كنت أخفق في كل مرة أقرر فيها أن أنهي على عجل وضع المساحيق على وجهي وأمشط شعري وألبس واحدا من الفساتين الضيقة التي جاءتني بها سلمى ، لأتسلل على أطراف أصابعي في محاولة للتملص من صداع الرأس إياه الذي تسمعني أمي فجأة في كل مساء ، حين تطل علي بجبهتها المقطبة وخصلاتها الهزيلة حيث أجلس محشوة عند الحائط مائلة شيئا ما على الكرسي الأعوج ذي السيقان غير السليمة وحيث المرآة أمامي أرسم عليها زينتي استعدادا للسهر .. تطل علي شاتمة بقماشها البدوي المزوق الحامي فتجعلني أجفل من الفزع في اللحظة التي أكون فيها قد انتهيت من رسم حواجبي وتزجيجهما بالكحل ليتلاءما مع باقي بقع الألوان على وجهي ، والتي يختلط فيها الأحمر بالأزرق بالبنفسجي كلها مع بعض ثم آخذ في إخفاء الوحمة الصغيرة عند صدغي بوضع المزيد من البودرة الذهنية عليها مع إضافة اللمعة على خدي وصدري للإثارة كما أفهمتني سلمى تاركة أمي مسترسلة في تقريعها لي كأنني لا أعرفها . حين كانت تلتزم أمي بالبقاء جامدة ولا تأتي من الغرفة الأخرى كنت أعتقد أنها غرقت في النوم مع أنها عادة لا تنام بعد الظهر كما تفعل جل النساء حتى لو خلت الساحة والزقاق خلوا تاما في الحرارة وقت الصيف . إنها غريبة أمي تسيتيقظ يوميا في الصبح أبكر من كل الناس ولا تذهب عند أحد وتدعوني إلى أن أصحو باكرا مثلها ، لذلك أتصور في تلك اللحظة وأنا أهييء نفسي للخروج بأنها تتظاهر بأنها لا تلاحظ لكن هيهات فهي امرأة ذات حس عال ومواقف عملية. هل تعرفين ما يعنيه خروجك في هذه الساعة من الليل أيتها البنت الطائشة وأنت مزدانة بكل هذا ؟؟. .مازال أمامك الوقت لإصلاح أخطائك . دعي سلمى لحالها وابتعدي عن كل هذا القدر من الإغراء الذي تمارسه عليك كأسوأ كلبة لاتجد من يحكمها . إن الأمر يزداد سوءا بيني وبين أمي . لم تقترب مني هذه المرة ولم تلكمني وهي مشمئزة مني على ظهري وكتفي وبطني لكمات عشوائية بقبضتها المعقوفة من الروماتيزم كأنها تلكم شيئا متعفنا مليئا بالدود ، يعقب ذلك سيل من كل يرد على ذهنها من شتائم . تكلمي معي واتركي هذا الفلاس .. تقول لي ذلك وهي تدفع بغضب ما أمامي من علب موضوعة على الحافة إلى أن يقع بعضها على الأرض بعيدا عني ثم تشدني من شعري الأسود الطويل المفرود. أجمع ما تساقط من ادوات الزينة وأتركها تواصل تعداد مثالبي المخجلة بصوتها الأجش بينما أقوم بما تبقى لي من ترتيبات . لقد قررت منذ يومين أن أوقف بيننا كل شجار وألا أصرخ في وجهها . أفكر لو أنها ماتت مثل أبي أو انكسر عنقها وهي تركض خلفي لكان هذا أريح لي . لكنني أعود لأفزع من الفكرة . كيف أكون بهذه الحماقة ومن يتبقى لي في الحياة ؟؟.. ألبس الفستان الأسود الضيق عند الردفين ذي الياقة الهابطة جدا وأنا أخفي ضيقي منها وأنحني لأدس قدمي في الحذاء المدبب العالي ثم كآخر إجراء أشبك الحزام المعدني اللامع على وسطي وأضع حول عنقي طوقا من الاكسسوارات والحلي المعدنية ثم أختم بأن أرش العطر القوي من القارورة المفلطحة فأصير أبدو في المرآة المضببة جميلة للغاية وليس كمثل ( بغلة القبور ) على حد قول أمي ، كل هذا وهي لا تزال ترغي . أنا أتدخل كي لا تفسدي أكثر وتصيرين مثل الكلبة سلمى وتتخذ منك نساء الحي مصدر تسلية لهن في مجالسهن الخبيثة .. لن يدخروا جهدا في تلويث سمعتك