تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال (بوريطة)    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟        عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللاجئون ومخاطر التوطين والتجنيس

يعيش في لبنان، داخل المخيمات وخارجها، ومنذ نكبة عام 1948 ونزوح عام 1967، وأحداث الأردن في عام 1970، أكثر من أربعمئة ألف لاجئ فلسطيني لا يتمتعون بجميع الحقوق والضمانات التي تقرّها الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وتنصّ عليها قوانين أغلبية الدول المضيفة لهؤلاء اللاجئين.
كل لاجئ يتساءل، يوميا، ودائما بحيرة ولوعة، عما ينتظره من مصير مجهول. ويعتقد معظم اللاجئين أن سياسة التوطين والتجنيس مخطط قديم أعدته الحركة الصهيونية، قبل قيام الكيان الصهيوني، بالتواطؤ الخبيث مع الغرب الاستعماري، وأن هذا المخطط لا يزال قائماً، وأن إسرائيل والولايات المتحدة تبذلان، منذ سنوات، كل ما في وسعهما من وسائل الترغيب والترهيب لتشطب ملف العودة والحؤول دون رجوع أي لاجئ إلى دياره ووطنه واسترداد ممتلكاته واستعادة ذكرياته الحميمة. وقد انتشر، في السنوات الأخيرة خبر في الأوساط السياسية مفاده أن هناك صفقة تُعد سراً، تقضي بإعفاء لبنان من ديونه المتراكمة والمتصاعدة، والتي سيعجز حتماً عن سدادها في المستقبل المنظور، مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين فيه، وهم الذين يمثلون العدد الأكبر من لاجئي الأقطار العربية.
وإذا كان الاعتراف بالخطأ أو التقصير أو التواطؤ فضيلة، كما يقال، فإننا نقرّ، عملاً بهذه المأثرة، بأن لبنان شهد، منذ لجوء آلاف الفلسطينيين إليه، ابتداء من نكبة عام 1948 توطيناً جزئياً، أو تجنيساً متقطعاً، تمّ على مراحل، تارة بالعلن وطوراً بالخفاء، تارة بحكم المصالح والمنافع المتبادلة وطوراً بحكم الابتزاز المالي الخسيس.
وقيل إن مرسوم التجنيس اللبناني الشهير، الصادر في 20/6/1994، قد شمل الآلاف من هؤلاء اللاجئين. واختلفت التصريحات والتكهنات المتعلقة بعدد الفلسطينيين الذين حصلوا على الجنسية اللبنانية بموجب هذا المرسوم.
محمد المجذوب
الملاحظات في شأن مسألة التوطين في لبنان:
ويمكننا بإيجاز تقديم بعض الملاحظات حول مسألة التوطين في لبنان:
أولاً إن رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان (أو في أي بلد عربي آخر)، وحقهم القانوني والإنساني في الوطن حق أساسي وليس مجرد حق سياسي، فالحق السياسي يُمنح ويُمنع ويتبدل، في حين أن الحق الأساسي يبقى، مدى الأزمان، حقاً ثابتاً وغير قابل للتصرف أو السقوط بمرور الزمن.
وعلى الرغم من رسوخ هذه الفكرة في النفوس والنصوص، فإن مسألة التوطين تشغل البال وتؤجج السجالات الكلامية في لبنان. ويبدو أن ملف التوطين جاهز، في كل وقت أو مناسبة، للفتح أو الإغلاق أو التجميد أو التجييش، إرضاء للنزوات، أو حفاظاً على توازنات، أو حرصاً على إتمام مساومات، أو رغبة في إثارة نعرات لتغطية انحرافات.
ثانياً إن مسألة التوطين ترتبط ارتباطا عضويا بقضية اللاجئين. وهذه القضية تعكس جوهر الصراع بين العرب، أصحاب الحق الشرعي والإنساني والتاريخي في فلسطين، والعدو الإسرائيلي المغتصب أرضاً ليست له ولا لأجداده.
وجوهر الصراع يقدم على أسس، يعتبر حق العودة حجر الزاوية فيها. وهذا الحق يتصدر كل مطلب من مطالب العرب. وفي اعتقادنا أن كل محاولة لعقد اتفاق تفاهم أو تنازل مع العدو الإسرائيلي ستُمنى بالفشل إذا تجاهلت مسألة العودة، أو إذا اكتفت بمعالجة نتائج حرب عام 1967، أو إذا اعتمدت على الاتفاقيات التي وقعتها بعض الأنظمة العربية مع هذا العدو، في غفلة من الزمن أو الوعي.
