وقف المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي الذي عممه أمس، على العديد من الاختلالات الخطيرة التي تهم تصريف الشؤون المالية للمؤسسات العمومية، ونبه المجلس إلى أربعة نواقص مازالت تشوب تدبير المال العام في هذه المؤسسات، وعلى رأسها إشكالية الحكامة التي تتجلى في كون مجموعة من الاختلالات التي تم اكتشافها ترجع إما إلى غياب الشفافية في التدبير أو إلى التهميش بحكم الواقع لأدوار بعض الهيئات المسيرة لا سيما مجالس الإدارة بالنسبة للمقاولات العمومية . كما تتجسد هذه الإشكالية في غياب شبه كلي للتصور التدبيري وكذا لقيم الأداء في عدد من الأجهزة العمومية. وتحدث التقرير في درجة ثانية عن إشكالية جودة الإنفاق العمومي. حيث كشف تقييم مجموعة من المشاريع العمومية من قبل المحاكم المالية على كون الفائدة الاقتصادية و الاجتماعية المأمولة من مجموعة من المشاريع لا تتحقق دائما. إما إلى الاختلالات التي تشوب إنجازها، أو إلى عدم تناسبها مع حاجياتهم، بالإضافة إلى إهمال هذه المنشآت فيما يتعلق بالصيانة و الإصلاح. كما تحدث التقرير عن إشكالية نجاعة الطلبيات العمومية؛ حيث أن الاختيارات في مجال إبرام و تنفيذ الصفقات العمومية لا تتم دائما بشكل أمثل على مستوى الأجهزة العمومية. وعزا المجلس التأخير الحاصل في إنجاز بعض المشاريع إما إلى غياب دراسات قبلية للجدوى أو عدم وثوقيتها أو إلى الاختلالات المسجلة على مستوى المقاولات التي منح لها إنجاز هذه الصفقات. وأخيرا أورد التقرير إشكالية الموارد البشرية التي أظهرت أن مجموعة من الاختلالات التي تم تشخيصها في بعض الأجهزة العمومية المراقبة ترجع إلى النقص الحاصل في القدرة على التصور و إلى ضعف المبادرة أو غياب وظيفة الإشراف داخل هذه الأجهزة. و يزداد هذا الاختلال استفحالا ، يضيف التقرير، نتيجة لغياب ثقافة تدبيرية في معظم الأجهزة العمومية و ضعف أنظمة الرقابة الداخلية فيها. ونظرا لكثرة القضايا التي تناولها التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات نستعرض في هذا الملف أبرزها على أن نعود إليها بتفصيل في أعدادنا القادمة. غياب الحكامة فوت على القرض العقاري والسياحي تحصيل ملايين الدراهم وضع تقرير المجلس الأعلى للحسابات أصبعه على عدة نقائص في تدبير مؤسسة القرض العقاري والسياحي وانصبت انتقاداته على غياب الحكامة الجيدة في تدبير شؤون هذا البنك بعد انتقاله من أسلوب الحكامة وذلك الأحادية إلى الحكامة الثنائية في الفترة. ووجه التقرير انتقادات لاذعة لمجلس إدارة بسبب ضعف انخراطه في المراقبة و التفحص والمصادقة على التسويات التوافقية المبرمة مع بعض كبار المدينين لتسديد ديونهم. حيث انحصر دور هذا المجلس أساسا في تسجيل القرارات الصادرة مسبقا عن الرئيس المدير العام للبنك. وعاب التقرير على مجلس الادارة سماحه بتمرير قرارات تسوية توافقية كانت مخالفة لما عرض و صادق عليه ، وأورد المجلس أمثلة كثيرة على ذلك ، فقد وافق مجلس الإدارة للبنك على تسوية توافقية لتصفية ديون أحد الزبناء بمبلغ 60 مليون درهم مدفوعة فورا، إلا أنه تبين بعد ذلك أن الاتفاق المبرم لم ينص سوى على مبلغ 25 مليون درهم تؤدى نقدا