من الضروري ومن الواجب عند تناول موضوع الحقوق الاجتماعية للأجراء، أن نأخذ بعين الاعتبار الجانب الاقتصادي لتحقيق التوازنات المالية للمقاولة، ومن هنا فإنه يمكن للحماية الاجتماعية، إذا ما تم تطبيق التشريع الاجتماعي على الوجه المطلوب، أن تلعب دورا أساسيا في تحقيق التوازن الاجتماعي للأجراء، والاقتصادي للمشغلين، لما لذلك من انعكاسات حالية ومستقبلية، لكون قوانين الحماية الاجتماعية أحدثت لهذه الغاية. من الضروري ومن الواجب عند تناول موضوع الحقوق الاجتماعية للأجراء، أن نأخذ بعين الاعتبار الجانب الاقتصادي لتحقيق التوازنات المالية للمقاولة، ومن هنا فإنه يمكن للحماية الاجتماعية، إذا ما تم تطبيق التشريع الاجتماعي على الوجه المطلوب، أن تلعب دورا أساسيا في تحقيق التوازن الاجتماعي للأجراء، والاقتصادي للمشغلين، لما لذلك من انعكاسات حالية ومستقبلية، لكون قوانين الحماية الاجتماعية أحدثت لهذه الغاية. معطيات رقمية يمكن ترجمة أهمية الحماية الاجتماعية على أرض الواقع من خلال تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مع سلامتها من العيوب، وبالرجوع إلى إحصائيات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمأخوذة عن المندوبية السامية للتخطيط، نجد أن عدد أجراء القطاع الخاص حوالي 4 ملايين منهم 3 ملايين و200 ألف مصرح بهم، أي 80 %، وحوالي 800.000 غير مصرح بهم، أي حوالي 20%، جلهم من القطاع الفلاحي حوالي 600.000، أي 75%. ولا يمكننا التسليم بصحة هذه الإحصائيات ما لم يتم تطبيق ما تنص عليه المادة 511 من مدونة الشغل، لكونها تُلزم كل مشغل قام بتشغيل أجراء أن يخبر بذلك المصلحة المكلفة بالتشغيل في المكان الذي يباشر فيه نشاطه في أجل ثمانية أيام، هذه المادة رغم أهميتها لم تقم وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية بتفعيلها لحد الآن، يضاف إلى ذلك أن نسبة التصريحات السليمة لا تتجاوز مليون أجير، ويعود سبب ذلك لكون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يشترط أن يصرح المشغلون بنسبة 60% من الحد الأدنى للأجر لكي تتم الاستفادة من التعويضات العائلية، وما كان يجب أن يكون هو أن تتم التصريحات بحقيقة الأجور المتوصل بها مع إلزامية المشغلين بتسليم الأجراء بيانات الأجر، وهو ما سيؤدي إلى وضع حد للتلاعب في التصريحات. فرغم أننا نتوفر على قوانين في المستوى المطلوب، فإن أهميتها لا تتبين إلا إذا تم تفعيلها على أرض الواقع، كما أنه من الخطأ أيضا اعتبارُ أن تطبيق قانون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إذا ما تم احترامه يحمي فقط حقوق الأجراء، في حين أن تطبيق هذا القانون يحمي أيضا حقوق المقاولات وكل القطاعات المهنية، على اعتبار أن الحد الأدنى للأجور والذي يتكون من 13,46 درهما في الساعة، أي 2570,86 ده في الشهر، إذا ما اعتبرنا أن عدد ساعات العمل في الأسبوع 44 ساعة وعدد ساعات العمل في الشهر 191 ساعة، وهو أجر لا يلبي حاجيات العيش للأسرة الواحدة لتغطية مصاريف الأكل والسكن واللباس وغيرها من مصاريف الحياة اليومية، في حين أن ما يقدمه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من تعويضات تتمثل في التعويضات العائلية والتغطية الصحية والتعويض عن فقدان الشغل والتقاعد، يمكن أن تساهم في تقليص العجز لتغطية باقي