أعطت الدولة في سياستها الاجتماعية أهمية كبرى للرعاية الاجتماعية من خلال فتح عدد كبير من المؤسسات في وجه الطبقات الفقيرة والأشخاص في وضعية صعبة، كدور الطالب ودور الطالبة وبساتين العجزة والمسنين ومؤسسات رعاية الأطفال المشردين أو في وضعية صعبة ...إلخ. في هذا السياق، بعدما كانت مدينة سيدي سليمان تتوفر على مؤسسة واحدة اسمها «دار الخيرية الإسلامية»، أصبحت تتوفر اليوم على دار الطالب (تحديث دار الخيرية الإسلامية سابقا)، ودار للطالبة، وبستان للعجزة والمسنين، ومؤسسة في طور الإنجاز لرعاية الأطفال المشردين أو في وضعية صعبة. ونظرا لأهمية دور هذه المؤسسات الإنساني والتربوي والتكويني، تابعت الجريدة منذ سنوات منطق تدبيرها ومدى احترام الأهداف المرسومة لهذا النوع من المؤسسات ومدى تطبيق آليات التدبير والقوانين الجاري بها العمل في هذا المجال الحساس والحيوي ( قانون 14-05). لقد واكبت الجريدة تطورات هذا الملف زمن المكتب السابق، حيث تم الوقوف على اختلالات ميزت تدبير دار الأطفال الخيرية. وتم تسجيل نوع من التملص من المسؤولية التدبيرية والمالية لكل أعضاء مكتب الجمعية المسيرة ما عدا رئيسها. هذا الأخير، حسب الوثائق المحاسبية وشهادات عدد كبير من الفاعلين المحليين، بذل مجهودات كبيرة لضمان استمرار خدمات هذه المؤسسة حيث لم يتردد في الأوقات الحرجة في دعمها معنويا وتدبيريا وماليا. أما باقي الأعضاء، فبالرغم من اختيارهم من طرف السلطة المحلية كأعيان للمشاركة في تدبير هذا المرفق، فلم يساهم أي أحد منهم ولو بدرهم واحد طوال الفترة الانتدابية (أكثر من ثلاث سنوات). وفي هذا الصدد، تم نشر عدة مقالات في هذا الموضوع على صفحات الجريدة أبرزت تجاوزات واختلالات تدبيرية ألحقت أضرارا ملموسة بمصلحة المستفيدين، ونتيجة للاهتمام الإعلامي بهذا القطاع، اتخذ رئيس الجمعية قرار تجديد المكتب، فبالرغم من الضغوطات التي انتهجها بعض جيوب المقاومة لسد الطريق أمام مشاركة فعاليات المجتمع المدني في هذا التجديد، توج النقاش الذي فتحته مجموعة من الفعاليات مع رئيس المكتب أنذاك، بالاتفاق على ضرورة الانفتاح على فعاليات جديدة والالتزام بالديمقراطية كأساس لانتخاب المكتب. هكذا تم التوافق والتراضي على تشكيلة مكتب أغلب أعضائه جدد وأطر وفعاليات اقتصادية بالمدينة يمارسون مهامهم في القطاعين العام والخاص. وبعدما استبشر الرأي العام المحلي خيرا عقب هذا الانفتاح ، بالرغم من عرقلة المشاركة الواسعة للفعاليات الجمعوية في الجمع العام بفرض 600 درهم كمساهمة للمشاركة في التصويت لتجديد المكتب، وبعد ممارسة دامت عدة شهور، ظهرت إلى الوجود عدة اختلالات جديدة تم التطرق لها في مقالين سابقين على صفحات الجريدة. واليوم، وبعد شهور من البحث وجمع المعلومات، تعود الجريدة إلى تقييم وضعية المؤسسات السالفة الذكر وما آل إليه منطق تدبيرها. لقد بينت الأحداث والمعلومات أن الحسابات السياسوية والمصلحية كانت ولا تزال العرقلة الحقيقية لتدبير هذه المؤسسات. هكذا، وبعد شهور من إعطاء الانطلاقة للفترة الانتدابية الجديدة، تشكلت معارضة بالمكتب منددة بما أسمته «مجموعة من الخروقات القانونية المتعلقة بتسيير مؤسسة دار الأطفال» (الخيرية حسب التسمية السابقة) والتي نذكر منها: * الحصول على الوصل القانوني للجمعية بدون وثائق وتكوين الملف القانوني لجميع الأعضاء. * رفض تشكيل اللجن الوظيفية ، خاصة لجنة التدبير وفق ما ينص