يحتشد عشرات الأطفال يوميا وسط مزبلة مديونة، يحملون معاول خاصة ذات أسنان ثلاثية أو رباعية تستعمل للتنقيب وسط أكوام من النفايات عن مخلفات المنازل من بلاستيك، قارورات، حديد.. إلى آخره من المواد التي يعاد بيعها، بعضهم يشتغلون رفقة آبائهم ،لأن ظروفهم المزرية هي التي تدفعهم لهذا «التكرفيس» على حد قول أحد الأطفال ، أما البعض الآخر فتراهم إما يدخنون سجائر محشوة بالحشيش أو يشمون خرقات «مدهونة» بالسيلسيون! «ج»، طفل طردته زوجة أبيه من البيت فوجد في المزبلة الحضن الذي افتقده في بيت أبيه، أما أولاد «ع» فإن سبب وجودهم في مطرح النفايات هو طلاق أبويهما والمشاكل المتكررة التي أجبرتهم على مغادرة البيت والمكوث نهائيا داخل المزبلة ليلا و نهارا! بل إن فتيات يعرضن أنوثتهن للخدش من أجل إعالة أسرهن، فالكثير من الأطفال الذين «يستوطنون» المزبلة مكرهين ، يتعرضون لمختلف أنواع الاستغلال، الاعتداءات جنسية، أمراض خطيرة، وهناك من الأطفال من فقد رجله أو يده نتيجة تعرضه لوخز الإبر المسمومة أو الوطء على قطع الزجاج والقارورات التي توجد مخبأة وسط النفايات، هذه الأخيرة التي غالبا ما أدى التنقيب بها إلى العثور على جثث آدمية مخبأة وسط الازبال، خصوصا الرضع الذين أصبح العثور عليهم لايثير أحدا! وهناك بعض الأطفال من لقي حتفه داخل هذه المزبلة الشبح « كولد لمرابط » و«بنت كريكر» والرماش الذي سقط في مقلع خطير! إنه الوجه الخفي لطفولة محرومة معذبة تنتمي إلى مديونة ودواويرها المهمشة. إنهم ضحايا الأمية والفقر المتفشي بالمنطقة، دفعتهم ظروفهم إلى تعريض براءتهم للاستغلال، فبدل أن يكون مكانهم هو المدرسة وجدوا أنفسهم داخل المزبلة يفتشون عن لقمة عيش حارة، فعندما تجالس هؤلاء البراعم، تشعر من خلال حديثهم أنهم يحملون هموما أكبر منهم، قد يعجز حتى الكبار عن تحملها. لا يتحدثون إلا عن شقائهم و بؤسهم الذي لا يريد أن ينتهي، همهم الوحيد هو العمل والبحث عن لقمة عيش تبدو عصية إلا بعد جهد جهيد، ففي المزبلة « كل نهار أو رزقو مرة 20 درهم أو 30 درهم ،بل حتى 50 درهم، وأحيانا والو غير تمّارة» يقول أحد الأطفال المشردين، مضيفا «إنني لست مشردا، هي الظروف التي ألزمتني على العمل في (هاد التكرفيس)، لدي أسرة أعود إليها كل مساء، فأبي، سامحه الله ، هو الذي طلب مني الخروج من البيت لمساعدته في الأعباء المنزلية، لقد سبق لي أن دخلت إلى المدرسة لكني انقطعت بعد 3 سنوات من التحاقي بها». الأسباب التي تدفع هؤلاء الأطفال للخروج إلى المزبلة تتباين، لكن المشاكل المتصلة بالفقر وأمية الآباء والمشاكل الأسرية من العوامل التي تدفع العديد منهم إلى هجرة البيت والالتجاء إلى المزبلة، والتي سرعان ما تدخلهم في دوامة الانحراف والتعاطي للمخدرات وبالتالي يصبحون مدمنين لا يطيقون فراق حياة التسكع والتشرد بعد أن يكونوا علاقات مع أقرانهم وحتى مع من هم أكبر سنا! تتوطد بينهم علاقة خاصة و جد حميمية، لكن في الليل يتحول بعضهم إلى ذئاب بشرية، يقول جمعويون من المنطقة ، همهم الوحيد هو تلبية رغباتهم الجنسية، سواء بالرضا أو بالعنف، وغالبا ما يكون الصغار هم الضحايا ما داموا الأكثر حاجة إلى الحماية في عالم المزبلة، عالم شريعة الغاب حيث لا مكان للضعيف! إن العديد من الأطفال، تقول بعض المصادر، يتعرضون لاعتداءات جنسية متكررة، ولكنهم لا يبوحون بهذا الواقع لتجنب الفضيحة والقيل والقال، وبالتالي الطرد من المزبلة! بل إن بعضهم أضحى من المدمنين على هذه السلوكات الشاذة، حيث يلجؤون لأماكن خاصة، بالقرب من «حيط الشلح» أو في العشش المنتشرة بكل فضاءات المزبلة، وذلك لتلبية رغبات مريضة، مقابل الحصول على بعض الدريهمات يسد بها «الطفل / الضحية» رمقه أويقتني بها مخدرات!