كنا في حاجة ماسة إلى هذا الانتصار، لكي نشعر بأننا قادرون على الفرحة، وقادرون على التفاؤل وقادرون، أساسا، على طرد الفشل. لأن الشعب يريد إسقاط الفشل. ولعل الانتصار على الذات المترددة، الخجولة، التي يمشي بها الخوف والفشل، هو أفضل انتصار اليوم يمكن أن نهديه إلى المغاربة. يكفي أن ترى الشعب منتصرا، لكي تكتشف كم هو قادر على الجمال، والتسامح والفرح والاغتناء الروحي. النصر مثل المطر، يشغل الروح ويتلألأ فيه ومعه الجانب المتواري من الحياة. ولعل العمل الدقيق هو وحده الذي يشبه الانتصار، والعمل هو أيضا الذي ينحت النصر. ليست كرة القدم مقدمة موفقة دوما لكي ندخل إلى الحياة العامة، من باب السياسة، غير أن المناخ العام الذي يخلقه الانتصار في مقابلة مثل مقابلة أول أمس، يكون بالضرورة مناسبا لكي نقارن بين حالة الركود وحياة الألق . الرياضة ليست أفيون الشعوب، بل هي مقياس حرارتها وقدرتها على التجاوز الإيجابي لنفسها. وبهذا المعنى لا يمكن إلا أن نتفق على أن الشعور بأننا لا يمكن أن ننتصر، يخلق حالة بيات تاريخي ويعزز الخوف من المستقبل، ويدعو إلى الارتكان إلى اليأس. في المغرب اليوم حالة حراك، مباراة تاريخية، لا يمكن أن نحسمها بعدد الإصابات التي تدخل في شباك ما، يمكن أن نحسمها بهبات الجمهور وهو يصدح بالنشيد، ويرفع صوته عاليا بالفرحة. لا نعرف شعبا أضعفه النصر، سيما النصر المستحق والعادل والمشروع والسلمي.. ولا نعرف شعبا قواه التردد والخيبة والتقوقع على النفس.. والحقيقة، إذا رأيت شعبا قادرا على الفرحة بعد الفوز، وقادرا على الحياة والغناء، وقادرا على الشغب الجميل، فتأكد بأنه كان كذلك قبل النصر، وأن التردد والفشل كان يعرقل فيه تلك المزية وتلك الفرحة.. ولا نجانب الصواب إذا قلنا إن التوقيت مناسب جدا لهذا الانتصار، لانتصار آخر.. ألم تكن مراكش هي أصلا ساحة المأساة في نهاية أبريل، عندما سقط الأبرياء بضربات الإرهاب؟ هاهي اليوم تجمع أبناءها على فرحة كبرى، كما لو أنها ثأرت لمن ضربها بالديناميت.. اختيار المكان أيضا جزء من الانتصار، وجزء من القدرة على الفرحة.. إن حالة السلم لها لحظات الانتصار الكبيرة، وليست الحروب هي وحدها التي تفضي إلى النصر. السلم أيَضا حرب كبيرة، عندما يكون المطلوب فيها النصر والفرحة والتجاوز الإيجابي للذات، ونحن الآن في لحظة .. أذكر هذه العبارة لاوجين فرومانتان، الذي عاش في الجزائر طويلا ««أشعر أنني منسجم مع ذاتي، وهو ما يشكل أكبر نصر يمكن أن نحرزه ضد ... المستحيل»». اللحظة مناسبة للانسجام المغربي الكبير مع الذات، ولكي نحقق بالفعل النصر على ما يبدو أو قد يبدو مستحيلا .. لا شك أن الرياضيين المتمرسين سيشعرون بأن المغرب ربح فريقا كبيرا. ولاشك أن السياسي المراقب سيشعر بأن حركة 4 يونيو قد ولدت من رحم الفرح، لكن الجميع سيشعر بأن اللحظة مناسبة لكي يربح المغاربة أيضا مغربا كبيرا وعظيما وقويا وشامخا..