وإضافة وقائع ساقطة لم تقترفيها بعد . سيحكين مستغربات عن شكلك الذي تغير كثيرا وعن سمرتك التي تحولت فجأة إلى بياض وربما ادعوا أنك حامل بسبب بطنك وردفيك الذين اكتنزا أكثر من اللازم بسبب البيرة . هل يعجبك هذا الحال ؟؟.. يحتقن وجه أمي الجاف عند الجملة الأخيرة ويصير لونه مغبرا حين لا أقول لها شيئا ولا ألتفت إليها . أتعجب من ذلك وأنا أدري أنها ستظل تتكلم وهي توجه إلي نظراتها الكليلة الشزراء المحولة قليلا إلى أن تخرج الفقاعات وقليل من اللعاب الجاف عند زاوتي فمها ، وفي اللحظة التي أصير فيها قرب الباب ستقذفني من الخلف بالمقشة القديمة وبالعصا الخشبية التي كان يكنس بهما والدي في البلدية بينما أترك لها المكان المتسخ الكئيب يضوع بعبيري الغريب . أمي لن تفهمني ولن تحس بي . إنها تتعامل معي كمصيبة وتجهل أعذاري الخاصة ومتطلباتي أو ربما تدركها وتتجاهلها لتنغص علي ، كما أنها لا يمكن أن تعرف الطريقة الصحيحة للحياة ومن أين لها أن تعرف ؟؟.. كل ما تعرفه هو أنها تريدني أن أظل تعيسة وأن تقف لي أمام طريق السعد . إنها تقول بحقي ما يحلو لها وتشتمني وتلكمني وتفعل بي ما تشاء لأنها أمي . لكن عليها أن تعرف أنني لم أعد أنا .. تلك البنت المسكينة التي تجلس أمام الباب لتنظر إلى العابرين والذباب يطن من حولها ، أو تلك التي تتلهى بتقشير أصابع قدميها الخشنتين من الضربات الناتجة عن تصادمهما بكل شيء أو تقضم أظافر يديها . إنني في الثامنة عشرة من عمري وأنعم الآن بالسندويشات والمثلجات وبأشياء أخرى لذيذة في غرف نوم مريحة وحمامات بها الكثير مما لم تره عيناها من أغراض . وما الذي تتخيله ؟؟... أن أبقى إلى جانبها ممتنة لها لأنها ولدتني في هذا الزبل ؟؟.. أسراب الذباب تتسرب من أعلى والصراصير من أسفل . أحيانا يقول لي رأسي هذه سيدة لا ترجو لك الخير . عروقي صارت تتفجر بالحياة وهي لا تدري ، وبطني ينبض بالرغبة مما يجعل الشجاعة تتملكني للمجازفة بكل شيء . بدأ ذلك تدريجيا حين جاءت سلمى مرة مسرعة وعرضت علي أن نذهب لرؤية تلك الأفلام المكرسة للجنس في بيتهم بعدما اشتروا الصحن الهوائي ، أو على الأصح أنا من كنت أترجاها بلهفة كلما حكت لي عن ذلك كي تأخذني لأرى بنفسي بعد أن تخرج أمها . كان الأمر مثيرا للغاية لكنه محبط أيضا . استسلمت لتلك المتع الافتراضية التي ألحقت بأعصابي الرجفة . كنت أنظر إلى الأجساد المعراة والملتحمة بحرية فأغرق في الخجل ولا أضع عيني في عيني سلمى وأتحرج أكثر عندما يرتفع الفحيح والتأوهات فتخفض هي من الصوت وكنت أتساءل بيني وبين نفسي ، من أين جاءت هؤلاء النساء بكل هذه الشجاعة كي يرقدن على ظهورهن عاريات أمام الكاميرا وسيقانهن في الهواء معتكفات بكل همة على ممارسة تلك الأفعال ، وفكرت أيضا في هؤلاء الرجال الذين يقومون بتلك الحركات الغريبة والممارسات المعكوسة وحفلات القذف وكل شيء . أمر محير للغاية وأنا أتصور في خيالي حال أولياء هؤلاء .. هل يتفرجون عليهم ؟؟.. في البدء كنا نشاهد مقدمات تلك الأفلام القصيرة المكررة التي تكلم فيها النساء العرايا رجالا افتراضيين وتلاحق غرائزهم على التلفون كي تهيؤهم لينتعظوا وتكبر الرغبة لديهم في المضاجعة وتزداد حدة ، بحيث كانت كل واحدة منهن تحفظ دورها جيدا وتؤديه كما يجب بحركاتها الأفعوانية