انتشرت ظاهرة تعاطي المخدرات والكحول مع ما يصاحبهما من الانغماس في الليالي الحمراء، ومعاشرة الماخورات وأوكار الدعارة، في الوسط الرياضي الوطني، خاصة عند لاعبي كرة القدم الوطنية. ولم يعد خافيا أو غريبا معاينة لاعبين في فرق شهيرة، يتسكعون ساعات الليل ويتجولون من حانة لأخرى، ومن وكر لآخر، دون الانتباه لخطورة الأمر، ودون أخد العبرة والدرس من نجوم سابقين نخرهم الإدمان وحولهم لمجرد كائنات تائهة لا تتحدث سوى لغة القرقوبي، وكأس الخمر والمخدرات. في الملف التالي، رصد لحالات سقطت من أعلى برج النجومية، واستسلمت لوحش الإدمان، ومعطيات علمية، وشهادات لمؤطرين ومدربين، وأطباء ومتدخلين في كرة القدم الوطنية. لم يسلم الميدان الرياضي، وكرة القدم بشكل خاص، من مظاهر وسلوكيات كان الاعتقاد يحصرها في ما هو استثنائي وغير حاضر إلا في وسط المنحرفين والمتشردين.. لم يسلم، هذا الميدان، ولم ينج إسوة بغيره من المجالات المجتمعية والشبابية، ولم يعد كما تخيلناه، وكما كان يتخيله آباؤنا، مجالا للقيم الإنسانية الرفيعة، حيث الحصانة من السقوط في الرذيلة، والحماية والمناعة من تسربات الفعل السيء والسلوك الوسخ. رياضتنا أضحت حضنا لكل تلك المظاهر والظواهر التي اعتقدنا زمنا طويلا أنها محرمة على عشيرة الرياضيين، لم يعد غريبا مشاهدة لاعب أو مدرب، أو مسير، يتمايل ثملا، أو يتنفس من النرجيلة أو الشيشة، أو «يبرم» جوانا أو يرتشق بيرة أو «روجا» أو يزيغ عن ملعب التداريب والتريض ليلج ماخورا، أو يتجنب التوجه لقاعة رياضية، ويفضل عليها وكرا خاصا بإقامة السهرات الملاح والليالي الحمراء. لم يعد غريبا، أن تصادف لاعبا يحمل كأسا وسيجارة، بل ويجاور زملاءه في التداريب وهو يجر معه رائحة مخلفات ليلة سابقة، كما لم يعد مستحيلا مشاهدة مدرب أو مسير وهو يجتمع بلاعبين، وهو فاقد لتوازنه بفعل «التمن» أو وهو يحمل السيجار في يده.. وكثيرا ما «ضبط» مدرب أو مسير وهو ينتشي، ليس احتفالا بالفوز، بل بقنينة خمر مخمرة، ورفقة لاعب أو لاعبين.. وكم من المدمنين في عالم الرياضة انتهوا للتسكع في الحانات وأوكار الشم والتدخين.. كم هم أولائك الذين تصادفهم وهم يمدون يد الاستجداء، بعد أن ذهب بريق نجوميتهم يوم كانوا يصولون في الملاعب الرياضية.. فعلها بهم الخمر والحشيش، ويكفي التجول في شوارع الدارالبيضاء مثلا ، خاصة قرب حاناتها المنتشرة وسط الأحياء أو في النوادي، لتقف على حالات للاعبين سابقين، حولهم إدمان الخمر والمخدرات، لمجرد «خيال» يكاد يمشي ويسير، يستجدي بيرة هنا وهناك، ومنهم من فقد بيته وأهله وعمله وأصدقاءه، واستسلم لحياة التشرد والتسكع.. مشاهد مؤلمة نعاينها يوميا، والأكثر وجعا هو لامبالاة مسؤولي أندية مثل تلك الحالات، ولامبالاة مسؤولي الرياضة الوطنية بشكل عام، وعدم أخذ المبادرة للتكلف بمعالجة لاعبين سقطوا فريسة للإدمان. في كل مدينة، في كل فريق، اسم أو أسماء، للاعبين افترسهم الإدمان، وتحولوا لمنحرفين ومتشردين، لا بيت يأويهم، ولا مؤسسة ترعاهم، ولا سياسة أو استراتيجية تهتم لمعالجتهم وإنقادهم. للأسف، قليل من المتدخيلين في الشأن الرياضي الحالي من استجاب ورحب بالحديث عن موضوع الإدمان وما يخلفه من تداعيات سيئة.. الجميع يتحاشى الخوض في مناقشة ظاهرة يريد لها البعض أن تظل طابوها، ولو انكشفت خيوطها وعناوينها، وأضحى المتتبع يطلع على كل التفاصيل وحتى كل الخصوصيات التي تحيط باللاعب والمدرب والمسير. هي «حصارات» المعتقدات والثقافات التقليدية التي وضعت العديد من المواضيع الحياتية في خانة المسكوت عنه، وضمن الطابوهات التي يعتبر الحديث عنها مغلفا بقائمة من الممنوعات وبعلامات قف وممنوع.. الحديث! على هذا المستوى، وحدهم بعض المدربين الأجانب الذين اشتغلوا في بعض أندتنا الوطنية، هم من حملوا معهم بعضا من «جرأة» فتح ملفات تتعلق بمناقشة تناول الخمر والمخدرات و الجنس في حياة لاعب كرة القدم، ونادرا جدا ما كان يسير أحد المدربين المغاربة حدوهم، ويبادر بدون تقيد أو إحراج، في اعتماد حوار مفتوح مع لاعبيه، تطرح فيه القضية الجنسية والحشيش والخمر كموثر في الممارسة الرياضية. السؤال المطروح حاليا، كيف نحد من هذه الظاهرة؟ البعض يشير إلى ضرورة تنظيم الإطار الأسري للاعب ليكون قادرا على مرافقة هذا اللاعب المدمن، ومساعدته، تربويا ونفسيا، على الإقلاع. البعض الآخر، يتحدث عن تنظيم حملات تحسيسية موسعة وسط كل الأندية الوطنية. فيما يؤكد آخرون، خاصة منهم الأطباء، على ضرورة إحداث مراكز للعلاج من الإدمان، ومراقبة اللاعبين المدمنين وإحداث مختبر للوقوف على كل الحالات. ولم يخف بعض الأطباء رفضوا الكشف عن هوياتهم ، على أن البطولة الوطنية بقسميها الأول والثاني، يوجد بها لاعبون مدمنون على ما يعرف بمخدر المعجون والقرقوبي والكحول. وأكدوا أنه في غياب المراقبة الصارمة للحد من الظاهرة، تظل البطولة الوطنية مرتعا لمستعملي تلك المواد المحظورة.