تذكير.. المراجعة السنوية للوائح الانتخابية العامة لسنة 2026.. الأجل المحدد قانونا لتقديم طلبات التسجيل ونقل التسجيل ينتهي يوم 31 دجنبر 2025    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    الركراكي يكشف عن التشكيلة التي سيواجه بها مالي في "الكان"    استنفار وقائي واسع بطنجة لمواجهة الفيضانات.. تنظيف مئات الكيلومترات قنوات التطهير السائل    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد من الجمعة إلى الأحد بعدد من المناطق    إخلاء عشرات المنازل في بلدة هولندية بعد العثور على متفجرات داخل منزل    منتخب مصر ينتصر على جنوب إفريقيا ويحقق التأهل إلى الدور الثاني وتصدر المجموعة    جبهة دعم فلسطين تطالب شركة "ميرسك" بوقف استخدام موانئ المغرب في نقل مواد عسكرية لإسرائيل    توقيف أربعة أشخاص بطنجة للاشتباه في تورطهم في ترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    ارتفاع حصيلة قتلى المسجد في سوريا    السعدي يترأس مجلس إدارة دار الصانع    تضرر أحياء ناقصة التجهيز بفعل التساقطات المطرية يُسائل دور عمدة طنجة        المحامون يطالبون بجمع عام استثنائي لمناقشة مشروع قانون المهنة    الأمطار تعزز مخزون السدود ومنشآت صغرى تصل إلى الامتلاء الكامل    مديرية تعليمية تعلق الدراسة السبت    1.2% فقط من الأطفال ذوي الإعاقة يلتحقون بالتعليم الأولي.. والقطاع يعاني من ضعف النظافة وهزالة الأجور    الثانية في أسبوع.. العثور على شاب مشنوقًا بحبل بضواحي الحسيمة    الاتحاد الاشتراكي بمكناس يطرح تطورات القضية الوطنية على ضوء قرار مجلس الأمن 2797    التهمة تعاطي الكوكايين.. إطلاق سراح رئيس فنربخشة    البيت الروسي يحتفي بسيروف: ألوان تحكي وحياة تروى    زخات قوية وتساقطات ثلجية بعدد من مناطق المملكة    قتيلان في هجوم طعن ودهس بإسرائيل    المغرب يواجه مالي وعينه على بطاقة العبور المبكر    أمن طنجة يوقف أربعة أشخاص يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بحيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    الحسيمة.. انقطاع مياه الري بسبب سد واد غيس يفاقم معاناة الفلاحين ومربي الماشية    بلمو يحيي أمسية شعرية ببهو مسرح محمد الخامس بالرباط يوم الاثنين    قطاع الصحة على صفيح ساخن وتنسيق نقابي يعلن وقفات أسبوعية وإضرابا وطنيا شاملا        لا أخْلِط في الكُرة بين الشَّعْب والعُشْب !    تريليون يوان..حصاد الابتكار الصناعي في الصين    محكمة صفرو تدين مغني الراب "بوز فلو" بالحبس موقوف التنفيذ وغرامة مالية    التواصل ليس تناقل للمعلومات بل بناء للمعنى    «كتابة المحو» عند محمد بنيس ميتافيزيقيا النص وتجربة المحو: من السؤال إلى الشظيّة    الشاعر «محمد عنيبة الحمري»: ظل وقبس    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    على هامش كأس إفريقيا.. معرض ثقافي إفريقي وأجواء احتفالية تجذب الجماهير في تغازوت    أمريكا تستهدف "داعش" في نيجيريا    أخبار الساحة    «خاوة خاوة» تطبع أول مباراة للجزائر بالمغرب منذ القطيعة الدبلوماسية    عدد من أفرادها طلبوا التقاط صور مع العناصر الأمنية .. الأمن المغربي «يخطف» أبصار وإعجاب جماهير الكان    تبوريشة مغربية أصيلة    إلى ساكنة الحوز في هذا الصقيع القاسي .. إلى ذلك الربع المنسي المكلوم من مغربنا    الحق في المعلومة حق في القدسية!    السلطة القضائية تنضم إلى البوابة الوطنية للحق في الحصول على المعلومات    روسيا تنمع استيراد جزء من الطماطم المغربية بعد رصد فيروسين نباتيين    كان 2025 .. المغرب يرسخ دولة الاستقرار ويفكك السرديات الجزائرية المضللة    أسعار الفضة تتجاوز 75 دولاراً للمرة الأولى    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    لاعبو المغرب يؤكدون الجاهزية للفوز    جمعية تكافل للاطفال مرضى الصرع والإعاقة تقدم البرنامج التحسيسي الخاص بمرض الصرع    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    14 دولة تندد بإقرار إسرائيل إنشاء مستوطنات في الضفة الغربية المحتلة    كيف يمكنني تسلية طفلي في الإجازة بدون أعباء مالية إضافية؟    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جون بريكمون ونعوم تشومسكي : العقل ضد السلطة

إذا كان الكثيرون يعرفون تشومسكي المنتقد للسياسة الأجنبية الأمريكية، فإن أفكاره حول الطبيعة البشرية والتقدم والثورات والفوضى والسوق وحرية التعبير والفلسفة والمثقفين (بمن فيهم المثقفون الباريسيون) والعلوم والدين والأخلاق لا يزال العارفون بها قليلين.
