الأستاذ ادريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي يروم دائما تقديم أجوبة متغيرة لأسئلة متغيرة، أجوبة يمليها استيعاب هذا الذي يحدث في بلادنا، هذا الذي يحدث في قارتنا، هذا الذي يحدث في عالمنا وهذا الذي يحدث في المشهد الحزبي... يعلم أن الرهان على حضور الحزب يقتضي الانخراط الواعي في لجة الواقع الموضوعي بكل تناقضاته وموازين القوى المتبلورة داخله، وانغماس في العمل السياسي بكل التواءاته وتعرجاته حيث منطق الوقائع الصلدة وليس طوبى «النوايا» المستترة أو المعلنة، يقتضي المبادرة الواعية في خضم دينامية مجتمعية يتفاعل فيها الموضوعي والذاتي، ومشهد سياسي يطبعه الالتباس الأنطولوجي. وكانت المبادرة هذه المرة، المبادرة السياسية الواعية والهادفة، حضور الأستاذ ادريس لشكر في بلاطو «ضيف الأولى» يوم الثلاثاء 24 يناير 2017، حضور خلق الحدث وحرك المشهد، استقطب الرأي العام وأشعل وسائل الإعلام... حضور جاء في وقت فضل فيه أغلب الفاعلين السياسيين التزام الصمت، في انتظار تشكيل ثاني حكومة يقودها الإسلاميون، طبع مسار مشاوراتها تعثر غير مسبوق ينذر بمزيد من المفاجآت.. الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي وبشجاعة سياسية بادر إلى تكسير الصمت والانتفاضة على الجمود وعيا منه بأن أخطر ما يتهدد حياتنا السياسية هو الفراغ، الفراغ أخطر من القمع... ففي فترات الفراغ يسود الغموض والالتباس، التسيب والعبث... ونلاحظ اليوم كيف انتهز بوعشرين فرصة الفراغ هذه ليلبس لبوس الصحافي والمحلل، المنظر والمفتي... بل في أحايين كثيرة يبدو وكأنه رئيس الحكومة، المكلف، الفعلي... يتكلم ويقرر، وأصبحت افتتاحياته بلاغات تنطق باسم بنكيران وقادة البيجيدي... وهذا ما دفع لشكر إلى القول: «.. إن بنكيران بنفسه غير مسؤول عن هذا التعثر، بقدر ما هي مسؤولية المحيطين به بدءا من الأمانة العامة للحزب، ومرورا بالجهات الإعلامية التي باتت تروج سيناريوهات غير حقيقية لكواليس المشاورات وكأنها تقدم الأمر اليومي الخاص بالأحزاب الفاشية.» في ظل تعثر تشكيل الأغلبية الحكومية، كان من المفروض أن يكون المشهد السياسي في المغرب، في حركية يتخللها نقاش عمومي للخروج من حالة البلوكاج. غير أن لا شيء من هذا يحدث وكأننا ننتظر المهدي المنتظر ليشكل لنا الحكومة وليس عبد الإله بنكيران. بوعشرين الناطق الرسمي باسم بنكيران يقول لنا في افتتاحياته إن هذا الأخير ملازم لبيته لا يبرحه ويرفض التواصل مع المكونات الحزبية الأخرى وينتظر مع المنتظرين. وسيحفظ التاريخ أن المغرب في عز معركة استرجاع مقعده بالاتحاد الإفريقي، بنكيران ملازم بيته في وضع مريح للغاية، يداعب بأصابعه السبحة ويستلذ بأزمة «البلوكاج» ويتلقى تعويضاته ومحاط بحراسه، ولا قيمة لديه للزمن في تدبير مصالح الدولة، مع أن الحقيقة السياسية الوحيدة التي يمكن للمرء أن يخرج بها من كل هذه المتاهة التي نعيشها، هي أنه لم ينته الكلام... وكان الذي بدأ الكلام هو الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الذي أراد من خلال برنامج «ضيف الأولى»، أن يخبر المغاربة بفحوى الانتظار والغرض منه، أسبابه وتجلياته.. هذا الانتظار الذي دأب على تفويت الفرص على المغرب والمغاربة... إن أمر تشكيل الحكومة يهم بنكيران أولا لأنه هو المعين استنادا على المقتضيات الدستورية... وبالتالي ليس من حقه أن يرابط في منزله، بل عليه