مسؤولة تعرف الرباط بالتجربة الفرنسية في تقييم العمل المنزلي للزوجة    حملة ليلية واسعة بطنجة تسفر عن توقيف مروجين وحجز آلات قمار    التهراوي يعطي الانطلاقة لمعرض جيتكس ديجي هيلث ويوقع على مذكرات تفاهم    جهة طنجة تطوان الحسيمة: إحداث أزيد من ألف مقاولة خلال شهر يناير الماضي    عودة التأزّم بين فرنسا والجزائر.. باريس تستدعي سفيرها وتقرّر طرد 12 دبلوماسيا جزائريا    ثغرة خطيرة في واتساب على ويندوز تستنفر مركز اليقظة وتحذيرات لتحديث التطبيق فورا    توتر غير مسبوق : فرنسا تتخذ قرارا صادما ضد الجزائر    المغرب يحصل على موافقة أمريكية لصفقة صواريخ "ستينغر" بقيمة 825 مليون دولار    أشبال الأطلس يتأهلون إلى نهائي كأس أمم إفريقيا على حساب الكوت ديفوار    نسبة ملء السدود بلغت 49.44% وحقينتها ناهزت 6 ملايير و610 مليون متر مكعب من الموارد المائة    إحباط تهريب 17 طناً من مخدر الشيرا في عملية أمنية مشتركة    دي ميستورا يدعو المغرب لتوضيح تفاصيل صلاحيات الحكم الذاتي بالصحراء والأشهر الثلاثة المقبلة قد تكون حاسمة    توقيف شبكة تزوير وثائق تأشيرات وتنظيم الهجرة غير الشرعية    مولدوفا تنضم إلى إسبانيا في دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية    رغم خسارة الإياب.. برشلونة يتألق أوروبيًا ويعزز ميزانيته بعد الإطاحة بدورتموند    السفير الكوميري يطمئن على الطاوسي    الطقس غدا الأربعاء.. أمطار وثلوج ورياح قوية مرتقبة في عدة مناطق بالمملكة    بركة يعترف بخسارة المغرب كمية ضخمة من المياه بسبب "أوحال السدود"    تشكيلة أشبال الأطلس ضد كوت ديفوار    دي ميستورا يؤكد الدعم الدولي لمغربية الصحراء ويكشف المستور: ارتباك جزائري واحتجاز صحراويين يرغبون في العودة إلى وطنهم    مصرع سائق سيارة إثر سقوطها في منحدر ببني حذيفة    الرباط: رئيس برلمان أمريكا الوسطى يجدد التأكيد على دعم الوحدة الترابية للمملكة    اتفاقيات "جيتيكس" تدعم الاستثمار في "ترحيل الخدمات" و"المغرب الرقمي"    تحفيز النمو، تعزيز التعاون وتطوير الشراكات .. رهانات الفاعلين الاقتصاديين بجهة مراكش أسفي    حين يغيب الإصلاح ويختل التوازن: قراءة في مشهد التأزيم السياسي    العلوي: منازعات الدولة ترتفع ب100٪ .. ونزع الملكية يطرح إكراهات قانونية    توقيع اتفاقية شراكة بين وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة ومجموعة بريد المغرب لتعزيز إدماج اللغة الأمازيغية    أرسين فينغر يؤطر مدربي البطولة الوطنية    خريبكة تفتح باب الترشيح للمشاركة في الدورة 16 من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي    فاس تقصي الفلسفة و»أغورا» يصرخ من أجل الحقيقة    دي ميستورا.. طيّ صفحة "الاستفتاء" نهائيا وعودة الواقعية إلى ملف الصحراء المغربية    الاتحاد الأوروبي يؤازر المغرب في تسعير العمل المنزلي للزوجة بعد الطلاق    حرس إيران: الدفاع ليس ورقة تفاوض    إخضاع معتد على المارة لخبرة طبية    لقاء تشاوري بالرباط بين كتابة الدولة للصيد البحري وتنسيقية الصيد التقليدي بالداخلة لبحث تحديات القطاع    