ثالثاً إن مشروع توطين الفلسطينيين في لبنان ليس سراباً أو وهماً أو تهويلاً، فهناك فئة من أصحاب القرار تسعى، بكل ما أوتيت من حيلة، لإنجازه مقابل وعود سخية، مالياً وسياسياً تتدفق من الخارج العربي أو الغربي. بل هناك أنظمة عربية وأجنبية تعمل، بشتى الوسائل، على إنجاز صفقة التوطين. وإسرائيل، الحائزة أرفع الجوائز في الدسّ والتآمر، والمفجوعة بما أصابها من هم وخيبة بعد عدوان تموز/يوليو 2006 على لبنان، تبذل الجهود لحمل (أو إكراه) الأنظمة العربية على فرض التوطين. وغرضها من ذلك إبعاد كأس مرة عن وجودها، وإرباك الحكم في لبنان، وتعكير صفو العلاقات بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، وتحويل فتنة التوطين إلى توطين الفتنة.
رابعاً إن الجميع في لبنان، رسميين ومواطنين وهيئات يصرحون، في كل مناسبة، بأنهم معارضون للتوطين في كل أشكاله. غير أن تصريحاتهم ستبقى كلاماً عاطفياً إن لم تقترن بالعمل الجاد لإيجاد حل لقضية اللاجئين. ولا نبالغ إن قلنا إن معارضة التوطين أصبحت، لدى بعض المسؤولين، مادة إعلامية للاستهلاك المحلي. والغريب أن الرافضين للتوطين، لا يحاولون التطرق إلى أمر مهم هو حق العودة الكفيل، إذا ما تحقق، بإلغاء التوطين.
خامساً إن على المسؤولين اللبنانيين والعرب أن يتنبّهوا، خلال معالجتهم مسألة اللاجئين، إلى أمرين: الأول هو وجوب عدم الربط بين تنفيذ القرار 425 الذي ينص على وجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي احتلتها في عام 1978، وبين القرار 194 الذي ينصّ على وجوب إعادة اللاجئين الفلسطينيين ?في أقرب وقت ممكن? إلى ديارهم ودفع التعويضات لمن يختار عدم العودة منهم. فالقرار الأول صادر عن مجلس الأمن، ويعالج وضعاً سياسياً وحدودياً بين طرفين. أما القرار الثاني فصادر عن الجمعية العامة التي تمثل الأسرة الدولية برمّتها، ويعالج مسألة إنسانية مصيرية تستمد أهميتها من القواعد المعاصرة في القانون الدولي، التي تُحرّم احتلال أراضي الغير، واستعمال القوة في العلاقات الدولية، وطرد شعب آمن من وطنه، والحؤول دون عودته إلى هذا الوطن وممارسة حقه في تقرير المصير.
أما الأمر الثاني الذي يستدعي الانتباه فهو وجوب التمييز بين مسألة التوطين ومسألة الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين، لأن حل المسألة الثانية يسهم إلى حد كبير في إفشال المسألة الأولى.
ونشير هنا إلى ضرورة تدخل المسؤولين اللبنانيين والعرب لتأمين استمرار وكالة الأونروا في القيام بواجبها الإنساني تجاه اللاجئين، لأن استمرار هذا الدور لا يشكل لهؤلاء نوعاً من الحماية الدولية فحسب، بل ينطوي من قبل المجتمع الدولي على التزام سياسي وقانوني وأخلاقي بحلّ قضيتهم على أساس العودة، فقرار إنشاء الوكالة، رقم 302، الصادر عن الجمعية العامة في 8/12/1949، ارتبط منذ البداية، ولا يزال، بالفقرة 11 من القرار 194 (العودة والتعويضات)، الصادر كذلك عن الجمعية العامة في 11/12/1948.
والجمعية العامة في قرارها إنشاء الوكالة، تذكّر بالفقرة 11 من القرار 194، وتعترف في الفقرة الخامسة منه: ?بأنه من الضروري استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار، مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة، رقم 194?. وكل ذلك يفرض استمرار الأونروا في أداء رسالتها الإنسانية والاجتماعية حتى تحقيق عودة اللاجئين إلى ديارهم.