أن يبحث عن حل للورطة التي توجد فيها مشاورات ثاني حكومة بعد دستور 2011. لزوم بنكيران لبيته وترك الأمور بالشكل الحالي، فيه استخفاف بالمغرب وبالمغاربة، وخلط للأوراق بشكل مثير للشك والريبة، مما يدعو إلى التوجس من المستقبل الذي يظهر أنه مفتوح على عدة احتمالات. ورد على لسان الكاتب الأول، «وفي سياق تحليل مؤشرات التعثر في تشكيل الحكومة، الاستغراب المشروع من سلوك رئيس الحكومة المكلف السيد عبد الإله بنكيران، الذي يعطي الميكروفون في كل مرة لمن لا صفة دستورية له ليتكلم باسم مؤسسة رئاسة الحكومة، وهو الرئيس المعين والمكلف». ويعرف الذين خبروا ثقافة التفاوض وأدبيات التعامل، أن الدستور لا يسمح بتفويض أي كان، غير الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، للحديث بدله» الاتحاد الاشتراكي- العدد 11535... وكان لافتا جدا حسب المراقبين والمتتبعين ما صرح به ادريس لشكر، حيث قال «إن باب المشاورات مازال مفتوحا مع بنكيران في أفق تشكل حكومة قوية»، وقال لرئيس الحكومة المكلف «عليك أن تشتغل بما يمليه عليك تفكيرك دون الرجوع لأحد من المحيطين بك»، حتى يتسنى لبنكيران أن يخرج من حالة «البلوكاج». في بلاطو «ضيف الأولى» كشف لشكر جانبا كبيرا من خفايا «البلوكاج» الحكومي، محملا المحيطين ببنكيران من قيادات وأحزاب وجهات إعلامية تعثر المشاورات الحكومية، بسبب الإشاعات وكثرة الأحاديث الجانبية المغرضة، وأكد لشكر قائلا «نفس الأمر أيضا تعلق بعدد من الإشاعات المروجة من طرف زعماء أحزاب، قالوا فيها إن البلوكاج وراءه مؤامرة قادها الاتحاد الاشتراكي رفقة عدد من الأحزاب لعرقلة عمل رئيس الحكومة المكلف منذ يوم 8 أكتوبر الماضي وحث تلك الأطراف على عدم القبول بالتحالف مع بنكيران»، في إشارة مبطنة لتصريحات شباط الأخيرة حول هذا الموضوع، «ناهيك عن الموقع الذي اختاره حزب التقدم والاشتراكية بعد تمسك بنكيران به منذ البداية، ليصبح جهة رسمية تخاطب الأطراف السياسية المعنية بالمشاورات. إن أكبر خطأ ارتكبه بنكيران هو طريقة قراءة النتائج، حصول العدالة والتنمية على المرتبة الأولى عمرها الافتراضي لم يتعد 48 ساعة، فبمجرد تكليف بنكيران من طرف الملك بتشكيل الحكومة انتهى العمر الافتراضي لامتياز المرتبة الأولى لأنها دستوريا وسياسيا تنتهي مع التكليف لتبدأ القراءة الثانية للنتائج، كم يلزم بنكيران من مقعد لبناء أغلبية برلمانية؟ وأين يجدها؟ إن القراءة المغلوطة للنتائج استمر حتى بعد 9 أكتوبر واستمر معها منطق أن الشعب لم يصوت إلا للعدالة والتنمية ولم يصوت لغيره، القراءة المغلوطة جرت معها اجترار منطق المواجهة المفتوحة الذي خاض به الحزب الحملة الانتخابية من خلال استهداف المخالفين للحزب حتى ولو كانوا حلفاء محتملين، فلم يكن مفهوما أن يهاجم قادة حزب البيجيدي وامتداداتهم في الشبكة العنكبوتية والمواقع الإعلامية، وعلى رأسها بوعشرين بموقعه وجريدته، قادة الأحزاب الأخرى. ويتساءل ادريس لشكر كيف يمكن لرئيس الحكومة المكلف أن يشتغل في الحكومة المقبلة مع أحزاب اتهمها بالتآمر عليه، ويقول «عند التشكيك في كل الطيف السياسي كيف ستمد له يدك بعدها». يتميز المشهد السياسي في المغرب بعدد من المميزات، من بينها اللامنطق، ففي المغرب وأمثاله من الدول العالمثالثية، قد تجد ثاني مسؤول في الدولة يتحدث عن تماسيح وعفاريت تعرقل مساره في تشكيل الحكومة، كما تجد بغزارة من يحمل