وبنبرة الصوت المصطنعة المغناج ممررة ذيلا طويلا من الفرو بين فخديها . كان ذلك شيئا مفاجئا لي . لم يكن هو الجنس نفسه الذي كان يخطر ببالي حين يحلق بي خيالي مفكرة في فتى الأحلام المليء بالطاقة ، أوحين أتصور أنني سأقع في الحب ولا كانت هي نفسها تلك الأحضان والقبلات ، ومرة تفرجت على امرأة تضع حلي كثيرة في أماكن حساسة من لحمها في ممارسة جنس جماعي تناوب خلاله عليها عشرة بينما هي ترقد مستسلمة على ظهرها يتأرجح نصفها العاري بينهم وكانت تأوهاتها تخترق قلبي وبطني وتجعلني أرتجف لكن المشهد أصابني بالنفور .. هل كانت تستمتع حقا ؟؟.. في ذهني أن اثنين يمارسان وهما متعانقين ذلك سيضخم المشاعر ويجعلها تنبض بقوة كما يمكن ساعتها من المداعبة وتبادل القبلات . صرت أفكر وأنا أهرول نحو الخارج في كلام أمي الذي علق شيء ما منه بذهني مقلق ومثير . هذه المرأة المنعزلة التي تأخذ نفَسَها بصعوبة ماذا عساني أفعل من أجلها ، وكيف أجعلها تفهم قصدي وتنسى هيمنتها علي ؟؟.. أنا أريدها أن تزن كلماتها وتعرف أنني أفعل هذا من أجلها ومن أجلي . من أجل قائمة الأشياء الكثيرة التي نحتاجها وظللنا محرومين منها طوال عمرنا ، من أجل أن نأكل ونشرب وتطهر نفسها يوميا من سلس البول ومن أجل أن تنسى تلك الأوجاع المزرية التي تصيبها في الرأس والقلب وفي المفاصل وأعطاب أخرى كثيرة ومن أجل هذه الأشياء التي أقتنيها الملابس والأحذية والعطر ومجفف الشعر والمسجلة والشرائط ومن أجل افتراض أنني سأبقى لوحدي ولا معيل لي . لتقل لي ؟؟.. ماذا أفعل ؟؟.. لقد سئمت . من أين لي بكل هذا من غير نقود ؟؟.. على كل لقد مرت علي فترات تمرد كنت فيها غاضبة منها ، الآن أشعر بأن علي أن أبرز كل مواهبي في الحب وأن أجعل أمسيات زبائني ممتعة . سأجتهد لأبدأ في جمع المال وأجعله ينمو بشكل سريع وبدرجة كافية وعما قريب لن أجعلها تمسك في بشدة ، سأظهر لها بأنني لست سيئة إلى ذلك الحد الذي تكرهه حين أترك كل الأفعال القبيحة وأكون مطيعة في كل شيء ، في التزامي بكلامها وإذعاني لها وعدم ترك أيما فرصة للشماتة للحاقدات من نساء الحي اللواتي يرتدين الخرق وينتعلن الميكا ويمتعضن بزيف مني ، وسأختار لها عيشة أخرى تغيظهن وتجعلهن يتنهدن متحسرات على أنهن نظرن إلي بتلك الطريقة السخيفة . سوف أجعل أمي تشعر بالرضا والأمان ولن أتركها تشتم في رائحة السجائر أو الخمرة التي لم أدمنهما بعد لكي لاتتحطم أكثر . وأنا على أطراف الحي بعد أن غادرت البيت على إيقاع شتائم أمي وتلويحاتها المحذرة ، عابرة بين أرتال الصبية الوسخين بعيدا عن أعين الجارات بانتظار الزبون القادم الذي أخبرتني بموعده سلمى وهي تسر إلي بذلك من خلال تقاطيع وجهها الشهوانية من دون أن أعرف من هو ولا من يكون ، لكي أغطس في السيارة والظلام قلقة بعض الشيء من الشبقين الجريئين الذين يحومون من حولي من أبناء الحي ، كنت أحاول التغلب على جملة قوية تسربت إلى دماغي وكانت قد قالتها أمي وهي هائجة تحاول أن تصدني عن الخروج بعنف : « ربما ادعوا أنك حامل « !! . حامل ؟؟ .. اقشعر بدني من الفكرة وصرت أرتجف . تذكرت فعلا أنني منذ فترة لم تأتيني الحيض . قمت على عجل بعد الأيام في ذهني . شهر .. شهران .. ثلاثة .. آآآآآآآآه ياربي .. كم أشعر بالدوار !! .. إنه ألم جديد علي .