عمال الموانئ يرفضون استقبال سفينة تصل ميناء الدار البيضاء الجمعة وتحمل أسلحة إلى إسرائيل    "ديكولونيالية أصوات النساء في جميع الميادين".. محور ندوة دولية بجامعة القاضي عياض    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    إدريس الروخ ل"القناة": عملنا على "الوترة" لأنه يحمل معاني إنسانية عميقة    توقيع اتفاقيات لتعزيز الابتكار التكنولوجي والبحث التطبيقي على هامش "جيتكس إفريقيا"    الهجمات السيبرانية إرهاب إلكتروني يتطلب مضاعفة آليات الدفاع محليا وعالميا (خبير)    محمد رمضان يثير الجدل بإطلالته في مهرجان كوتشيلا 2025    فليك : لا تهاون أمام دورتموند رغم رباعية الذهاب    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    قصة الخطاب القرآني    اختبار صعب لأرسنال في البرنابيو وإنتر لمواصلة سلسلة اللاهزيمة    المغرب وكوت ديفوار.. الموعد والقنوات الناقلة لنصف نهائي كأس أمم إفريقيا للناشئين    فاس العاشقة المتمنّعة..!    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    ارتفاع قيمة مفرغات الصيد البحري بالسواحل المتوسطية بنسبة 12% خلال الربع الأول من 2025    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    









الإصلاح والثورة بين الشرق والغرب

«الشعب يريد إسقاط النظام»: لنبدأ بهذه العبارة / الشعار، التي طالما ترددت في الشوارع والساحات العربية من المحيط إلى الخليج.واكب كلمة إسقاط مجموعة من الكلمات منها الرحيل، والتخلي، والتنحي، والمغادرة،والانسحاب، إلى غير ذلك من الكلمات . والغريب في الأمر أننا نجد بعض وزراء الدول الغربية يسلكون نفس السلوك ويكررون نفس الكلام.صحيح إن بعض الحكام وبعض الوزراء، خاصة في القطرين التونسي والمصري، تم إبعادهم عن مناصبهم، ولكن أنظمتهم لم تسقط بعد.فهذا الشعار،وباقي الشعارات التي يعرفها «ربيع» الدول العربية اليوم كلها تتأرجح بين مفهومين متضادين وهما الإصلاح والثورة.
إن الأنظمة السياسية، في الواقع، لا تسقط بين عشية وضحاها.ولنعد إلى تاريخ الثورة الفرنسية التي اعتُبرت ثورة كونية بعد تصفية الحساب مع المَلكية المطلقة.ألم تعرف هذه الثورة ردّة مع ظهور الإمبراطورية في عهد نابليون بونا بارت الذي وقف أمام أهرامات مصر فوق صهوة جواده كقزم أمام عظمة الهرم الكبير «كيوبس» مُنبهر من حضارة شرقية «عتيقة» وهو ينوي آنذاك تصدير حضارة غربية فتية؟!لقد كان الشرق ولا يزال تقريبا اختراعا غربيا كما قال المرحوم إدوارد سعيد في كتابه « الاستشراق». وبما أن الشرق غير قادر على تمثيل نفسه بالنسبة لأعين الغرب،فإن هذا الأخير،يضيف الكاتب،يختبر عدّة مفاهيم،ومنها الديمقراطية، والحرية، والعدالة،والمساواة إلى غيرها من المفاهيم في شرق كامن في مقولة الأصل.إن الغرب لا يقف إلى جانب الشعوب العربية كما يدّعي اليوم وإنما يراقب عن مضض مصالِحه:فلا يهم فرنسا مثلا في ساحل العاج،وهو بلد لا ينتمي إلى الشرق، لا باكبو ولا حسن وترا ولا الديمقراطية بل مصالحها الاقتصادية،وكذلك الشأن بالنسبة لما يجري في تونس وليبيا وغيرهما من البلدان العربية.
