمام النواب «مع الرجوع إلى الوراء، ونظرًا إلى ما حدث بعد ذلك، لما كنت وظفته»، مضيفا «لكنكم لا تتخذون قرارًا مع الرجوع إلى الوراء، تأخذونه في اللحظة نفسها. تعيشون وتتعلمون، وصدقوني لقد تعلمت». واستطرد كاميرون، الذي قاطعته المعارضة بالهياج والصياح أثناء مداخلته، ما دفع برئيس الجلسة إلى التدخل مرات عدة لإعادة الهدوء في القاعة، «إني آسف للغاية للاستياء» الذي أثاره هذا التعيين. وقال زعيم المعارضة اد ميليبان «غن رئيس الوزراء قام بالخيار السيئ لدى اختياره مواصلة العمل مع كولسون» لأنه «وقع في تضارب مصالح مأسوي بين الاستقامة التي ينتظرها منه الناس وبين علاقاته الشخصية والمهنية مع كولسون». ووعد كاميرون بتقديم «اعتذاراته بكل تواضع» إن تبين أن التأكيدات التي أعطاها له اندي كولسون بأنه غير متورط في هذه القضية كاذبة، مشددًا على «قرينة البراءة حتى يثبت العكس». وقد طلب منه النواب أيضًا إعطاء توضيحات حول علاقاته مع مجموعة نيوز كورب، التي التقى قادتها 26 مرة في خلال خمسة عشر شهرًا، والتي دعمت حملته الانتخابية. وكان روبرت مردوك (80 عامًا) صاحب هذه الإمبراطورية الإعلامية شديد الوضوح بشأن علاقاته المميزة مع اسياد داونينغ ستريت أثناء جلسة الاستماع إلى أقواله الثلاثاء في البرلمان، حيث أكد انه قام غالبًا بزيارة مقر رئاسة الوزراء «بمروره من الباب الخلفي». وقد غادر قطب الإعلام الأميركي أمس بريطانيا، حيث أمضى أحد عشر يومًا. وأكد متحدث باسم نيوز انترناشيونال، الفرع الذي يشرف على الصحف البريطانية التابعة للمجموعة، بعيد مغادرته مطار لوتون شمال لندن لوكالة فرانس برس «لقد رحل». وأجاب كاميرون معيدًا الكرة إلى ملعب العماليين، إن جميع الأحزاب «توددت» إلى وسائل الإعلام، مذكرًا اد ميليباند بأنه هو نفسه عيّن مستشارًا صحافيًا سابقًا في صحيفة تايمز التابعة أيضا لإمبراطورية مردوك. وتتبدى خطورة وضع كاميرون في حقيقة ان اكبر مكاتب الرهان رفعت احتمالات سقوط كاميرون يوم الاثنين من 1 إلى 20 لتكون 1 إلى 3. وكانت طوابير من البريطانيين امتدت خارج مجلس العموم البريطاني بأمل حضور جلسة استجواب مردوك ونجله أمام لجنة الثقافة والإعلام. وفي غرفة أخرى من المبنى كانت لجنة الشؤون الداخلية تستجوب السر بول ستيفنسون قائد شرطة اسكتلند يارد حتى استقالته قبل ثلاثة أيام. وأرادت اللجنة من ستيفنسون أن يوضح لماذا لم تواصل اسكتلند يارد تحقيقها في تنصت نيوز اوف ذي وورلد على رسائل صوتية موجهة إلى الأميرين وليام وهاري ليشمل التحقيق ايضا التنصت على هواتف آلاف آخرين بينهم ذوو ضحايا تفجيرات 7 يوليوز 2005 وعائلات جنود بريطانيين قُتلوا في افغانستان وهاتف مراهقة مخطوفة اتضح أنها كانت مقتولة. كما أرادت اللجنة البرلمانية أن تعرف لما لم تكتشف اسكتلند يارد أن الصحيفة ربما كانت تدفع رشاوى إلى ضباط فيها مقابل