سادساً إن المؤمنين بحق العودة والرافضين لفكرة التوطين يتساءلون عن أسباب عدم اهتمام الأنظمة العربية بحق العودة. فلو اطلعنا، مثلاً، على الاتفاقات الرسمية التي أبرمت بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لما وجدنا أثراً لحق العودة. وكل ما نعثر عليه في البند الثالث من المادة الخامسة من ?إعلان المبادئ? (بين الفلسطينيين والإسرائيليين) هو أن المفاوضات اللاحقة حول الوضع الدائم ستعالج قضايا عدة، منها وضع اللاجئين. ولكن المادة الثانية عشرة تتحدث عن مهجري عام 1967 فقط، وتنص على إنشاء لجنة تشارك فيها مصر والأردن لمعالجة أمر عودتهم.
وبعد توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993، عقدت اللجنة اجتماعات عدة لم تحرز أي تقدم، إذ أصرت إسرائيل على تعريف النازح الفلسطيني بأنه ذلك الذي غادر الضفة الغربية خلال حرب العام 1967، وأبدت استعدادها للموافقة على عودة 200 ألف فقط إلى الضفة والقطاع، وبمعدل أربعة آلاف في السنة. وهذا يعني، إذا افترضنا توقف عملية التناسل الطبيعي لدى اللاجئين، وبرّأنا العدو من الكذب والخداع، أن عودة المئتي ألف ستستغرق خمسين عاماً.
سابعاً إن الترجمة العملية لموقف إسرائيل من مسألة التوطين هي منع عودة اللاجئين إلى ديارهم في فلسطين. وهذا الموقف لا يمكن أن يُفهم إلا بالإطلاع على العقيدة الصهيونية المرتكزة على قاعدتين أساسيتين متلازمتين من حيث الأهمية: قاعدة السيطرة على ما يسمّونه (أرض الميعاد) أو (أرض إسرائيل التوراتية)، وقاعدة تطهير أرض فلسطين من جميع سكانها باقتلاعهم أو تهجيرهم أو طردهم أو القضاء عليهم بغية إحلال اليهود الوافدين (أو المجلوبين) من شتى أنحاء الدنيا محلهم.
ولهذا يُعتبر مشروع التوطين، منذ بداية التهجير، مشروعاً صهيونياً عنصرياً استيطانياً يرمي إلى طمس معالم فلسطين وأهلها، والحؤول دون عودة النازحين أو المهجرين إلى وطنهم، كيلا يتعرض الكيان الصهيوني إلى مخاطر الاختلال في التوازن.
ونلاحظ أنه، منذ الأشهر الأولى إعلان قيام إسرائيل، بدأت ورشة العمل للبحث عن سبل التوطين في الأقطار العربية. ففي عام 1949، تألفت بعثة برئاسة الخبير كلاب (Klapp) لاستقصاء السبل الصالحة للتوطين. وأصدر المركز الملكي للدراسات الدولية في لندن (وثيق الصلة بالخارجية البريطانية) دراسة بعنوان ?اللاجئون العرب: مسح لإمكانات التوطين. وقُدمت مشاريع إنمائية لتسهيل التوطين، مثل مشروع مخطط مين كلاب (Main-Klapp Plane)، ومشروع إريك جونستون (E. Johnston) في عامي 1953 1955، ومشروع الأمين العام السابق للأمم المتحدة، داغ همرشولد، في عام 1957. وبدأت وكالة»الأونروا« منذ عام 1951، وبدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بوضع خطط عدة لاستصلاح الأراضي في وادي الأردن وسيناء وغيرهما من أجل توفير فرص العمل وتسهيل الاندماج الاقتصادي للاجئين في بلاد النزوح، كما جرت مفاوضات مع بعض الزعماء العرب مصحوبة بالإغراءات المادية لقبول توطين أعداد كبيرة من هؤلاء اللاجئين في بلادهم.
وقامت وكالة الأونروا، في السنوات الأخيرة، بحملة ترويج فكرة تصفية أعمالها تدريجياً. ففي عام 1955، حدّدت ما سُمّي بمنظور الخمس سنوات كفترة انتقالية تنتقل مهمات الوكالة بعدها إلى الدول المضيفة. وكانت إسرائيل من أشد المشجعين لإنهاء عملها، لأن ذلك يؤدي إلى سحب ورقة اللاجئين من التداول، عربياً ودولياً.
