إن تفعيل الإصلاحات الدستورية يرتكز على سن إصلاحات سياسية ومؤسساتية مصاحبة من شانها تحسين القدرة المؤسساتية للدولة في تدبير الشأن العام . وفي هذا الإطار أنجزت مجموعة من الخبراء والبرلمانيين تقرير لإصلاح القانون التنظيمي للمالية العامة تحت إشراف مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد نتقدم من خلال هذا المقال بتوضيح أهيمته.وأهذافه. إن تعثر ما قام به المغرب من إصلاحات كبرى ، اقتصاديا واجتماعيا، خصوصا منذ 1998، يضع في قائمة الأولويات إشكالية إصلاح الدولة عبر جيل جديد من الإجراءات التي تهدف إلى تحسين القدرة المؤسساتية للدولة . وبالفعل ففي مجموع مناحي الحياة الاجتماعية تعرف الإدارة تراجعا على مستوى الأداء والنتائج المحققة سواء في مجالات الصحة أو التعليم أو الفلاحة أو العدل أو غيرها من القطاعات. لذلك لم يمكن ارتفاع المداخيل الضريبية الناتج عن تحسن ملموس في حكامة المالية العمومية، منذ 1998، من إفراز استثمار عمومي ناجع وفعال من حيث وقعه على واقع المواطنين رغم التصاعد المستمر في حجمه. وترجع هذه الوضعية إلى كون حضور الدولة الواسع كامتداد مجالي يتزامن مع ضعف قدراتها المؤسساتية في تدبير الشأن العام، حيث يبدو أن مسلسل التحرير الذي تم إطلاقه لا ييسر بلوغ الهدف المتوخى والمتمثل في نجاعة الدولة. وفي هذا السياق ما تزال اللامركزية محدودة حيث لا تمثل الوسائل المالية العمومية المرصودة لإعمالها سوى %10، كما أنها لم تيسر بعد انبثاق مؤسسات محلية للوساطة ناجعة ومكملة للدولة المركزية. ويدفع هذا الاختلال في النسق المؤسساتي السلطات العمومية إلى اللجوء إلى إحداث مؤسسات موازية (صناديق وكالات مؤسسات عمومية إلخ...) مما يزيد من غموض النسق المؤسساتي المغربي الذي يعرف تطورا فريدا من نوعه. ونظرا لهذه الاعتبارات عانت مختلف الحكومات المتعاقبة من إدارة سيادية وغير ناجعة لم تكن لها أي سلطة عليها كما أن البرلمان الذي تم تلغيمه بنخبة فاقدة لهذه الصفة كنتيجة موضوعية لنمط الاقتراع ولطبيعة بعض الأحزاب السياسية، لا يمارس اختصاصاته الطبيعية في مجال التشريع والمراقبة. إن هذا التقييم للوضعية المؤسساتية للدولة يبرز ضرورة تغيير أنماط الحكامة ليس فقط داخل الإدارة المركزية ولكن كذلك داخل مختلف الوحدات الترابية من أجل أكثر نجاعة وفعالية مؤسساتية. وفي هذا الإطار تندرج أوراش الإصلاحات الجديدة المفتوحة، فورش إصلاح الجهة المفتوح يهدف إلى إعادة توزيع الصلاحيات والموارد بكيفية ستعزز ديمانية جديدة من أجل تنمية مجالية حقيقية. كما يجسد إصلاح القانون التنظيمي للمالية مدخلا لجعل حكامة جديدة للميزانية تمكن من إقرار استمرارية المداخيل من أجل إنفاق عمومي منتج وله وقع حقيقي على ظروف عيش المواطنين. لهذا يعتبر إصلاح القانون التنظيمي للمالية من أهم الإصلاحات المؤسساتية التي ستمكن الدولة من اعتماد نظام جديد لتدبير المالية العمومية وفق معايير النجاعة والشفافية والعدالة الترابية والاجتماعية. وفي هذا الإطار يمثل التقرير الذي أنجز من طرف مجموعة من البرلمانيين متعددة الانتماءات تحت إشراف مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد مبادرة متميزة من حياة العمل التشريعي، إذ تساعد المؤسسة البرلمانية في بلورة رؤيا واضحة وشاملة لإصلاح القانون التنظيمي للمالية في كل استقلالية على تصور الدولة. وتكمن أهمية هذا الإصلاح المقترح في كونه يحمل الأجوبة على الإنتظارات المتعددة للبرلمان المغربي في ميدان مراقبة السياسات العمومية من أجل تفعيلها وتحسين وقعها على المجتمع. الإنتظارات التي تجيب على أسئلة جوهرية من قبيل: ماذا يراقب البرلمان اليوم؟ هل يراقب قانونا للمالية بالمعنى المعترف عليه؟ هل يساهم البرلمان في وضع قانون المالية؟ هل ترتكز الإجراءات المقترحة في قانون المالية على خبرة علمية توضح وتحدد الاستهداف الاجتماعي والترابي الذي يتحكم في توزيع الموارد العمومية؟ ما هي الآليات الممكن وضعها لإشراك البرلمان في تتبع تنفيذ قانون المالية من أجل تحسين السياسات العمومية؟ هذه أسئلة تؤطر أي مقاربة لإصلاح القانون التنظيمي للمالية من أجل البلوغ إلى الأهداف المتوخاة ومن أهمها: أولا: تحسين محتوى المعلومة وتسهيل الولوج إليها في جميع مراحل التحضير المناقشة تتبع التنفيذ لقانون المالية. ثانيا: إشراك حقيقي للبرلمان في جميع المحطات لوضع قانون المالية مناقشة الفرضيات مناقشة القانون تتبع التنفيذ تقييم التنفيذ. ثالثا: تحسين البنية المحاسبتية لقانون المالية لتمكينه من تجاوز المقاربة القطاعية التي يخضع إليها واعتماده لتصور حكومي شمولي يسهل سن سياسات عمومية أفقية مندمجة يتم تنسيقها على مستوى «ما بين الوزارات». رابعا: تحديد معايير موضوعية تتحكم في توزيع ترابي واجتماعي عادل للموارد يخدم سياسة مجالية موحدة وواضحة للدولة. خامسا: إشراك البرلمان في تتبع تنفيذ قانون المالية لتحسين فعالية ونجاعة تدخل الدولة . سادسا: التقليص من عناصر الغموض في الميزانية وإخضاع جميع الإجراءات المالية للمراقبة البرلمانية من أجل تحسين شفافية السياسات العمومية ووضوحها. إن بلوغ هذه الأهداف عبر إصلاح حقيقي وشمولي للقانون التنظيمي للمالية، لا من شأنه أن يساهم في إصلاح بنيوي لدواليب الدولة المغربية من أجل قدراتها المؤسساتية في خدمة التنمية البشرية المتوخاة. (*) نائب برلماني- فريق الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية الرباط، 23 يناير 2011