عليه قانون 14-05 . * عدم اعتماد الشفافية في توزيع المحجوزات التي توصل بها رئيس الجمعية من جمارك الناظور ( ملابس ومواد غذائية وأغطية) بالرغم من كونه تعهد كتابيا مع تصحيح إمضائه أن هذه المحجوزات سيتم عرضها على المصالح الصحية وأن توزيعها سيتم تحت إشراف وحضور السلطة المحلية وممثل المندوبية الإقليمية للتعاون الوطني وكل أعضاء المكتب الحالي. * تغيير مموني المؤسسة ( بائع الخصر، بائع الفواكه، بائع اللحوم، البقال...) دون احترام المقتضيات القانونية المنصوص عليها في قانون 14-05 ، بل خضعت لعلاقات ذات طبيعة ذاتية. * إجراء صفقة إحداث تغييرات بدار الطالبة لتحقيق تطابق البناية مع المعايير المطلوبة بدون احترام مسطرة طلبات العروض ، حيث تم إقصاء مقاول بعرض مالي يقدر بستين ألف درهم وتفويت المشروع إلى مقاول عرض ضعف المبلغ. * بناء مرافق جديدة في الطابق الأول لدار الأطفال بدون ترخيص وبدون دراسة تقنية ومعمارية ( مع العلم أن البناية الأصلية قديمة). * إقصاء أعضاء المكتب غير المرغوب فيهم ( المعارضين) وعقد الاجتماعات بالليل، حيث تتخذ أغلب القرارات خارج المكتب. ففي 18 يوليوز 2010، اتخذت قرارات داخل المكتب بخمسة أعضاء فقط، وتم تفويت فرصة تشكيل لجنة التدبير المكلفة قانونيا بإعداد برنامج عمل سنوي للمؤسسة والإشراف على تنفيذه، بما في ذلك إعداد الميزانية السنوية وإنجاز التقارير المرتبطة بصرفها. * «تواطؤ» جمعية قدماء نزلاء دار الأطفال مع الرئيس وأتباعه من أجل تشغيل الموالين لهم بدون احترام الشروط المنصوص عليها في قانون 14-05 (عدم تطبيق التعهد الكتابي لجمعية قدماء النزلاء بشأن أدائها أجور المشغلين الجدد). وفي هذا الشأن، تمت مكاتبة الجمعية من طرف المندوب الإقليمي للتعاون الوطني يوم 7 شتنبر 2010 حيث أخبر مكتبها بعدم قانونية تشغيل المستخدمين الجدد (عدم احترام المساطر الخاصة بالتشغيل الواردة في دليل المساطر الخاص بالتدبير الإداري لمؤسسات الرعاية الاجتماعية الذي يفرض الإعلان عن مباراة التشغيل وتحديد شروط الترشيح وفق الخصاص في الأعوان والأطر مع مراعاة مقتضيات الفصل الرابع من دفتر التحملات النموذجي المتعلق بمعايير التأطير). ونتيجة لتطور الأحداث داخل المؤسسات الأربع ، توصلت الجريدة بمجموعة من المعلومات تؤكد كلها سوء التدبير وتداخل المنطق السياسوي بالمنطق التدبيري. هكذا: * في 18 ماي 2010 تم تمكين ، كتابيا ، الشركة المكلفة ببناء مركز إيواء الأطفال المشردين وفي وضعية صعبة من الماء والكهرباء إلى نهاية الأشغال من دار العجزة ( الموقع ف ع)، بينما كان على المقاولة أن تلجأ إلى التعاقد مؤقتا مع المكتبين الوطنيين للماء الصالح للشرب والكهرباء ليمنحاها عدادين بصفة مؤقتة إلى حين انتهاء الأشغال. * في 6 شتنبر 2010، كاتبت المندوبية الإقليمية الجمعية في اسم رئيسها منبهة أن أشغال البناء والترميم التي تعرفها دار الأطفال تتم بدون علمها حيث لم تتوصل بأي إخبار في هذا الشأن ولا بأية معلومات بشأن المسطرة التي تم اعتمادها ( اختيار المقاول، التوفر على الرخص والتصاميم الضرورية). وأكدت المراسلة أن ما تقوم به الجمعية يتم خارج دليل المساطر الخاصة بالتدبير المالي والمحاسبتي لمؤسسات الرعاية الاجتماعية. * على إثر طرد الرئيس لمؤطرتين بدار الطالبة تابعتين للتعاون الوطني، وبعدما تم الضغط على مدير دار الأطفال لدفع استقالته حيث التحق بالمندوبية الإقليمية، توصلت الجريدة