كانت المحاضرة التي ألقاها الأستاذ فرانسوا تروان، الباحث والجغرافي الفرنسي المعروف، بالمكتبة الوسائطية بالدارالبيضاء مؤخرا، حول:« المدن الميتروبولية بالعالم العربي بين الأصالة والمعاصرة»، محاضرة متميزة، بالنظر لطبيعة الموضوع الذي تناولته، والأمثلة التي اعتمدتها في المقاربة المنهجية لموضوع البحث، وللإشكالات والاسئلة التي طُرحت وما تضمنته من خلاصات استشرافية همت الأبعاد المرتبطة بالتدبير والحكامة الجيدين في مدن الدارالبيضاءوالقاهرة ودمشق ودبي. فرادة المحاضرة تتجلى أساسا (بالرغم من أن جانبا مهما منها تناول البعد المعماري في شقيه الكلونيالي والأصيل ومختلف التقاطعات وكذا التنافر الموجود بينهما ودلالات ذلك، إن معماريا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو سياسيا) في الأسئلة والاشكالات التي طرحت والاجوبة والتصورات التي تخللتها، والتي كانت ذات صلة بتدبير وحكامة الأوراش الكبرى بالعاصمة الاقتصادية المتعلقة بالميترو، والمدن الجديدة مثل مدينة المجاطية، التي تبعد بحوالي 7 أو 8 كيلومترات عن المدينة. الأستاذ تروان أوضح في هذا السياق، في إطار الاجابة عن سؤال مركزي وعميق طرحه الأستاذ كعيوا عبد القادر المندوب الجهوي السابق لإعداد التراب بمدينة الدارالبيضاء، يتعلق بالحكامة الناجعة للأوراش الكبرى بالمدينة، ومدى وجود مقارنات بين عملية تدبير المدن الأربع المذكورة، علما بأن كل المدن التي أحدث فيها الميترو ، مثل القاهرة، باتت الآن في حاجة ملحة إلى توسيع مداه بهدف تلبية الحاجة المتزايدة والضغط المتصاعد على النقل ، جراء النمو الديمغرافي وتوسع حركة العمران وتزايد النشاط السوسيو اقتصادي، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على تونس التي أقامت فيها السلطات المعنية الترامواي في مدينة تونس في وقت سابق، بيد أن المتغيرات اللاحقة الاجتماعية والاقتصادية أبانت عن الحاجة إلى وسيلة مغايرة أخرى لتخفيف الضغط على حركة السير والجولان ،وتؤمن، إلى جانب وسائل أخرى ، تنقل المواطن في ظروف مناسبة. وكشف تروان في الاتجاه ذاته بأن الدارالبيضاء ستكون ، من هذا المنطلق وأخذا بعين الاعتبار للتغيرات الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية المحلية، أمام تحد جديد في الأفق المتوسط يطرح من جديد مشروع الميترو في قلب دائرة النقاش حول سبل حل أزمة السير والجولان أولا، والنقل ثانيا. وعبر صاحب الدراسة الشهيرة والقيمة حول «الأسواق المغربية في الشمال» عن تخوفه من مآل المدن الجديدة التي أنشئت بضواحي المدينة، والتي كان الهدف منها امتصاص الضغط السكاني وما إلى ذلك، مشيرا في هذا الصدد إلى أن من بين المرتكزات الأساسية التي يجب أن تقوم عليها أي مدينة جديدة على شاكلة مدينة المجاطية بضواحي الدارالبيضاء، التوفر على العديد من المقومات منها المراكز التجارية، ومختلف المرافق والمصالح التي تجعل منها مدينة« مستقلة الذات» وليس العكس. وأردف قائلا، إن غياب هذا التصور يفرغ المدن الجديدة من أهدافها الاستراتيجية البالغة الأهمية ويحولها ، مع مرور الزمن، إلى بؤر جديدة للمضاربة العقارية تزيد من تعقيد الوضع السكني والعقاري بالمدينة. للإشارة فقد أدار الندوة ، التي حضرها باحثون وفعاليات مختلفة بالعاصمة الاقتصادية وغيرها، الأستاذ محمد الناصري، الجغرافي والباحث في مجال الجغرافية البشرية.