المسؤولية للتحكم، التحكم الذي كان خفيا ومجهولا قبل أن تتم شخصنته في إلياس العمري، وتعويضه منذ المؤتمر الرابع للتجمع بعزيز أخنوش، رئيس الأحرار الذي يتحول من الإطار الكفء والملاك إلى الشيطان المعرقل للعجلة السياسية بمجرد ما يتم استقباله من طرف القيادة الحزبية الاتحادية. هكذا يكشف لشكر عن ازدواجية الخطاب البنكيراني. هي، إذن، مظاهر متعددة لما يسمى بنظرية المؤامرة وهي تعني رمي المسؤولية على الآخر سواء كان ماديا أو معنويا، واقعيا أو ميتافيزيقيا، تتوخى الدفع بمبررات مفادها، «أن فشلي في تشكيل الحكومة مرده هو تدخل هذا الطرف الخفي أو تلك القوة المتحكمة». وحسب عدد من أطباء النفس... فإن هذه العملية، ترمي المسؤولية على الآخر، تترك نوعا من الارتياح والأمن النفسي وتزيل القلق وتخفف أثر العجز والإحباط والشعور بالنقص أو الخلل وإن كان بشكل خادع... كما يصنف المختصون رمي العامة والسياسيين وغيرهم للمسؤولية على الآخر، بكونها تندرج في إطار «الحيل الدفاعية» ماذا لو انتهينا من حكاية «من كان معنا فهو آمن وصالح، ومن كان ضدنا أو لا يفكر بنفس عقليتنا فهو مع التحكم ومع التماسيح ومع العفاريت، ومع كل الأشياء الغيبية التي تصلح لتفسير ما لا يفسر»؟ ماذا لو نسي من يعتقدون أنفسهم الأطهار الأخيار الأبرار هاته الحكاية، وتصوروا أنفسهم آدميين مثل البقية تماما، يصيبون ويخطئون، ويتعاملون مع القوم كلهم بنية صافية، لا أثر فيها لتخوين أو اتهام أو سباب أو شتم أو بحث عن المحركات الخفية والعلنية؟ أصبح غير ممكن إطلاقا أن يجاهر أي حزب كيفما كان نوعه لا بمعارضته لمشروع البيجيدي، ولا للتحالف حكوميا معه دون أن يسمع هذا الحزب الذي غامر واتخذ هذا القرار بأنه حزب متحكم فيه، وأنه غير مستقل، وأنه يحن إلى الانقلاب على الديموقراطية، إلى آخر تلك الأوصاف التي يبرع فيها أنصار بنكيران وحواريوه والمؤلفة جيوبهم وأجسادهم وأقلامهم... وانضم إلى هؤلاء نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، فأصبح بدوره يتكلم عن التحكم ويتهم قادة الأحزاب بأنهم مكلفون بمهام ويفتقدون إلى استقلالية القرار!! المشكل هو أن هذه الطريقة في التصرف لن تحل الإشكال، ولن تساعدنا على تجاوز حالة «البلوكاج» التي نحياها، ولن تتقدم بنا خطوة واحدة إلى الأمام، بل هي لن تساهم إلا في العكس، إلى درجة جعلت متتبعين عديدين يطرحون السؤال بعد كل خرجة هجومية جديدة لبنكيران ولصقور حزبه، ولتابعيه من الإعلاميين على معارضيهم، بل وحتى على حلفائهم المحتملين وهذا أكثر مدعاة للاستغراب، إن لم يكن حزب العدالة والتنمية راغبا في استمرار حالة التوقف هاته، مصرا على عدم بدء اشتغاله الحكومي إلا بعد هنيهة من الزمن لاعتبارات قد لا يفهمها الجميع، لكن تفسيرها لدى أهل العدالة والتنمية. بنكيران الذي قاد بتشنج ملحوظ حملته الانتخابية، ارتاح لسويعات فقط من هذا التشنج بعد التعيين الملكي ثلاثة أيام بعد الانتخابات، ثم عاد، ومعه بوعشرين في افتتاحياته، لكي يواصل هجومه على الجميع وفق منطق واحد لا غير وهو: «من معي سأدخله حكومتي، وسيحظى بالأمان، ومن لا يوافقني الرأي فهو حزب التحكم، وهو راغب في إعادتنا إلى الوراء، وهو ضد الديموقراطية، ويريد الانقلاب على الدستور، وسيرى ما سيراه..» معذرة، ولكن لا وصف لهذا الذي يقع أمامنا إلا الفكر الشمولي الذي لا يستطيع –ولو من باب المزاح- أن يتفهم آراء الآخرين إذا