بلائحة استنكارية يوم 22 فبراير 2011 موقعة من طرف 37 موظفا تابعين للتعاون الوطني بالمدينة منددين بالأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس إلى اللجوء إلى آلية طرد ممثلي الدولة داخل هذه المؤسسات وتعويضهم بآخرين يتم تشغيلهم خارج المساطر المعمول بها في هذا الشأن ( تشغيل المقربين على أساس الزبونية والموالاة لإلغاء السلط المضادة بداخل كل المؤسسات). * في يوم 06 ابريل 2011، تم طرد مستفيدتين من دار العجزة في الساعة 10 ليلا بدون سند قانوني بعد يوم واحد من توجيههما كتابيا إلى هذه المؤسسة من طرف السلطة المحلية. وبعدما كاتب مدير المؤسسة الجهات المختصة بشأن هذا الطرد غير المبرر قانونيا، قام رئيس الجمعية يوم 25 ابريل من نفس السنة بإصدار قرار الاستغناء عن خدماته بدون إخبار إدارته مبررا قراره هذا بمجموعة من الاتهامات. وبعد بحث معمق لتطورات الأحداث، تبين بعد ذلك أن الصراع داخل هذه المؤسسات ليس إداريا ولكنه «سياسوي » حيث تأكد حرص النخب المتصارعة ربط الاستفادة من خدمات هذه المؤسسات بمنطق الموالاة وإمكانية تحويل المستفيدات والمستفيدين وذويهم إلى قاعدة سياسية تنظيمية وانتخابية في العالمين الحضري والقروي. فبعدما كان المجلس البلدي المدعم الوحيد للمكتب على أساس توافقات انتخابوية، ألحقت على إثرها إحدى الموظفات بالبلدية الموالية للفريق المسير كحارسة عامة بمؤسسة دار الطالبة، فتح المجال لقيادة المجلس وتوفرت لها الوسائل عبر هذه الموظفة الملحقة لتقوية التواصل مع الطالبات القاطنات وعائلاتهن وربط علاقات معهن واستقطابهن واستغلالهن سياسيا. وتحولت هذه الموظفة إلى فاعلة سياسية بعدما غادرت حزبها الأصلي والتحقت بالحزب الجديد الذي التحقت به رئاسة المجلس. وبعد فضح هذا التداخل وتعقدت المشاكل والتنديدات وتوالت تدخلات السلطات الإقليمية والمحلية لحل المشاكل والدعوة إلى احترام القانون، لم يجد الفريق المسير للجمعية من سبيل لضمان استمراريته في التحكم في المؤسسات السالفة الذكر سوى البحث عن «مظلة» سياسية قوية داعمة. هكذا، تدخلت إحدى الشخصيات وتم إرجاع المستفيدتين المطرودتين ليلا إلى دار العجزة تماشيا مع توجيه السلطة المحلية، ليشتد الصراع السياسي بعد ذلك بين المجلس والشخصية السالفة الذكر. فبعدما التحق المسؤول الأول بالمجلس البلدي بحزب جديد وساهم في تجديد مكتب أقدم نقابة بالمغرب بالمدينة، اشتد الصراع داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية وانتقل إلى الشارع في عدة مناسبات. ونظرا لكون الموظفة الجماعية (ح ب) فاعلا أساسيا مدعما لرئاسة المجلس، استعملت كل الوسائل للحفاظ على مكانتها وعلاقاتها مع الطالبات وعائلاتهن داخل دار الطالبة. رد فعل لإعادة الأمور لنصابها كرد فعل على تسييس العمل الاجتماعي داخل هذه المؤسسة، كاتب المندوب الإقليمي للتعاون الوطني عامل الإقليم يوم 28 أبريل 2011 ملتمسا منه التدخل لإعفاء الموظفة الجماعية السالفة الذكر من مهامها نتيجة تعاطيها للعمل السياسي والنقابي داخل المؤسسة( ترأس نقابة ا. م. ش قطاع الجماعات المحلية) وتساهم في تنشيط حملات وأنشطة سياسية حزبية ومن ثم إفراغ المؤسسات من محتواها الاجتماعي. وفي يوم 9 ماي 2011، كاتبت مديرة المؤسسة (ع ب) المندوب الإقليمي للتعاون الوطني حيث أخبرته بكل ما تقوم به الحارسة العامة (الموظفة الجماعية) من تجاوزات ، حيث تمكنت بفعل مكانتها عند المجلس البلدي، من