على أن يتم دفع الباقي، أي 35 مليون درهم، خلال سنة وذلك على شكل دفعات بقيمة 8.750.000 درهم كل ثلاثة أشهر؛ وأورد التقرير أمثلة مختلفة عن تسويات قروض لم يراع فيها الاتفاق المبدئي، حيث كانت المبالغ المحصلة في إطار هذه التسويات أقل بملايين الدراهم عن تلك النتفق عليها مسبقا، ومع ذلك لم يحرك مجلس الادارة ساكنا، فعندما تم الاتفاق مثلا مع زبون مدين سنة 2006 بأن يدفع للبنك مبلغ 165 مليون درهم حالا و تجزيء الباقي على فترة 10 سنوات بفائدة تعادل % 8 . اتضح بعد ذلك أن مديونيته وصلت إلى 607.152.923 درهم، بينما تم حصرها في مبلغ لا يتعدى 250 مليون درهم .. وقس على ذلك في العديد من الملفات التي فوتت على البنك تحصيل الملايين من الدراهم.. وقد لوحظ استمرار نفس الاختلالات التي شابت فترة الحكامة الأحادية رغم تغيير طريقة الحكامة. ففي ما يتعلق بتحصيل ديون الحسابات الكبرى مثلا فقد تم إخبار مجلس الرقابة بالقرارات المتخذة عوض استشارته مسبقا. وصب التقرير نفس الانتقادات على طريقة عمل مجلس رقابة البنك بتعيين مجلس إدارة جماعية يتكون من ثلاثة أعضاء و هم الرئيس الأسبق للقرض العقاري والسياحي بصفة رئيس المجلس و ممثل صندوق الإيداع والتدبير وممثل مجموعة صناديق التوفير. وقد لاحظ المجلس الأعلى للحسابات أن سير مجلس الإدارة الجماعية لم يكن سليما كما أن الخلافات بين أعضائه وصلت حد التعارض والتجميد. فقد كان الرئيس السابق لمجلس الإدارة الجماعية ينفرد غالبا بالبت في عدة قرارات دون الرجوع لباقي أعضاء مجلس الإدارة الجماعية أو حتى إعلامهم بذلك، مما يخالف القواعد المنصوص عليها في النظام الداخلي لمجلس الإدارة الجماعية ومن ذلك ساق التقرير أمثلة عن هذا الانفراد بالقرارات كإعادة تنظيم البنك وتنظيم الهيئات وتفويض السلط، واستفراد الرئيس بقرارات أحادية في ملفات تصفية بعض الديون المعلقة الأداء ومنحه تسهيلات لبعض العملاء والشركات في مجال الإنعاش العقاري .. واعتبر التقرير أن لجنة تحصيل الحسابات الكبرى التي تمتعت بصلاحيات واسعة لم تتوفر على نظام داخلي يحدد كيفية دراسة الملفات المتنازع بشأنها وكذا حدود وسقف التسويات التوافقية والمبالغ المتخلى عنها. وأكد التقرير أن بعض قرارات الرئيس المدير العام الأسبق للقرض العقاري والسياحي لم تصب دائما في مصالح البنك و خصوصا ما يتعلق بمنح قروض أو تسهيلات لبعض المنعشين العقاريين خلافا لما ينص عليه النظام الداخلي لمجلس الإدارة الجماعية، وبالتسهيلات الممنوحة في إطار تحصيل بعض الديون المعلقة الأداء، وبعمليات بيع ممتلكات عقارية، خصوصا عمليات البيع لنفسه أو لبعض أقاربه في ظروف تنعدم فيها الشفافية وبأسعار جد منخفضة بالمقارنة مع الأسعار الموجودة في السوق. الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات لم تقم بدورها في الحد من ارتفاع أسعار المكالمات قال تقرير المجلس الأعلى للحسابات إن ميزانية الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات ارتفعت من 107,37 مليون درهم إلى أكثر من 256,63 مليون درهم سنة 2008 ، حيث هم هذا الارتفاع بالأساس ميزانية الاستثمار التي انتقلت من 46,80 مليون درهم سنة 1998 إلى ما