والكتاب الذي نقدم ترجمته ههنا يشتمل على حوارين، أنجزا هما الاثنان بطريق الكتابة، يعود أولهما إلى سنة 2009 والثاني إلى مطلع سنة 2010. وقد أراد المحاور به أن يكون مساعداً على زيادة فهم لمختلف جوانب الثراء المميز لفكر تشومسكي. ولتحقيق هذه الغاية جاءت معظم أسئلته في صورة اعتراضات.
يمثل عنوان الكتاب «العقل ضد السلطة» تلخيصاً وافياً لأعمال تشومسكي وإجمالاً لمسار حياته. فالمثقف الذي من طينته لا يملك إلا العقل وسيلة لخوض المعارك؛ فهو لا يملك أسلحة ولا يستند إلى دولة أو يعول على محاكم. والخلاف بين تشومسكي ومثقفين معاصرين كثر يتمثل في أن هؤلاء كثيراً قد نبذوا سلاح العقل؛ بل إن منهم من يعدُّ هذا السلاح في جوهره سلاحاً قمعياً. وأما تشومسكي فلا نراه يحمل إيماناً ساذجاً بقوة العقل، بل يرى أن العقل هو كل ما نملك. ولا يحمل تشومسكي كذلك إيماناً ساذجاً بالتقدم. لكن الديمقراطية والحريات الفردية واللائكية وتحرر المستعمرات، وحتى إلى وقت قريب، كما يقول «حقوق الأقليات، وحقوق النساء، وحقوق الأجيال المقبلة (الحركة من أجل حماية البيئة)» تعتبر علامات دالة على التقدم، والتقدم المرتبط بإعادة النظر في الأشكال التقليدية للسلطة، وهي عملية باتت ممكنة بفعل حركة النقد العقلاني والتحرري المتحدر من الأنوار.
نعوم تشومسكي : ينبغي أن نأخذ المعلومات المتعلقة بأفغانستان بكثير من الحيطة والحذر. لكن المعلومات المتوفرة في هذا الصدد لا تصب في تأييد التدخل. وأضعف منها قد كانت الحجج التي جيء بها لتبرير التدخل في العراق. وقد آثر المثقفون الغربيون مرة أخرى ألا يأخذوا في الحسبان الوقائع. والحال أنها وقائع قد كان من اليسير الاهتداء إليها. إن العقوبات القاصمة التي كانت من الولايات المتحدة ومن بريطانيا على هذا البلد قد أدت إلى تدمير المجتمع المدني فيه، وقوّت من جانب الطاغية، وربما تكون أنقذته من أن يصلى المصير الذي كان من نصيب أمثاله من القتلة بالجملة، الذين كانوا يلقون المساندة من الغرب، في أواخر حكمهم الدموي؛ كتشاوشيسكو وسوهارتو وماركوس وسلسلة أخرى من أشباههم. وإن بين أيدينا الكثير من الشهادات عن تلك الفترة، تركها إداريو منظمة الأمم المتحدة العاملون في برنامج «النفط مقابل الغذاء»، ودبلوماسيون دوليون من ذوي السمعة المرموقة، أمثال دنيس هاليداي وهانز فون سبونيك، ومن المؤكد أنهما يعرفان عن العراق أكثر مما يعرف عنه أي غربي آخر، لكنهما تعرضا للإقصاء من الصحافة في الولايات المتحدة (ولذلك تعرضوا للإقصاء من الصحافة في أماكن كثيرة) في إبان الإعداد للحرب [على العراق]. وقد استقال الرجلان اثناهما احتجاجاً على ما أسمياه «مذبحة إنسانية»، خلال فترة العقوبات. وقد أعربا كذلك عن اعتقاد بأنه لو كانت الفرصة أعطيت إلى العراقيين لكان يمكنهم أن يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم. وليس يكن في الإمكان الحديث عن الدراسة المفصلة التي وضعها فون سبونيك عن العقوبات في البلدان المشاركة في الحرب، والتي اتضح أنها لم تكن تريد أن تجازف بأن تترك للعراقيين أن يتولوا شؤونهم بأنفسهم. والواضح أن الجيوش الأجنبية ليس لها الحق في أن تطيح بالحاكم المستبد إلا أن تتيح للسكان أن يتخلصوا منه، خاصة إذا كان هذا الأمر يؤدي إلى القتل المحتمل لمليون من الأشخاص بل وأكثر، وتكره على المنفى مليونين آخرين، فيما تكون قد خربت البلاد تخريبا. ولأكرر قولي مرة أخرى إن هذا الملف ليس بالمربح كثيرا للإنسانويين الغربيين.