السيطرة على أهم المهام بداخل المؤسسة ( إحصاء المستفيدات قبل الوجبات الغذائية، منع مدير دار الأطفال الجديد والمقتصد والخازنة من القيام بمهام المراقبة). ونظرا لعلاقتها مع المستفيدات، حسب كلام المديرة، فقد نجحت في مرافقتهن خارج المؤسسة واصطحاب بعضهن في مهام سياسية. كما أشارت مراسلة المديرة إلى أن الكميات الكبيرة المتبقية من الأغذية بسبب المبالغة في التصريح بعدد الوجبات يتم إخراجها من المؤسسة يوميا. وفي يوم 14 ماي 2011، كاتبت نفس المديرة رئيسها المباشر تتأسف من تحويل المؤسسة إلى بناية لممارسة الدجل والشعوذة. فبعدما ادعت إحدى المستفيدات القريبات من الحارسة العامة أنها مسكونة بالأرواح الشريرة (الجن)، وقيامها بأفعال هستيرية ليلا استمرت إلى ساعات متأخرة من الليل ، انتقلت العدوى إلى باقي الفتيات (عددهن فاق العشرين) حيث ادعين بعد صلاة الجمعة ليوم 13 ماي 2011 إصابتهن أيضا بالأرواح الشريرة. وأكدت المديرة، أن ما تعرفه هذه المؤسسة من سلوكيات لا علاقة لها بالعمل الاجتماعي والتربوي، بل هي مجرد خطط محبوكة للضغط على موظفي التعاون الوطني من أجل دفعهم لمغادرة مؤسسات الرعاية الاجتماعية خوفا من الدسائس. فرجوع الفتيات بسرعة فائقة إلى وضعهن الطبيعي بعد تهديدهن بالطرد ، تقول المديرة، والتزامهن بالهدوء وقيامهن بجمع شعورهن وبلبس ملابسهن بعد إزالتها كليا، يؤكد أن كل ما قمن به ما هو إلا مسرحية أخرجتها الحارسة العامة لتحقيق أهدافها المصلحية والسياسية». على سبيل الختم لقد اتضح أن سياسة الرعاية الاجتماعية بمدينة سيدي سليمان تحتاج إلى إدارة عمومية في القطاع قادرة على فرض استقلاليتها واحترام القوانين الجاري بها العمل. كما يتطلب الأمر الاجتهاد لبلورة قانون أساسي نموذجي محكم للجمعيات المسيرة لهذه المؤسسات ( كل مؤسسة يجب أن تدبرها جمعية خاصة بها)، قانون يحدد شروط العضوية بدقة كبيرة، ويفتح المجال للفعاليات الجمعوية والاقتصادية للمشاركة في إعطاء صورة إنسانية للعمل الاجتماعي. إن ما عبر عنه المكتب الحالي من ضعف في التسيير (انعدام الدعم التربوي، سوء التغذية، الزبونية في قبول طلبات الاستفادة وعدم اعتماد معايير مضبوطة، التوظيفات المشبوهة، بناءات بطرق غير قانونية، الاستغلال «السياسوي» للمستفيدات والمستفيدين، عدم فتح باب الانخراط بالجمعية، عدم عقد أي جمع عام، وجود امتدادات عائلية لرئيس الجمعية بالعمالة، اكتظاظ داخل حجرات الإيواء (140 عوض 70 في كل دار الأطفال ودار الطالبة)، عقد اجتماعات بدون نصاب قانوني واتخاذ قرارات مصيرية، عدم تشكيل اللجن وتهميش الأطر الكفأة بالجمعية، طرد كل موظفي التعاون الوطني، زيادة طابق بدار الأطفال بدون دراسة تقنية ومعمارية وبدون احترام قانون الصفقات، إهمال الوضعية العقارية للمؤسسة رغم صدور أحكام لصالح دار الأطفال، اعتماد أسلوب فتح الباب للتطوع للمقربين لتبرير التشغيل فيما بعد ... )، يفرض على السلطات الإقليمية تشكيل لجنة متعددة الإختصاصات تسهر على ضمان السير العادي اليومي لتدبير هذا النوع من المؤسسات والرفع من مردوديتها ( محاربة الهدر المدرسي، محاربة الفقر والهشاشة، والرفع من المعدلات الدراسية ونسب النجاح ...). ومهما ارتفعت جودة الإيواء وتحسين شروطه (النوم والتغذية والمرافق الصحية ...)، يبقى دور مؤسسات الرعاية الاجتماعية مرتبطا أكثر بالنتائج الدراسية وبالتنمية الثقافية والتكوينية للمستفيدين والمستفيدات.