الحديث عن جرائم الأحداث بالمغرب لايعني أن للأحداث جرائم يقومون بها دون غيرهم، إنها جرائم مثلها مثل جرائم الراشدين مع فرق في سن مقترفها. جرائم السرقة والنشل والضرب والجرح هي الجرائم الطاغية بين الأحداث، سواء كانوا أطفال شوارع أم أبناء عائلة ، كماهو الأمر بالنسبة للنموذج الذي نورده اليوم. في أحد الأحياء الهامشية بمدينة فاس كان يقطن سمير مع عائلته التي هاجرت القرية بحثا عن مورد رزق بالمدينة. كان سمير متعثرا في دراسته الإعدادية، لم يكن يرغب في استكمال تعليمه رغم إلحاح أسرته وتوسل والدته التي كانت ترغب في أن ترى إبنها صاحب شأن عظيم. كان يرافق أحد أبناء حيه إلى السوق يوميا، وكان في كل مساء يعود يعزف عن تناول طعام العشاء على بساطته ويخلد للنوم ليخرج في اليوم الموالي في نفس الموعد. لم يعد يطلب مصروف الجيب من والدته كما كان يفعل من قبل، فقد كان يعود كل مساء إلى المنزل وبحوزته مبلغ مالي جد مهم، الأمر الذي أثار انتباه شقيقته والتي أخبرت والدتها بالأمر، حاصرته بالأسئلة عن مصدر هذا المبلغ من المال فلم يجد بدا من تبرير سوى أن يخبرها بأنه يتاجر في المتلاشيات هو وصديقه وأن هذه التجارة لها مردود مالي جد هام. لم تشك الوالدة في الأمر، خاصة أن ابنها لم يكن من المدمنين على التدخين وكان ينام باكرا. بمعنى أن علامات الانحراف لم تكن بادية عليه. أخبرت الوالدة زوجها بالأمر فبارك طموح ولده قائلا «إلا ماقرا يتعلم صنعة يعيش منها»! ولم يتحمل عبء التأكد من الأمر. استمر الحال على ماهو عليه وبدأ سمير يساهم في مصروف البيت ويذخر قسطا من المال عند الوالدة إلى أن كانت الصدمة الكبرى. في أحد أيام شهر مارس، جاء إبن الجيران لإخبار والدة سمير بأن ابنها ألقي عليه القبض وهو في مركز الشرطة، هرولت الأم باتجاه المركز وفي اعتقادها أن الأمر يتعلق بشجار عادٍ أو مخالفة بسيطة، إلى أن فوجئت بالشرطي وهو يخبرها بأن ابنها ضبط متلبسا بالسرقة عن طريق النشل!! لم تصدق في البداية، إلا أنها استرجعت شريط الأحداث والمبالغ المالية التي كان يسلمها لها. توسلت المسؤولين الأمنيين أن يعفوا عن ابنها، خاصة وأنه لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره ، لم يكترث بها و بتوسلاتها أحد وأحيل على مركز الأحداث بتهمة السرقة عن طريق النشل. لم يستطع حبس دموعه وهو يخبر والدته بأن كل ماكان يفعله هو محاولة جمع مبلغ مالي لتغطية مصاريف «الحريك» نحو أوروبا. لم ينف المنسوب إليه، لقد كان يتجول هو وصديقه في أسواق المدينة، يتصيدون المتبضعين يراقبونهم قبل نشلهم بشكل لايثير الانتباه، لم يكونا يستعملان العنف ضد الضحايا ، وهو ما أخر عملية إلقاء القبض عليهما لصعوبة ضبطهما متلبسين بالسرقة. تلك حالة من آلاف الحالات التي تعرفها مدينة فاس، فحسب معطيات رسمية كانت قد أعلنتها مصلحة الشرطة القضائية بالمدينة، هناك أزيد من 1000 قاصر تتم إحالتهم كل سنة على المحكمة بتهمة السرقة الموصوفة والنشل والضرب والجرح ، و هي تنجز سنويا ما يفوق 1500 قضية يكون أغلب المتهمين فيها في حالة تخدير. حالة سمير منفردة، فالجميع كان يشهد له بحسن السلوك ولم يدفعه حصوله على المال إلى الانحراف، كما هو معروف في مثل هذه الحالات، كان يسرق لتوفير سعر رحلة «الحريك» إلى الضفة الأخرى فانتهى به المطاف في مركز الأحداث.