معلومات. استقال ستيفنسون تاركا وراءه العديد من الأسئلة بلا إجابة. ولكن الصورة التي رسمها كانت صورة مخلوق غريب أشبه بالاخطبوك الذي تمتد اذرعه من شركة نيوز انترناشنال إلى أعلى المستويات سواء في جهاز الشرطة أو مفاصل الدولة العليا. واستقال بعدما اتضح أن مصحا استضافه مجانا لعدة أيام وان هذا المصح كان يستعين بخدمات نيل والس النائب السابق لرئيس تحرير نيوز اوف ذي وورلد. واستقال جون ييتس نائب ستيفنسون بعد اتهامه بتشغيل ابنة والس في اسكتلند يارد. ونفى قائد اسكتلند يارد ونائبه المستقيلان ارتكابهما مخالفات. ولكن ما لا يمكن نفيه هو العلاقات الوثيقة بين اسكتلند يارد ونيوز انترناشنال. وتشير مجلة تايم في هذا الشأن الى أن 10 أعضاء في فريق اسكتلند يارد المؤلف من 45 ناطقا صحفيا عملوا سابقا لصحيفة نيوز اوف ذي وورلد. وان 30 في المائة من لقاءات ستيفنسون مع ممثلي وسائل الإعلام خلال الفترة الواقعة بين 2005 و2010 كانت مع صحفيين من الصحيفة إياها أو شقيقتها اليومية ذي صن أو ذي صندي تايمز أو ذي تايمز واربعتها من مطبوعات نيوز انترناشنال. وتساءل ستيفنسون لمن يتحدث من وسائل الإعلام إذا كانت حصة نيوز انترناشنال 42 في المائة من القراء في بريطانيا! وتعتبر مجلة تايم أن هذا الرضوخ لسطوة نيوز انترناشنال كان وراء قرار كاميرون تعيين اندي كولسون رئيس التحرير السابق لصحيفة نيوز اوف ذي وورلد مستشاره الإعلامي في عام 2007. وكان كولسون استقال من رئاسة تحرير الصحيفة في العام نفسه لدوره المفترض في عمليات تنصت على أفراد من العائلة المالكة. وقام والس بمساعدة كولسون لفترة وجيزة في تسويق سياسات كاميرون. واستقال كولسون من العمل في مكتب كاميرون في بداية هذا العام واعتقلته الشرطة في 8 تموز/يوليو لدوره المفترض في عمليات تنصت ودفع رشاوى إلى ضباط في الشرطة. كما اعتقل والس بعد ستة أيام للاشتباه بضلوعه في عمليات تنصت. وأعلن كاميرون أن قائد شرطة من خارج اسكتلند يارد سيتولى مسؤولية التحقيق في قضيتي التنصت والرشاوى. ولاحظ مراقبون أن هذه ضربة لشرطة اسكتلند يارد وقد تكون تداعياتها اسوأ على رئيس الوزراء نفسه. فهو اعترف في جلسة البرلمان يوم الأربعاء بأنه إذا ثبتت التهمة على كولسون «ستكون تلك لحظة لتقديم أعمق اعتذار. وفي هذه الحالة أقول لكم إني لن أتوانى». وأثار الإعلان تساؤلات عما إذا كان كاميرون يعني ذلك تقديم استقالته. لم يفصح كاميرون عما يعنيه بإعلانه ولكن مكاتب الرهان زادت احتمالات سقوطه بعد الأربعاء إلى 50 في المائة، بحسب مجلة تايم. ولعل الزمن وعطلة البرلمان الصيفية سيعملان لصالح رئيس الوزراء ولكن هذه الفضيحة انعطفت في مسارات مفاجئة من كل صنف. ولعل من أهم آثارها انقطاع حبل الود الذي كان يربط بين اسكتلند يارد وشركة نيوز انترناشنال وحلول علاقة جديدة عنوانها الحذر والتطير من وسائل الإعلام عموما.