ونلاحظ أن الدول الكبرى، بزعامة الولايات المتحدة وتواطؤ إسرائيل، تبذل جهوداً جبارة لابتكار مشاريع التوطين أو تسويقها، وهي توفد شهرياً إلى المنطقة العربية، شخصيات سياسية مرموقة، لتعرض، تحت غطاء الزيارة وبدعوى استطلاع الأوضاع وتفهمها وتقديم المشورات والتوجيهات، مشاريع مبطنة بالدعوة إلى التوطين. ومشروع القريعة (أي إسكان اللاجئين الفلسطينيين في إحدى المناطق اللبنانية البعيدة عن العاصمة والمدن اللبنانية) كان محاولة (ويؤكد البعض أنها مستمرة) لإقناع السلطة اللبنانية بتقبل الفكرة وتنفيذها.
ثامناً إن الفقرة (ط) من مقدمة الدستور اللبناني، المعدل في عام 1990، تنص على أن ?لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين?. وهذه الفقرة منقولة حرفياً من فقرة وردت في اتفاق الطائف، وأدخلت في مقدمة الدستور. وهي تتمتع بالقوة الإلزامية، لأن ما يرد في مقدمة أي دستور يعتبر، وفقاً للفقه والاجتهاد الدستوريين، جزءاً لا يتجزأ من صلب الدستور ذاته لا يختلف في شيء، من حيث القيمة الدستورية، عن أحكام الدستور. وبتعبير آخر: إذا كان البعض يميز بين مقدمة الدستور ومتنه، فيجرد الأولى من الصفة الإلزامية، ولا يحتفظ لها إلا بقيمة معنوية، فإن هذا الموقف قد طرأ عليه تغيير مهم في الآونة الأخيرة، فزالت، من الناحية الدستورية، كل الفروق بين النصوص التي ترد في المقدمة وتلك التي ترد في المتن.
وكانت هذه المسألة قد أثارت في الماضي جدلاً بين الفقهاء الدستوريين، تمكن المجلس الدستوري في فرنسا، في 16/7/1971، من حسمه في قراره الشهير حول حرية الاجتماع وتأكيده أن مقدمة الدستور الفرنسي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الدستور ذاته.
وسار المجلس الدستوري في لبنان على خطى مثيله الفرنسي، وأضفى على مقدمة الدستور اللبناني قيمة دستورية. ففي قراره الصادر في 7/8/1996، والرامي إلى إبطال بعض المواد من القانون المتعلق بتعديل أحكام قانون الانتخاب، استند إلى الفقرتين (ج) و(د) من مقدمة الدستور، وأكد أن تلك المقدمة ?تعتبر جزءاً لا يتجزأ منه?. إلا أنه خطا الخطوة الأخيرة في قراريه الصادرين في 12/9/1977، والمتعلقين بإبطال القانونين حول تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية، عندما أعلن ?أن المبادئ الواردة في مقدمة الدستور تعتبر جزءاً لا يتجزأ منه، وتتمتع بقيمة دستورية، شأنها في ذلك شأن أحكام الدستور نفسها?.
إذاً، الفقرة (ط) هي جزء لا يتجزأ من الدستور. ويحتل الدستور في سلم القواعد القانونية أعلى المراتب. ولكل مجتمع سياسي منظم يعيش في إطار دولة دستور يتضمن أحكاماً واضحة ومحدّدة تنظم كيفية ممارسة السلطات ووضع التشريعات، وتكفل الحقوق والحريات للأفراد والجماعات، وتشتمل القيود والحدود التي لا يجوز للسلطات أن تتعداها في ممارسة صلاحياتها. وبهذا توصف بأنها دولة دستورية أو دولة مقيدة بأحكام الدستور.
وإذا كنا نجد في الدولة إلى جانب الأحكام الدستورية، مجموعة من القوانين التي يخضع لها الحكام والمواطنون، على حد سواء، فإن الدستور يبقى في النظام القانوني في الدولة، الوثيقة الأسمى التي تجسّد تطلعات الشعب وآماله. ولأن الدستور هو القانون الأعلى للدولة فإن التشريعات كلها التي تصدر في الدولة يجب أن تخضع له وتتلاءم معه وتستمدّ أصولها من قواعده ومبادئه، فإن تعارضت معه في نصوصها أو روحها كانت الغلبة أو الأرجحية له.
ومبدأ سمو الدستور يسمح لنا باستخراج النتائج المترتبة على القوة الإلزامية لأحكامها، ومنها الفقرة (ط) من مقدّمته. ويتمثل أهم نتائجها في صفتها الإلزامية تجاه كل السلطات والهيئات والأفراد في لبنان وخارجه.
