توقعات أحوال الطقس لليوم الإثنين    تعليق الدراسة في جميع المؤسسات التعليمية داخل المجال القروي بورزازات    تساقطات مطرية قوية تغرق مدينة مراكش    دلالة ‬النداء ‬العاجل ‬من ‬جلالة ‬الملك ‬للشعب ‬من ‬أجل ‬التعبئة ‬و ‬اليقظة    الأخ ‬مصطفى ‬حنين ‬مفتشا ‬عاما ‬لحزب ‬الاستقلال    من التصيد إلى الاحتيال .. هكذا تحمي نفسك في العالم الرقمي    منسوب واد إميضر يربك حركة المرور    السيول تقتل سيدتين وتجرف منازل وقناطر في تازة وصفرو    الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء-سطات تطلق حملة شاملة لصيانة وتنقية شبكة التطهير السائل استعداداً لموسم الأمطار    أعراض داء السكري من النوع الأول وأهمية التشخيص المبكر    أوشام الزينة التقليدية لم تعد تغري النساء الأمازيغيات في المغرب    هاليفي: الهجوم على قاعدة تدريب "مؤلم"    شخصيات تترحم على الحسن الثاني    الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: الغطرسة الإسرائيلية ستنتهي بالدموع والدم.. التاريخ مليء بدول ثملة بالقوة انتهت بكارثة    منتخب المغرب يجري حصة تدريبية    مغربيان يتألقان في ماراثون موسكو    انفوجرافيك | على مستوى افريقيا والشرق الأوسط.. المغرب يتبوأ المركز 06 في تصنيف العلامات التجارية العالمية    الملك محمد السادس يهنئ ولد الرشيد    فرنسا.. قانون جديد اكثر تشددا اتجاه المهاجرين    الأميرة للا مريم تترأس حفلا دينيا إحياء للذكرى السادسة والعشرين لوفاة الملك الحسن الثاني    مباشرة.. الملك محمد السادس يترأس حفلا دينيا بمناسبة الذكرى ال 26 لوفاة الملك الحسن الثاني        التطوانية بوعود تحصد لقب "قارئ العام للعالم العربي"    عادل رامي.. كان حلمي اللعب مع المغرب وهذا ما منعني من ذلك    المدرب البرتغالي بيتشاو: طردت من "الدفاع الجديدي" بعد المطالبة بالمستحقات        في اجتماع المكتب السياسي..الكاتب الأول إدريس لشكر: الخطاب الملكي يضع أفقا جديدا لقضيتنا الوطنية لدخول مرحلة الحسم    منير الجعواني يعود إلى البطولة الإحترافية    الذكرى ال26 لوفاة المغفور له الحسن الثاني مناسبة لاستحضار المسار المتفرد لموحد المغرب ومؤسس نهضته الحديثة        الحفل السنوي لغرفة التجارة الأمريكية بالمغرب 2024.. تسليط الضوء على الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    بعد "ريجيو دي كالابريا" في إيطاليا.. الصويرة ثاني أكثر الوجهات السياحية رواجا لدى الألمان    الحلم الممكن.. الترامواي بين مدينة الجديدة ومنطقة الجرف الأصفر    إسرائيل تأمر سكان 21 قرية في لبنان بإخلاء منازلهم وتعلن القيام "بتفكيك معاقل حماس" بغزة    امطار وثلوج مرتقبة بعدد من مناطق المغرب    أول عملية مغربية لتجميد مبيض تحفظ خصوبة شابة تواجه سرطان الدماغ    الكاتب عبده حقي يدشن الدخول الثقافي بكتابين جديدين    شقيقة زعيم كوريا الشمالية تدق طبول الحرب وتحذر من "كارثة مروعة"    الصحة والقوة والسن تدخل على خط التنافس بين مرشحي الرئاسة الأميركية    إصابة 20 شخصا في حادث تصادم قطارين بصعيد مصر    الحليمي: ارتفاع الأسعار سيصبح هيكليا.. والتضخم محلي وليس مستوردا.. وعلينا قول الحقيقة للرأي العام    مغربيتان تتوجان بجائزة أفضل قارئ عربي في مسابقة "إقرأ" بالسعودية    غوتيريش: الكوارث تتفاقم جراء أزمة المناخ والأطفال أكبر ضحاياها    دوري الأمم الأوروبية.. اسبانيا تنتزع الصدارة بفوز بشق الأنفس على الدنمارك    تقرير بريطاني.. المغرب يتصدر قائمة أفضل 5 دول في تحسين مناخ الأعمال    العيسى: إقرار "بناء الجسور" نقلة مهمّة    فوز المغربيتين مريم بوعود وفاطمة الكتاني بجوائز مرموقة في مسابقة "أقرأ" بالسعودية    فيلم "صحاري سلم وسعى" يتوج بالبنين    منصة إماراتية للفرجة تعرض المسلسل المغربي "حياة خاصة"    "البيضة ام الدجاجة اولا؟" .. علماء يحسمون الحدل أخيرا!    الرباط.. إجراء أول عملية لتجميد المبيض بالمغرب    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    المغرب يسجل إصابتين جديدتين ب"كورونا"    بروفايل l التصدي ل "هشاشة الحياة البشرية" يمنح "هان كانغ" جائزة "نوبل" للآداب    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جون بريكمون ونعوم تشومسكي العقل ضد السلطة

إذا كان الكثيرون يعرفون تشومسكي المنتقد للسياسة الأجنبية الأمريكية، فإن أفكاره حول الطبيعة البشرية والتقدم والثورات والفوضى والسوق وحرية التعبير والفلسفة والمثقفين (بمن فيهم المثقفون الباريسيون) والعلوم والدين والأخلاق لا يزال العارفون بها قليلين.
