تخلت ساحة جامع الفنا عن حلتها المبهجة ، و بدت في مساء الخميس 28 أبريل الجاري في مظهر حزين ، بعدما تحولت بفعل الهجوم الإرهابي الذي استهدف مقهى أركانة الواقع في قلبها ، من فضاء للحكي و الفرح و الحلم إلى مكان للموت وزرع الرعب و الفزع و الألم . السكان الذين تجمهروا بقوة بعد ظهر الخميس الأسود خلف الحواجز الحديدية التي نصبتها السلطات لتطويق مسرح الجريمة و لتمكين الشرطة العلمية من القيام بعملها في جمع الأدلة المادية التي تفيد في فك لغز هذا العمل الغادر ، كانوا في حالة من الصدمة من هول ما شاهدوه من آثار بادية للاعتداء الذي أودى بحياة 14 بريئا و أزيد من عشرين جريحا ذنبهم الوحيد أنهم عشقوا مراكش و استهوتهم فكرة انتزاع لحظة ممتعة في مراقبة تفتح الساحة ذلك الصباح تحت أشعة شمس خفيفة في هدوء حوله حاقدون على الحياة إلى تراجيديا دامية . في المساء ، ساعات قليلة بعد الانفجار كانت جامع الفنا ساحة كئيبة و مظلمة . و كان ما يجري على أرضها ترجمة مباشرة للعلم الأسود الذي اعتلى الصومعة المحاذية للمقهى المنكوب . ما كان يضج فيها هو فراغ قاتل بسبب غياب الحلاقي بكل اصنافها و اختفاء مطاعم الهواء الطلق التي تميزها عادة . لا موسيقى و لا رقص و لا مرح و لا دهشة و لا رائحة شواء ، ما عدا بعض النقّاشات اللائي تجمعن تحت ظلامها يتحاكين حول ما جرى في هذا الصباح الحزين . و حتى عربات عصير البرتقال تحول أغلبها إلى أشباح بملامح باهتة بعد أن أغلقت أبوابها باستثناء القليل منها الذي يوجد في الضفة الأخرى من الساحة . و بالطبع أغلقت العشرات من المحلات التي توجد في المحيط القريب من مقهى اركانة سواء بالسوق الجديد أو بقيصارية « طلع اهبط « أو بمدخل ساحة باب فتوح . ما كان هناك ليس هو جامع الفنا و إنما مكان آهل بالأسئلة التي تحير الناس حول حقيقة ما حدث . اختفت تلك الأفواج المتدفقة على الساحة و التي تملأ فضاءها جيئة و ذهابا من السياح الأجانب من مختلف الجنسيات، الذين كانوا يتنقلون بعيون تغمرها الدهشة و البهجة . و تقلص عددهم إلى أفراد قليلين ، من شدة ندرتهم أضحى ظهور الواحد منهم حدثا . و تأثرت باقي المقاهي المنتشرة على ضفاف الساحة مما لحق زميلتهم أركانة حيث ظهرت كراسيها فارغة و أغلق بعضها سطوحه في وجه الزبناء . في الممر الشهير بالبرانس القريب من الساحة حافظت الحياة قليلا على إيقاعها ، و ر غم تقلص الزوار الأجانب, إلا أن المطاعم الصغيرة المتواجدة بالممر واصلت اجتذابها للزبناء المغاربة . أكملت ساحة جامع الفنا يومها في الخميس الأسود و قد غيرت ملامحها . حرس كثير من مختلف أسلاك الأمن ،و مراقبة مكثفة لكل من يتحرك بها ، و حذر شديد في كل مكان قريب منها ، و سرد لا ينتهي لقصة ذلك الذوي الضخم الذي هز أرجاءها و حزن أشد على ما أصابها.