أما الإلزام في الداخل فلا يحتاج إلى الثبات. وأما الإلزام في الخارج أو للخارج فينبثق من المبادئ العامة للقانون الدولي، وأهمها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومبدأ احترام الدساتير والتشريعات والأنظمة في الدول الأخرى، ومبدأ احترام الشرعية الدستورية في هذه الدول.
تاسعاً إن قيمة النصوص والوثائق تكمن في مدى ما تلقاه من تجاوب وتأييد، في داخل البلاد وخارجها، وفي مدى ما تنطوي عليه من انسجام مع، (أو تعبير عن) الإرادة الرسمية والشعبية العامة. ويمكننا التأكيد داخلياً (أي لبنانياً) أن رفض التوطين حاز الإجماع الرسمي والشعبي، وكذلك إجماع الفصائل الفلسطينية في الداخل والخارج. ومن شأن الإجماع قولاً وفعلاً تحويل الإلزام التزاماً.
ولو اطلعنا على التصريحات والبيانات الصادرة عن كبار المسؤولين وأسمى الهيئات والمؤسسات الروحية في لبنان، لوجدنا أن رفض التوطين والمطالبة بتنفيذ القرار 194، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1948، هو الموقف المشترك بين الجميع. ثم إن جميع القوى السياسية والفصائل الفلسطينية في لبنان قد أجمعت على رفض التوطين ورفض أي وطن بديل من أرض فلسطين، ورأت في التوطين مقدمة خطرة لتصفية القضية الفلسطينية برمتها. ويكفينا الاستشهاد ببعض المواقف الملتزمة والرافضة للتوطين:
1 حذر رئيس الجمهورية السابق (إميل لحود)، في مناسبات عدة من مخاطر التوطين، واعتبر التوطين قنبلة تهدد السلام والأمن الإقليميين.
2 أعلن رئيس مجلس النواب (نبيه بري) المقاومة ضد التوطين ورأى فيه وجهاً آخر للاحتلال الإسرائيلي.
3 جميع من تولوا رئاسة مجلس الوزراء أدلوا بتصريحات أكدوا فيها أن الإجماع اللبناني على رفض التوطين هو أكبر ضمانة لعدم حصوله.
4 جميع المراجع الروحية المسيحية والإسلامية، اعتبرت أن التوطين يشكل للبنان خللاً وطنياً، ويسقط معادلة الطائف (أي لا تقسيم ولا توطين).
5 جميع الهيئات والمؤسسات الروحية، المسيحية والإسلامية، أعربت عن خشيتها من فرض التوطين، ومن محاولات المقايضة والمتاجرة بالأوطان تحت ستار المساعدات الإنسانية.
6 جميع القوى السياسية والفصائل الفلسطينية في لبنان أجمعت على رفض التوطين، ورفض الوطن البديل من فلسطين، وأعربت عن تقديرها لموقف الدولة اللبنانية ممثلة بكبار المسؤولين فيها، من هذا الرفض.
وعندما نستعرض المواقف الخارجية نجد أن دولاً وشخصيات وأجهزة دولية لم تتوان عن إعلان دعمها الكامل لاتفاق الطائف ولكل ما تضمنه من مبادئ ومنها رفض التوطين ونذكر على سبيل المثال:
1 بيان مجلس الأمن الدولي في 7/11/1989، ثم بيانه الآخر في 22/11/1989.
2 البيان المشترك للدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن في 1/11/1989.
3 قرار المجلس الأوروبي في 9/12/1989.
4 التصريح المشترك للرئيس الفرنسي (ميتران) ورئيس الوزراء الإيطالي (أندريوتي) في 13/2/1990.
5 مختلف الرسائل التي وجّهها رؤساء الدول إلى المسؤولين في لبنان، وأيدوا فيها اتفاق الطائف، ودعوا إلى احترامه نصاً وروحاً.