والكتاب الذي نقدم ترجمته ههنا يشتمل على حوارين، أنجزا هما الاثنان بطريق الكتابة، يعود أولهما إلى سنة 2009 والثاني إلى مطلع سنة 2010. وقد أراد المحاور به أن يكون مساعداً على زيادة فهم لمختلف جوانب الثراء المميز لفكر تشومسكي. ولتحقيق هذه الغاية جاءت معظم أسئلته في صورة اعتراضات.
يمثل عنوان الكتاب «العقل ضد السلطة» تلخيصاً وافياً لأعمال تشومسكي وإجمالاً لمسار حياته. فالمثقف الذي من طينته لا يملك إلا العقل وسيلة لخوض المعارك؛ فهو لا يملك أسلحة ولا يستند إلى دولة أو يعول على محاكم. والخلاف بين تشومسكي ومثقفين معاصرين كثر يتمثل في أن هؤلاء كثيراً قد نبذوا سلاح العقل؛ بل إن منهم من يعدُّ هذا السلاح في جوهره سلاحاً قمعياً. وأما تشومسكي فلا نراه يحمل إيماناً ساذجاً بقوة العقل، بل يرى أن العقل هو كل ما نملك. ولا يحمل تشومسكي كذلك إيماناً ساذجاً بالتقدم. لكن الديمقراطية والحريات الفردية واللائكية وتحرر المستعمرات، وحتى إلى وقت قريب، كما يقول «حقوق الأقليات، وحقوق النساء، وحقوق الأجيال المقبلة (الحركة من أجل حماية البيئة)» تعتبر علامات دالة على التقدم، والتقدم المرتبط بإعادة النظر في الأشكال التقليدية للسلطة، وهي عملية باتت ممكنة بفعل حركة النقد العقلاني والتحرري المتحدر من الأنوار.
جون بريكمون : وصفت لينين وتروتسكي بأنهما أسوأ أعداء الاشتراكية في القرن العشرين. وهذا قول يصدم الكثيرين في أنحاء العالم. فيمكن أن تكون على غير اتفاق وإياهما، لكن أن تنعتهما بأنهما أسوأ أعداء الاشتراكية؟ فهل تراهما أسوأ من هتلر ومن موسوليني ومن تشانغ كاي تشيك؟ وأسوأ من تشرشل أو ترومان؟
نعوم تشومسكي : خلافاً لهؤلاء الذين ذكرت، كان لينين وتروتسكي عدوين للاشتراكية من وجهين. أولاً لقد دمرا الاشتراكية تدميراً في روسيا، وذلك بتفكيكهما السريع للتنظيمات الاشتراكية وغيرها من التنظيمات الشعبية التي ظهرت فجأة خلال فترة الحماس الثوري، قبل أن يتسنى للينين وتروتسكي أن يستوليا على السلطة. وثانياً فقد فعلا ذلك باسم «الاشتراكية»، فيكونان قد خربا الاشتراكية ليس في روسيا، بل في العالم أجمع. إن أكبر نظامين للدعاية في العالم ? نظام الغرب، الهائل وشديد الإتقان، ونظام آخر أكثر محدودية وأكثر بدائية، وهو النظام الموجود في الشرق ? لم يكن بينهما اتفاق حول أمور كثيرة، لكنهما يتفقان على استعمال مصطلح «الاشتراكية» في وصف الاستبداد اللااشتراكي الذي جاء به لينين وتروتسكي، وتحول في ما بعد إلى وحشية مطلقة على يد ستالين. فأما نظام الدعاية الغربي فهو يقوم بالدعاية للاشتراكية بغرض الافتراء على الاشتراكية؛ وأما نظام الدعاية الذي في الشرق فيقوم بالدعاية لها بغرض كسب أكبر ما يمكن من الدعم الشعبي، وذلك باستغلال الجاذبية الأخلاقية للاشتراكية الأصيلة. وقد خلق هذا التعاون الضمني قيداً يلاقي الجميع صعوبة في الخروج منه. وإذا كان لي أن أزيد تجربة شخصية؛ فأفول إنه قبل سقوط جدار برلين طلبت مني صحيفة يسارية مستقلة أن أساهم في ندوة حول الاتحاد السوفييتي والاشتراكية. وقد جعلت مقالي في موضوع «الاتحاد السوفييتي ضد الاشتراكية». وعندما فلم يجيزوه للنشر، فأرسلت به إلى صحيفة فوضوية، فأمكن له أن يجد على الأقل من يفهمه.