«في الديمقراطية»: مطلب الديمقراطية أساسي وأوّلي لأن الدولة في عالمنا العربي ذات طبيعة خاصة،فالدولة تستحوذ على كل المجال العام،فتنتفي بذلك كل حياة سياسية حقيقية؛دولة تأكل مجتمعها المدني وتلغي كل إمكانية للمشاركة،أو هي لا تسمح إلا بهامش محَاصر .ظ.د. علي أومليل،السلطة الثقافية والسلطة السياسية،مركز دراسات الوحدة العربية،ط.11996ص257.
ولعل الدرس الذي يستخلصه صاحب هذا القول هو أننا لم نجرب حقيقة النضال من أجل ، وبالديمقراطية،والتي أساسها الحريات العامة وحقوق الإنسان.وفي هذا السياق يرى أن«كل تفريط في هذه القضية المُقدّمة على غيرها من القضايا إنما يؤدي(...) إلى أشكال جديدة من الاستبداد،والإبقاء على أشكال قديمة». وفي هذا المسار أكد المفكر والأديب والشاعر علي أحمد سعيد أدو نيس للقناة الفضائية العربية في برنامج روافد أن على المعارضة في سوريا اليوم أن تخرج من السياق التقليدي القديم الذي دام 15 قرنا إذا أرادت أن تؤسس مجتمعا ونظاما سياسيا مدنيا وديمقراطيا بالمعنى الحديث.يدعم أدونيس تمرد الشعب السوري على النظام من حيث أن أي تمرد هو ظاهرة تاريخية، ولكنه لا يقبل من المعارضين أن يخرجوا من الجامع أو المسجد وهم يحملون شعارات مدنية كالديمقراطية والحرية والمساواة وما إلى ذلك.إنهم، بإيجاز، لا يفصلون بين الدين والدولة.وما على المعارضة إلا أن تواجه النظام انطلاقا من الساحات العمومية لا من المؤسسات الدينية لأن الانتقال الديمقراطي يقتضي رؤى سياسية وحقوقية وضعية لا دينية.إن إشكال الديمقراطية في كل الاحتجاجات العربية يدور حول تصفية الحساب مع سلطة الاستبداد دون التفكير فيه كحل شمولي لكل القضايا التي تهم المواطنين أفرادا وجماعات.
«في الحرية «:رُفع شعار الحرية في كل الدول العربية،غير أن تشخيصه لم يحصل، بشكل واع وقوي، إلا في سوريا.والواقع أن الحرية في هذا القطر لا يمكن أن تميز بينها وبين الكرامة إذ يتحولان إلى شعار واحد يتماهى مع الشرعية لأن الطغمة الحاكمة بالنسبة للشعب السوري غير شرعية.ومن ثمة يأتي مطلب الحرية والكرامة ضدا على الاعتقالات السياسية المفرطة في نظام يقوم أساسا على أجهزة قمعية لا يهمه أمن المواطن بقدر ما يهمه الحفاظ على نفسه ولو بالغالي والنفيس،وهذا ما يفسر التدخل العنيف لتلك الأجهزة بالاستعانة ب «الشبِيحة» أو «البلطجية» كما حصل في موقعة الجمل بِمصر.
المهم في قضية الحرية هي كونها ضرورة حياتية للإنسان أينما كان، لا بوضعها تساؤلا أكاديميا.وفي هذا المضمار يقول المفكر المغربي عبد الله العروي: »مها تنوعت الحرية ،كشعار وكمفهوم وكسلوك،يبقى البحث،في أي مستوى من هذه المستويات الثلاثة،وسيلة لتعميق الوعي بمسألة الحرية والاحتفاظ بها على رأس جدول الأعمال لأن الوعي بقضية الحرية هو منبع الحرية. ظ.كتاب مفهوم الحرية،المركز الثقافي العربي الدار البيضاء-المغرب،ط.1،1981،ص108).إن مطلب الحرية إذن ملح،إلا أنه،كما أكد المرحوم علال الفاسي في مؤلفه «النقد الذاتي» لا يكفي: » أن نطالب الحكومة بالحريات العامة،بل يجب أن نعطيها نحن قبل ذلك لأنفسنا(...).إن حياة بغير حرية لهي الموت المحض،وإن وجودا من غير فكر حر لهو العدم،وإن مدنية لا تقوم على التحرر والتبصر لهي الوحشية الأولى ولو كانت في أحدث طراز «.(ص:99).