وإذا كان اللبنانيون على مختلف طوائفهم وجماعاتهم وتياراتهم قد أجمعوا (كما صرّحوا) على رفض التوطين، فإن دوافع الرفض ليست متشابهة. ويمكننا إجمالها بالاتجاهات أو المواقف الحجج الآتية:
1 الرغبة في الحفاظ على الصيغة اللبنانية والخوف من تهديد الدولة اللبنانية في وجودها والإساءة إلى الألوان الثابتة التي تتكوّن منها الفسيفساء الطائفية في لبنان. ففي هذا البلد تركيبة سكانية، أو معادلة مذهبية، يحرص الزعماء والساسة على عدم إحداث أي شرخ أو تغيير فيها، خوفاً من تعريض استقرار البلد وأمنه للهزات والمخاطر. فالتوازنات الطائفية والمذهبية والديموغرافية والسياسية التي يقوم عليها النظام السياسي في لبنان تشكل الركيزة الأساسية للنظام والدولة. وهذه التوازنات دقيقة وحساسة إلى درجة لا تحتمل أي خلل يصيبها. ومن شأن التوطين، إن حصل، إحداث خلل خطير في التوازنات القائمة، وإدخال العنصر الفلسطيني كعامل انقسام بين اللبنانيين وتشجيع الأطراف اللبنانية المتضرّرة من التوطين على طرح مشاريع التقسيم والفدرالية.
2 اعتبار التوطين عملاً يتناقض وأحكام الدستور اللبناني الذي ينصّ على رفض التوطين في مقدمته، كما ذكرنا، وينص كذلك على أن ?لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك?. والتوطين يؤدي إن حصل إلى تأجيج الصراعات والانقسامات بين اللبنانيين، وطعن الميثاق المذكور في الصميم والانتقاص من شرعية السلطة التي تخالف الدستور بموافقتها على التوطين.
3 اعتبار التوطين عملاً يهدّد الأمن والاستقرار على الصعيدين العربي والدولي، لأن آثاره وتداعياته لن تقتصر على لبنان فقط بل ستمتد إلى دول الجوار وتتسبب في إحداث قلق واضطراب في الخارج. ومن المنتظر من ناحية أخرى، ألا يسفر التوطين عن تحسين أوضاع الفلسطينيين الاجتماعية والاقتصادية بالقدر الذي نأمل أو نطمح.
4 اعتبار التوطين عملاً مناقضاً ومخالفاً لكل الاتفاقات والقرارات الدولية المتعلقة بحق العودة وحق تقرير المصير، ولكل المواقف والتعهدات والالتزامات العربية برفض التوطين وإدخال مسألة التوطين في خانة القضايا القومية والمصيرية التي تحتم على العرب التزامها والدفاع عنها وعدم التنصل منها.
عاشراً إن القضية الفلسطينية قضية عربية ويتوجب على الدول العربية منفردة ومجتمعة، أن تتعاون لإيجاد حل عادل لها. وكل مطلع على جوهر العلاقات الدولية ومكامن القوة والضعف في التعامل الدولي يدرك أن نجاحنا في قضية ما، أو وصولنا إلى غرض ما، أو تأثيرنا في أمر ما، يتوقف على ما نملك من مستندات دولية صالحة لدعم مطالبنا وعلى مدى ما نتمتع به من براعة في استخدام الآليات الكفيلة بتحريك الرأي العام وإحراج المسؤولين والضغط على الأطراف المعنية.
إن لدينا وثائق ومستندات دولية مهمة تتعلق بحق العودة الذي يرقى إلى مصاف القواعد الآمرة في القانون الدولي العام. وما علينا إلا أن نتعاون ونحسن استخدامها واستغلالها.
وحق العودة هو حق كل فرد أو أفراد، وحق ذرياتهم، في العودة إلى الأماكن التي كانوا يقيمون فيها والتي أكرهوا على مغادرتها وفي استرداد ممتلكاتهم التي تركوها أو فقدوها أو في الحصول على تعويضات عنها.
ما الأساس القانوني الذي يقوم عليه هذا الحق؟
لقد اعترفت الأمم المتحدة بقرارها رقم 194، بحق الفلسطينيين في العودة والتعويض. وكان هذا القرار يشير إلى الفئة التي نزحت أو هُجرت بكثافة خلال العامين 1947 و1948، ووُصفت باللاجئين. وحصلت حرب عام 1967 وأسفرت عن ظهور لاجئين جدد عرفوا بالنازحين مع أنهم من الأراضي المحتلة. فهل يشمل قرار الأمم المتحدة هذه المجموعات جميعها؟
إن حق العودة في القانون الدولي المعاصر يشمل جميع ضحايا الإبعاد القسري عن الوطن. وهناك مبدأ قانوني عام صالح للتطبيق على كل لاجئ أو مهجر أو مبعد، يتصدر الوثائق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ويضمن لكل إنسان الحد الأدنى من الاستقرار في بلده، أي يضمن له حق البقاء في بلده. وحق البقاء يستتبع حق العودة إذا ما أكره الإنسان على مغادرة بلده.