كانت مغايرة لرأيه. وهذا الفكر الشمولي تجسد برداءة في الهجوم الشرس والقذر على الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، علما أنه لم يرتكب أي ذنب أو خطيئة، ولم يرتكب كبيرة تنضاف إلى «الكبائر السبع»، ومازال علماء الكلام لم يحسموا في الحكم على مرتكب الكبيرة، إن كان كافرا أو مؤمنا، أو فاسقا أو في منزلة بين المنزلتين... ويظهر أنه عند البيجيديين وأتباعهم كافر... والكبيرة هنا الاختلاف والتعبير عن الرأي وفتح الحوار... إن ادريس لشكر أراد أن يحرك المشهد السياسي ويخرجه من عطالته المشبوهة ورتابته المملة، وتجرأ على فتح النقاش الهادئ والمسؤول للتفكير المعقول والمساهمة الجادة في إيجاد حل لأزمة حكومية مفتعلة وتجاوز تعثر اعتبره البعض فشلا... ولا أحد كان «يعتقد أن مرور ادريس لشكر في التلفزيون المغربي (وليس القطري) يوم الثلاثاء الفارط، مباشرة بعد تأهل منتخبنا لربع النهاية، سيكون مؤلما إلى هاته الدرجة التي رأيناها في كل مكان بعد برنامج التيجيني. الآلية الإعلامية إياها، وأسموها كتائب أو مؤلفة جيوبهم، أو مكلفين بمهمة، أو ناطقين رسميين أو ما أردتم، ارتموا بكامل ملابسهم في بحر سب الرجل والسخرية من شكله، وشتمه بأقذع الأوصاف، والتندر عليه بالكلام الساقط، ناسين أو متناسين أمرا واحدا فقط، لقد أهملوا مناقشته في حصافة ما قال، وما قاله يوم الثلاثاء كان بالفعل وجيها، وكان قريبا من الصواب، وكان هادئا حد الإزعاج لمن لا يريدون أي نقاش هادئ في المغرب اليوم، ولا يريدون الإنصات إلا لأصواتهم». الأحداث المغربية- العدد 6119... بوق البيجيدي قال: «الاستماع إلى ادريس اشكر في التلفزة، ولمدة ساعة، تعذيب نفسي ومعنوي ولا يقدر على تحمله إلا القليلون، أما التعقيب على ما قاله، من تحليلات وآراء مواقف، فهو مضيعة للوقت...»أخبار اليوم- العدد 2197. طبعا بوعشرين يعتبر الإنصات للشكر ومناقشته مضيعة للوقت، لأنه مشغول بتلقي التعليمات والإملاءات، ومشغول بجمع المال وغنائم الإشهارات والإعلانات، ومشغول بالسفريات وبأشياء أخرى فيها متع وملذات... وبقرف سوريالي تكلفت الجريدة الناطقة باسم حزب التقدم والاشتراكية في مقالة مطولة وباستفاضة بقصف الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، معتبرة أن «زعيم الاتحاديين تطوع لتنفيذ مهمة الهجوم ضد حزب التقدم والاشتراكية، مضيفة أن هذا الدور كان حقا بئيسا، بأداء مبتذل، والخطاب ومنتجه كانا معا غارقين في البؤس، وبلغا الدرجة الصفر في الأخلاق كذا!!» ماذا قال لشكر بالتحديد وأزعج إلى هذا الحد؟ فقط، أعلن تمرده على الحزب الأغلبي، وعلى ما كان يرسم له من خيارات التبعية الشبيهة بتبعية التقدم والاشتراكية، وقال: «إذا كان من دخول ضروري للحكومة، فليكن من بوابة أخرى غير هاته الباب». هاته القناعة أزعجت الذين يرسمون لنا كل شيء اليوم، والذين يتصورون أنهم أمسكوا البلد بين أيديهم ويؤمنون أن صوتهم هو صوت الخير وأن البقية الباقية كلها أشرار. فماذا لو أقفلنا الأعين ثم فتحناها فوجدنا «الإخوان» قادرين يوما على النقاش؟ ماذا لم قرر الشباب من أتباع الحركة المندسين في الحزب أو من أتباع الحزب المندسين في الحركة، ومن الصنفين المندسين في الإعلام والانترنيت أن يصبحوا حزبا عاديا مثل بقية خلق، يقبلون النقد والانتقاد، يناقشون ويتناقشون؟ ماذا لم تفادى إخوان المغرب أخطاء إخوان الشرق، وتذكروا أنهم من بلد بخصوصية خاصة، تفوق كل الخصوصيات، وبشعب وبلد ذي طبيعة فريدة من نوعها لا تشبه بقية أقطار التنظيم الأخرى؟ ماذا لو نسي الأهل في الضفة إياها أنهم حملة جنسيتين: واحدة مغربية والثانية إخوانية، وتذكروا لنا فقط انتماء الوطن، وتركوا انتماء الجماعة والحركة والحزب صغيرا مثلما يليق به.. وآمنوا أن المغرب أكبر وأهم من الحزب والحركة، وأن الملكية فوق كل الأحزاب والحركات؟ لا أحد، الآن وغدا، ينكر أن الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي في «ضيف الأولى» تفوق على غيره من الفاعلين السياسيين، بل إنه هذه المرة، تفوق على نفسه، شكلا ومضمونا، لغة وفكرا، حصافة ومسؤولية... لقد كان أنيقا ولبقا، مرنا وصارما، هادئا ومهذبا... واتسم خطابه بالوضوح والصدق، الوضوح على مستوى اللغة والفكر بمنهجية جدلية، من لا فكر له لا لغة له، ومن لا لغة له لا فكر له... وضوح الفكر والموقف والرؤية ترجمه لشكر في وضوح دوال اللغة ومدلولاتها... قطع مع القاموس السياسي المبتذل ومفاهيمه الساقطة والرائجة في السوق الإعلامي اليوم... استعمل اللغة العالمة بدقة ووظف المفاهيم السياسية المؤثثة للخطاب الاتحادي في صيرورته... خاطب في الناس عقولهم فابتعد عن الانفعالات وردود الأفعال ودغدغة العواطف والمشاعر... كان نظيفا فجنب خطابه كل أساليب السب والشتم وإلصاق التهم بالمغاير للخطاب الاتحادي والمخالف له. واتسم خطاب لشكر بالصدق، الصدق المنطقي، تماسك الخطاب الداخلي والمنطقي، عدم التناقض بين المقدمات والنتائج... القطع مع أساليب التمويه والتغليط والمغالطة. والصدق الواقعي في خطاب لشكر تحلى في الكشف عن مسار مشاورات تشكيل الحكومة، وكشف بكل جرأة عن كواليس لقاءاته مع السيد بنكيران، وأكد موقف الاتحاد الاشتراكي من المشاركة لينفذ أطروحات الذين يصطادون في الماء العكر، ويعكرون الماء بأكاذيبهم وسفاسفهم... خرج لشكر من سوق سياسي مليء بالضجيج والصياح... وسما على خسة المتطفلين ليرتقي إلى رفعة السياسة بنبلها، فهو ابن مدرسة عبد الرحيم بوعبيد القائل «السياسة أخلاق». وبمنطق الخاتمة مقدمة والنهاية بداية، يحق فعلا التنويه بالمرور العاقل لادريس لشكر ذلك الثلاثاء، فقد أخرج العديدين من طوعهم إلى درجة استقالة صيارفة مشهورين في المجال من مهتنهم التي يعرفها المشهد الإعلامي والسياسي بها، وإعلانهم البراءة من كل الارتزاق الذي اشتهروا به بين الناس. وندعوكم لتأمل قول بوعشرين والحكم بموضوعية، الموضوعية لا بالمعنى البوعشريني، بل بالمعنى العلمي: «عابنا ادريس لشكر لدفاعنا عن المنهجية الديمقوقراطية في تشكيل الحكومة، وتتهمنا الصحف الصفراء بالدفاع عن بنكيران، وتشنع علينا الانكشارية الإعلامية المدعومة (بالغاز إياه) مدعية أننا تحولنا إلى ذراع إعلامية لحزب المصباح، فقط لأننا لم نقبل العضوية في خندق محاربة بنكيران، وفضلنا أداء دورنا في الأخبار بموضوعية، والتعليق بانحياز إلى القيم الديموقراطية (...) نقبل التهمة، ونطالب بالتعويض عن هذا الدور الذي نقوم به، مع العلم أننا لسنا صيارفة ولا جشعين ولا سماسرة كلام مثلكم، سنطلب فقط 10% مما تحصلون عليه من غنائم إشهارية، وأموال تحت الطاولة، وامتيازات ملوثة بدم مهنة قتلتموها عندما حولتموها إلى خادمة رخيصة عند الأبوب» أخبار اليوم- العدد 2197. بوعشرين، إذن، يقرأ ذاته في الآخرين، ويعتمد آلية دفاعية هي الإسقاط، إسقاط عقده وعيوبه على الآخرين!!