يقارب 81,80 مليون درهم. وقد أكد المجلس الأعلى أن التأخر في وضع استراتيجية عمل الوكالة منذ إحداثها أدى إلى الحد من تفعيل دور المنافسة في مجال الاتصالات وبالتالي بقيت أثمنة المنتوجات المسوقة من طرف متعهدي الشبكات العامة للاتصالات مرتفعة. وقذلك أوصى المجلس بضرورة تحديد أهداف واضحة لهذه المؤسسة ووضع خطة عمل مفصلة بجدول زمني دقيق وببذل كل الوسائل المتاحة لضمان كامل المنافسة في قطاع الاتصالات قصد تحقيق خفض أسعار المنتوجات المسوقة من طرف الفاعلين في هذا المجال. واعتبر التقرير أن احتكار الرخص الممنوحة من طرف الوكالة ظل مقتصرا على الفاعلين الثلاثة في قطاع الاتصالات لكونها لم تقم بإدخال أنواع أخرى من الرخص التي من شأنها ان تضمن قيمة مضافة للسوق الوطني بتنويع العروض وملاءمة الخدمات وخلق قيم مضافة مرتفعة )مثل المتعهدين برخص محدودة جغرافيا أو متعهدي . ... Mobile virtuel network) كما أن الوكالة عرفت تأخرا على مستوى تقنين الهاتف IP ومنح الرخص الخاصة به، مما حصر استغلال هذه التقنية بين أيدي المتعهدين التقليديين. وقد أوصى المجلس بوضع مسطرة واضحة للإعلان عن الرخص ودفاتر تحملات متعهدي شبكات الاتصالات ؛ وبالسهر على تنمية قطاع رخص VSAT و GMPCS و 3RP والعمل على متابعة أنشطة المتعهدين. واعتبر التقرير أن الوكالة ملزمة بالسهر على مراجعة نسبة الفائدة التي يتم على أساسها تقييم تعريفات الربط كل سنة للأخذ بعين الاعتبار على الخصوص، تطور الأسواق المالية وتطور الهيكلة المالية لمتعهدي الشبكات العامة للإتصالات. غير أن هذه المقتضيات لم يتم احترامها من طرف الوكالة. وأوصى المجلس بوضع صيغ جديدة لاحتساب نسبة فائدة رأسمال متعهدي شبكات الاتصالات على غرار ما هو جاري به العمل في دول ذات مستوى نمو مماثل في قطاع الاتصالات ، بهدف تطوير الخدمات وخفض الأسعار. وقال المجلس إن الوكالة لم تتمكن من تقديم بيان توزيع سوق الربط بين مختلف متعهدي الشبكات العامة للإتصالات برسم كل سنة وكذلك بيان توزيع مداخيل الربط البيني لكل متعهد، على مختلف أنواع الربط البيني. و هكذا لوحظ أن الأثمنة المطبقة في المغرب تمثل أضعاف الأثمنة المطبقة في أوروبا. وبالمقارنة مع تونس فإن هذه الأثمنة تزيد ب % 60 بالنسبة للعبور العادي وب% 19 بالنسبة للعبور المزدوج وللإشارة، فإن هذا الارتفاع في الأسعار لا يهم سعر المكالمات وحدها وإنما يمس جميع مكونات خدمة الربط البيني. وفي هذا السياق أوصى المجلس بمراجعة سياسة تدخل الوكالة في سوق الهاتف الثابت لا سيما فيما يتعلق بتنمية شبكات الربط والبنيات التحتية. أما في سوق الهاتف المحمول ، فاعتبر المجلس أن تدخل الوكالة في مجال متابعة تطور أسعار الربط البيني بقي محدودا. فخلال فترة 2009 - 2000 ، لم تنخفض أسعار الربط إلا بنسبة % 20 ، الذي يشكل معدلا ضعيفا. كما أن الأسعار الخاصة بالرسائل النصية المطبقة بالمغرب سنة 2009 تفوق مثيلاتها في عدة دول ذات مستوى اقتصادي مماثل. وأوصى المجلس الوكالة بإعادة النظر في طريقة تقييم تكاليف الربط البيني فيما يخص الهاتف المحمول والرسائل النصية وإلزام متعهدي الشبكات العامة للاتصالات بتحديد الأسعار حسب التكلفة.