جون بريكمون : أولاً يطرح سؤال الطبيعة البشرية. فما دمت تؤكد أنه ليس في الإمكان فهم الكائنات البشرية إلا بأن نفترض أن فكرها منبن في معظمه بصورة فطرية، أفلا تكون أكثر تشاؤماً في ما يتعلق بإمكانية حصول تغييرات سياسية؟
نعوم تشومسكي : ربما كان التشاؤم بشأن إمكانيات حصول تغير سياسي نتيجة للفرضية التي تقوم على اعتبار العلاقات الاجتماعية والسياسية القائمة هي شديدة الاتفاق والقدرات البشرية الفطرية بحيث لا يمكننا أن نغير هذه العلاقات بصورة تتوافق مع تلك القدرات. ولو انطلقنا من فرضيات أخرى في ما يتعلق بالطبيعة البشرية الفطرية، أو إذا نحن أقررنا بكل بساطة بأننا لا نفهم إلا النزر اليسير من هذه الطبيعة وأننا لا يمكننا أن نخرج بخلاصات جازمة حول هذه المشكلة، فهذا يتيح مجالاً واسعاً للتفاؤل في ما يتعلق بالتغيير السياسي. والحقيقة أننا لا نفهم إلا النزر اليسير في هذه المشكلة، بحيث أعتقد شخصياً أن السؤال لا يطرح بصورة جدية. إن التفاؤل والتشاؤم انفعالان ذاتيان على وضعيات أو على مشكلات لا نفهمهما إلا بصورة سطحية. وإذا صح هذا الأمر ? كما أعتقد -، فإن الموقف المعقول يكون هو التفاؤل، أي إرادة تغيير الأمور نحو الأفضل، على أمل أن يكون ذلك ممكناً، وهو شيء ليس بين أيدينا من سبب للشك فيه. وكما قلت ذات مرة، إننا في مواجهة نوع من «رهان باسكال» : فلنفترض أن لاشيء ممكن، وأن الأسوأ سيحدث؛ ثم لنفترض أن في الإمكان أن نرتقي بالأمور نحو الأفضل، وإذن فلربما يتسنى لنا أن نحقق هذا المراد. فإذا ما اعتبرنا بهذا الاختيار كان الموقف الذي نتخذه واضحاً، أياً كانت أحكامنا الذاتية (التي لا تقوم على شيء ذي بال). والحقيقة أن أولئك الذين يناصرون العلاقات الاجتماعية والسياسية الراهنة تسمعهم أحياناً يؤكدون أن هذه العلاقات تكون، من كثير من الجوانب، متوافقة مع الطبيعة البشرية، ولن يكون الأمر كذلك في البدائل المختلفة بشكل واضح. بيد أن الذين يبحثون عن برهان جدي يخدم جانب هذه الفكرة سيخيب مسعاهم. بل إن ما يتم تأكيده لا يكون حتى واضحاً. فما معنى العبارة القائلة : «الأنظمة الاجتماعية القائمة»؟ فعلى مر تاريخ البشرية كله تقريباً تشكلت «الأنظمة الاجتماعية» من مجموعات صغيرة تمارس القطاف والصيد. ولم تحدث تغيرات ملائمة من جانب التحول منذ ذلك العصر، وبالتالي فمن وجهة نظر ضيقة تعتبر هذه الأنظمة أفضل مصدر للاستعلام يمكن أن يوجد بشأن الطبيعة البشرية. [أقول] من وجهة نظر ضيقة جداً، لأن هنالك مؤشرات قوية جداً تبين أن بعض القدرات يمكن أن تظل منطمرة لفترات طويلة، ولا تستعلن إلا متى تغيرت الظروف، مع دخولها في الطبيعة البشرية، ولهذا الأمر دلالة واضحة في ما يتعلق بإمكانيات التغيير الاجتماعي. وأما من جهة ثانية فإننا نجد على مر التاريخ أنواعاً من المجتمعات القروية. إن «تينا» لا تهم إلا اللحظة الأقرب من التاريخ البشري. والواقع أن أنظمة السوق الرأسمالية للدولة التي تمثل «تينا» فرعاً مشوهاً وعجيباً منها قد فرضت هي نفسها في عهد قريب جداً، بكثير من القوة وكثير من العنف ضداً على أشكال قوية من المقاومة. وهنالك آثار كلاسية (من قبيل «التحول الكبير» لكارل بولانيي، فضلاً عن مجموعة كبيرة أخرى من الدراسات) تعتبر هذه القطيعة الصارمة مع التقاليد قطيعة ثورية بحق، وأنها قطيعة إكراهية، ويفترض بها أن تتجاوز مقاومة شرسة. ويمكننا أن نقول الشيء نفسه عن النظام الحديث للدولة، الذي وضعته أوروبا خلال قرون من الوحشية مطلقة العنان والتي فرضت على العالم بأقصى مبالغ الخشونة. وربما كان هذا العنف وهذه الوحشية يعكسان حقيقة أن هذا النظام هو نظام ليس «طبيعياً» وإلا فبحظ قليل. وهو يتميز بصورة جذرية عن الهياكل التي تطورت على امتداد عصور في المجتمعات التقليدية، حتى في أوروبا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.