والوثيقة الأساس في هذا الصدد هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10/12/1948، أي قبل يوم واحد من صدور القرار 194. فالمادة 13 منه تنص على ?حق كل إنسان في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده?. وحق المغادرة والعودة ينطوي بالضرورة على حق البقاء في البلد. والتمتع بهذا الحق يتنافى بالمطلق مع مفهوم الإكراه.
والإعلان العالمي لا يعترف بهذا الحق للمواطنين فقط، أي للذين يحملون جنسية البلد، بل يعترف به كذلك لكل إنسان، بصرف النظر عن جنسيته. فالمادة 13 تعالج حالة كل إنسان وديباجة الإعلان تثبت ذلك عندما تعتبر أن الإعلان موجه إلى جميع أعضاء الأسرة الدولية.
والمبدأ العام الذي يتضمنه الإعلان العالمي لا يحول دون إكراه أي إنسان على مغادرة أي بلد، ولكنه يرفض أن يكون هذا الإبعاد القسري نتيجة تدابير تعسفية، أو قرارات غير مشروعة.
وبعد الإعلان العالمي صدرت سلسلة طويلة من القرارات الدولية التي أكدت الاعتراف بحق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين في العودة وأهمها برأينا ثلاث وثائق دولية نصت بصورة أوضح وأشمل على هذا المبدأ العام:
1 اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة في 12/8/1949، والمتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب.
2 العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في 19/12/1966.
3 قرار الجمعية العامة رقم 194 عام 1948، وتكمن أهمية هذا القرار في تكرار إيراده أو الاستناد إليه في العديد من القرارات الدولية اللاحقة.
وإلى جانب هذه الوثائق الدولية التي تعنى بحق العودة هناك وثائق إقليمية تعالج الموضوع ذاته، نذكر منها:
1 الاتفاقية الأميركية لحقوق الإنسان.
2 الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
3 الميثاق العربي لحقوق الإنسان.
4 البروتوكول الرابع من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان.
فاقدو الأوراق الثبوتية
?في لبنان ما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف فلسطيني ممن لا يحملون أي أوراق ثبوتية على الإطلاق، وهؤلاء قلما يخرجون من المخيمات خوفاً من توقيفهم على الحواجز الأمنية اللبنانية، وقلما يعملون في مهن مستقرة. وكثيرون منهم تزوجوا وأنجبوا. والمصيبة حلّت على أبنائهم. فالفتيان لا يمكنهم الاستمرار في الدراسة أبعد من المرحلة الابتدائية، والفتيات لا يتمكن من الزواج لعدم امتلاكهن بطاقات هوية رسمية. والزيجات في أوساط هذه الفئة عرفية إلى حد كبير.
ينتشر أفراد هذه الفئة في مخيمات الجنوب بالدرجة الأولى (64%) وفي البقاع (16%) وفي الشمال (16%) وفي بيروت (4%)، وهم معرضون للملاحقة القضائية دائماً، ولا يستطيعون الحصول على العون القانوني. وهؤلاء التحقوا مبكراً بصفوف المقاومة الفلسطينية بعد حرب حزيران 1967، وتركوا مواطنهم الأولى في قطاع غزة ومخيمات الضفة الغربية، وانتقلوا إلى الأردن، ومنه إلى سورية ولبنان، ولم يتمكنوا من الحصول على جوازات سفر أردنية بعد أحداث أيلول الأسود 1970، أو على وثائق سفر مصرية (لأبناء قطاع غزة)، وعاشوا في كنف منظمة التحرير الفلسطينية. لكن، بعد مغادرة قوات المقاومة الفلسطينية لبنان في آب 1982، تخلف عدد من هؤلاء فيه لأسباب متعددة منها الارتباط الأسري، وعدم الرغبة في ترك عائلاتهم خلفهم في ما لو غادر الرجال لبنان إلى اليمن أو السودان أو الجزائر، وهي الدول التي وافقت على استقبال المقاتلين آنذاك.
لا يستفيد هؤلاء من تقديمات الأونروا، لأنهم غير مسجلين في لوائحها، ويعتمدون على الخدمات الصحية التي تقدمها مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني. ونسبة البطالة بينهم تصل إلى أكثر من 58%، ويتلقى نحو 30% منهم أجوراً ضئيلة من منظمة التحرير الفلسطينية، ويعمل بعض الأفراد في مهن موسمية بسيطة، وفي سنة 2009 بدأت ممثلية م.ت.ف. في بيروت إصدار بطاقات تعريف لهؤلاء بالتفاهم مع السلطات اللبنانية. ومع أن هذه البطاقات غير قانونية، بمعنى أنها غير ملزمة للسلطات اللبنانية، وغير صادرة عن مؤسساتها الأمنية، إلا أن من شأن هذا الاجراء تسهيل تنقل هذه الفئة إلى حين يتم التوصل إلى حل نهائي لأبنائها.