«في الإصلاح والثورة»: لقد كثر الكلام هذه الأيام في القنوات الفضائية، وفي أروقة الخليج العربي، كمؤتمر الدوحة المذكور أعلاه،وذلك بالموازاة مع ما تعرفه الساحات العربية من غليان وتقتيل،حول الإصلاح والثورة، وكأن الجماهير في هذه الأصقاع سئمت خطاب المثقفين والسياسيين.والملاحظ هو أن الجماهير العربية،بفعل التاريخ،بدأت تصنع واقعا جديدا في غياب أي طبقة اجتماعية قوية، كما هو الحال مع البورجوازية إبان الثورة الفرنسية، أو أحزاب سياسية أو منظمات نقابية،وإن كان بعض التونسيين يردون أحداث سيدي بوزيد إلى الدور القيادي الذي لعبه الاتحاد التونسي للشغل قبل 14 يناير،وبعدها في قيادة شباب الثورة التونسية كما قاد الكفاح الوطني قبل الاستقلال.والحق ،شتان بين الثورة وأدلوجة الكفاح التي شجعها الوضع الاستعماري في كل مكان من العالم العربي على فرنسا 1975،ص107 ).puf حساب الفكر العلمي وخاصة في الخمسينيات من القرن الماضي.(ظ.محمد أركون،الفكر العربي، آن الأوان لهجر مفاهيم الماضي،كالكفاح والتحرير وما إلى ذلك، إذا أردنا أن نشق طريقنا نحو مستقبل واعد، وأن نضع حدودا فاصلة بين مفهومي الإصلاح والثورة.فهذه الأخيرة تقتضي مسح طاولة الماضي برمتها بلغة الفيلسوف الفرنسي ديكارت،أي تتطلب تغييرا جذريا للواقع المعيش.وأما الإصلاح فمبتغاه التدرج في الزمن.أو لم يُفضل الألمان،زمن كانط وهيجل،الإصلاح بدل ثورة دامية وجارفة كما حصل عند الجارة فرنسا؟! الخلط بين هذين المفهومين في الأذهان مآله هو الفوضى في الأعيان.لننظر إلى الشعارات التي تُرفع هنا وهناك وما تكتنفه من دلالات متضاربة:في موريطانيا مثلا تجد «لا إصلاح بدون تغيير حقيقي»،والواقع أن هذا الأخير لا يتبعه بالضرورة أي إصلاح.وفي سوريا يستعمل النظام الحاكم الإصلاح لمواجهة الثورة.وأما في المغرب فشباب 20 فبراير تجدهم يترجمون شعارات التغيير بإصلاحات جزئية في القطاعات المعروضة على الحوار الاجتماعي.وأما في اليمن فالأهم عند المعارضين منذ البداية إلى اليوم هو ترحيل الرئيس كما هو الحال في ليبيا وكأن النظام السياسي قائم في أعلى الهرم السياسي.
بناء على ما تقدم من كلامنا سواء في التمييز بين الإصلاح والثورة،أو في إبعاد المفاهيم التي ولدت إبان الاستعمار،نخلص إلى أن أهمية ما يجري في هذا الفصل الربيعي يكمن في تسريع وثيرة التغيير الذي طال انتظاره،وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وترميم ما يمكن ترميمه.إننا أمام خيارين:إما أن نجتر في هذه اللحظات التاريخية ماضينا السياسي البائد،أو نركب مقتضيات الحضارة المعاصرة مستفيدين من غيرنا كما استفادوا منا في قرونهم الوسطى دون إفراط وتفريط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.