جون بريكون : قلت : إن مستوى الحياة الثقافية الفرنسية في نظري قد تدنى كثيراً. فقد أصبحت تسير على المنوال الهوليودي». أليس هذا رأياً قاسياً؟
نعوم تشومسكي : إنني أريد بكلامي شريحة من المثقفين الفرنسيين المسايرين للدرجة. ولم أزد على أن ألمعت إليهم، وذلك في معرض جوابي عن بعض الأسئلة. ولست أرى ما مصدر القسوة في هذا الحكم.
جون بريكمون : كثيرون يتساءلون ماذا تكون نظرية تشومسكي. فهاك ماركس ومن يلف لفه من المثقفين، أمثال غرامشي ولوكاش، ومدرسة فرانكفورت وسارتر وفوكو وبورديو، أو بعض المفكرين من الأقرب عهداً إلينا؛ أمثال باديو ونيكري وزيزيك، إن لهم جميعاً «نظريات» عن الهياكل الاجتماعية والسلطة والإديولوجيا والتقسيم الطبقي والوعي السياسي والتغيير الاجتماعي، إلخ. فهل لديك نظرية شبيهة بنظرياتهم، وإن لم لكن فلماذا؟ وبالمناسبة ما هو العمل الذي يفترض بالمثقف أن يقوم به ما لم يصغ له نظرية؟ وهل تعتقد أنه يكفي التعرض بالإدانة لاشتغال السلطة من غير اقتراح بديل؟
نعوم تشومسكي : إن مصطلح «نظرية» مصطلح قد عفى عليه الزمان من كل الوجوه. لقد كان ماركس صاحب نظرية؛ وهي نظرية مجردة للرأسمالية في القرن التاسع عشر، وقد قام الرجل بعمل وصفي له وجاهته، كما جاء ببعض المفاهيم النافعة. وليس من شك في أن عمله يفيدنا بشأن أمور كثيرة. وأما الآخرون فقد كانت لديهم أفكار، بينها الصائبة والخاطئة، والواضحة وغير الواضحة، لكن لم تكن لديهم «نظريات»، إلا أن نحرف هذا المصطلح عن معناه. وما أسهل أن أقدم ما أكتب في صورة «نظريات» مزعومة لها خصائص شبيهة، بل إن بمقدوري أن أجيء عليها بزخارف من «مفارقات» وأمهرها ببعض الكلمات المتعددة المقاطع. وربما وافقتك في القول إن المثقفين لا ينبغي لهم أن يكتفوا ب «التعرض بالإدانة للسلطة»، ولا أن يستعرضوا «نظريات»هم تباعاً، بل ينبغي أن يأتوا ببدائل أساسية وأن يكرسوا أنفسهم لحركية تسمح بالرفع من شأنهم- مع التعلم من الناس الذين هم في الميدان، من أجل أن يتحقق لهم الفهم الجيد للأوضاع. ولذلك يمكنني القول إن كل ما أكتب أدعو فيه إلى بدائل، وأضع فيه نصب عينيّ أهدافاً على المدى القصير توجهها رؤى بعيدة المدى، والشيء نفسه ينطبق على ما لاعد له من المناقشات والحوارات مع عدد كبير من المجموعات المختلفة. وإن شطراً كبيراً من حياتي قد كرسته للفعالية المباشرة.
جون بريكمون : السؤال نفسه يمكن أن نطره بشأن النظريات التي ظهرت في سياق الفلسفة التحليلية، من قبيل نظرية العدالة التي قال بها راولز. فبم ترد على هذا الرأي؟
نعوم تشومسكي : نشر راول نظرية عقلانية أسماها «نظرية العدالة». ويجدر بالملاحظة أنها نظرية تقوم صراحة على نموذج لغوي مستمد من النحو التوليدي لسنوات الستينيات. ثم تعرض لمجموعة من النقود، فلم يجد بداً من أن يتخلى عن هذا النموذج، وما كان بالأمر الصائب، وهو ما بيّنه- في نظري بطريقة مقنعة- جون ميخائيل في كتابه المهم (قيد الصدور). فهذا الكتاب يفند بعناية كبيرة تلك النقود ويعود إلى الأخذ بالأفكار التي جاء بها راولز، مع تقديم العمل التجريبي الذي يبرهن على صحة نسخته من مقترحات راولز، بالإضافة إلى نظام معقول من المبادئ يمكن أن تُستنبط منها بعض الخلاصات التجريبية (ولأكشف لك عن حقيقة الأمر ههنا : لقد كنت أحد الموجهين للأطروحة التي قام عليها هذا البحث). وقام آخرون كذلك بتحقيقات تجريبية بناء على مجموعة من المبادئ المشابهة. وقد كان عمل راولز بحق موضوعاً لكثير من الأبحاث والمناقشات صدرت عن وجهات نظر عديدة، ومكنت تلك الأبحاث والمناقشات من تجلية معظم القضايا التي كرس له عمله الرائع البليغ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.