ولا بد لنا عند عرض هذه النماذج من الوثائق من إبداء ثلاث ملاحظات مهمة وسريعة:
الأولى، تتعلق بإقرار كل الدول والهيئات الدولية بحق العودة للفلسطينيين. وبفضل هذا الإقرار الجماعي ارتقى حق العودة إلى مرتبة من الوضوح لا تترك مجالاً للإنكار أو التنكر.
الثانية، تتعلق بالبعد الجديد لحق العودة، فهذا الحق الذي تنص عليه الوثائق الدولية والإقليمية التي أشرنا إليها يعالج حقوقاً فردية، هي حقوق تطبق على أفراد لا على جماعات وشعوب، في حين أن حق العودة للفلسطينيين يمثل حقاً جماعياً يشمل الأغلبية الساحقة من أفراد شعب طُرِد أو هُجّر. وهذا البعد الجماعي يجعل من حق العودة ركيزة من ركائز حق الشعوب في تقرير مصيرها. فالتنكر لحق الفلسطينيين بصفتهم جماعة أو شعباً في العودة إلى وطنهم يحول دون ممارستهم حقاً وفره لهم القانون الدولي المعاصر وهو حق تقرير المصير.
الثالثة، تتعلق بالقرار 194 الذي تكرر الاستناد إليه في معظم القرارات الدولية التي تعالج مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. ولم يعد هناك اليوم شك أو التباس في معناه أو تفسيره. إنه مكوّن من شقين يمثلان حقين متلازمين: حق العودة وحق التعويض. وحق التعويض يشمل الخسائر المادية والمعاناة النفسية والاجتماعية. وهو حق قانوني ملازم لحق العودة يستفيد منه كل لاجئ أو مهجر، سواء أعاد أم لم يعد إلى دياره.
وإذا كان البعض يعتبر القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة مجرد توصيات غير ملزمة فإن تكرار ذكرها القرار 194 أكثر من مرة وبأغلبية ساحقة يجعل منه قراراً يستمدّ قوته من إرادة المجتمع الدولي.
ولعل هذا القرار يستمدّ أهميته البالغة من كون الأمم المتحدة اشترطت على إسرائيل، عند القبول بعضويتها، في 11/5/1949، تنفيذ هذا القرار وقرار التقسيم. وبقرار قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة ربطت الجمعية العامة ربطاً محكماً بين هذا القبول ووجوب تنفيذ القرارين المذكورين. وبذلك تكون إسرائيل الدولة الوحيدة التي قبلت في العضوية بشرط وارتبط قبولها بتنفيذ قرارات صادرة عن الجمعية العامة.
وبعد عام 1949، أصدرت الجمعية العامة قرارات عديدة لاحظت فيها أن عودة اللاجئين لم تتم، وأن التعويض عليهم لم يبدأ. وهذا يعني أن إسرائيل باعتراف المنظمة التي وافقت على انتمائها إلى أرفع هيئة عالمية، لم تنفذ الالتزامات التي اقترنت بعملية قبولها. وعدم التنفيذ أو عدم الرغبة في التنفيذ يجعل هذه المنظمة في حل من التزاماتها تجاه إسرائيل ويمنحها حق تطبيق العقوبات التي يتضمنها الميثاق ومنها عقوبة الطرد بسبب انتهاك مبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها. وإسرائيل بإمعانها في رفض قرارات الأمم المتحدة وانتهاك مبادئها تكون قد أسهمت في تحقيق الشرط الفاسخ أو الملغي الذي من شأنه إبطال عضويتها في المنظمة الدولية أو تجريد هذه العضوية من أساسها القانوني.
والمؤسف أن الدول العربية في الأمم المتحدة (عددها 21) لم تحاول يوماً استناداً إلى هذا الشرط الفاسخ إثارة المسألة والمطالبة بطرد إسرائيل، أو على الأقل، بإعادة النظر في عضويتها وانتهاز هذه الفرصة السانحة لذكر الجرائم والمجازر التي ما فتئت ترتكبها.
?محمد المجذوب أستاذ جامعي لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.