الحاجيات، علما بأن أرباب العمل يرفضون الرفع من الحد الأدنى القانوني للأجر، ويعتبرون ذلك من وجهة نظرهم عرقلة للاستثمار مما تصبح معه الضرورة ملحة لوضع برنامج لتعميم التصريحات بجميع الأجراء بكل القطاعات والمهن بتنسيق بين مفتشي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومفتشي الشغل مصحوبا بحملة تحسيسية وتنظيم اجتماعات تشمل جميع القطاعات المهنية. تعميم التصريحات وتطبيق القانون من أجل توضيح عدم صحة إحصائيات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حول عدد الأجراء غير المصرح بهم وبأن تعميم التصريحات يخدم مصلحة المقاولات التي تطبق القانون، لهذه الغاية سنقوم باستعراض قائمة القطاعات دون التقيد الدقيق بالتقسيم المهني المعتمد، وذلك على الشكل التالي: - المقاولات الكبيرة: والمتضررة بشكل كبير من القطاع غير المهيكل حيث تشتكي من ذلك باستمرار ومن مصلحتها احترام القانون حماية لها. - المقاولات المتوسطة والصغيرة : والتي تتضرر من بعضها ومن القطاع غير المهيكل ومن مصلحتها تطبيق القانون على الجميع لما يؤدي إلى تحقيق التوازن في ما يتعلق بتكلفة الإنتاج. - القطاع غير المهيكل : والذي يشكل خطرا كبيرا من جهة على القطاع المهيكل وأيضا داخل القطاع نفسه، إذ هناك مقاولات تحقق أرباحا كثيرة، وهناك مقاولات أخرى تنتمي إلى نفس القطاع تعاني من صعوبات كبيرة، وتصحيح هذا الاختلال يخدم مصلحة القطاع المهيكل والقطاع غير المهيكل ويحمي حقوق الأجراء. - القطاع الفلاحي: والذي يعرف أكبر نسبة من الأجراء غير المصرح بهم مما أدى إلى إحداث اختلالات كبيرة بهذا القطاع، إذ منه من يعرف وضعية جيدة ومنه من يعاني من صعوبات ومن شأن تعميم التصريحات وسلامتها من العيوب أن يساهم في حماية حقوق الأجراء وتقوية هذا القطاع الذي يعرف تطورا كبيرا من سنة إلى أخرى. قطاع النقل: فمنذ التوقيع على اتفاق شراكة في 21 فبراير 2011 بين وزارة الداخلية ووزارة التجهيز والنقل واللوجستيك، ووزارة التشغيل والتكوين المهني والمدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والهيئات المهنية والنقابية حول توفير الحماية الاجتماعية وكان من المفروض في انتظار تفعيل القانون الخاص بالمهنيين غير الأجراء، أن يتم وضع برنامج عمل لتعميم التصريحات على أجراء هذا القطاع ليشمل كلا من» سائقي حافلات النقل الحضري وسائقي الحافلات الرابطة بين المدن ومساعديهم وسائقي الشاحنات ومساعديهم وسائقي سيارات الأجرة الكبيرة وسائقي سيارات الأجرة الصغيرة والعاملين بشركات النقل والمحطات الطرقية والمهنيين المالكين لوسائل النقل والعاملين بمراكز الفحص التقني ومدربي السياقة»، إلا أن ذلك لم يتم مما أدى إلى ضياع الوقت طوال هذه المدة. - قطاع المقاهي والمطاعم: كان يتطلب تعميم التصريحات بهذا القطاع بأن يتم تطبيق ما تنص عليه المواد من 376 إلى 381 من مدونة الشغل حول توزيع «الحلوان» ومراقبته وهو ما يحمي حقوق هذه الفئة من الأجراء دون أن يشكل أي ضرر على أصحاب المطاعم والمقاهي الصغيرة على اعتبار أن المطاعم والمقاهي الكبيرة ليس لها أي مشكل بأن تؤدي لأجرائها أجورا في المستوى المطلوب. - قطاع البناء: هذا القطاع الذي يعرف اختلالات كبيرة في هذا الجانب بسبب عدم تطبيق القانون من طرف العديد من المقاولات التي تحقق أرباحا خيالية على حساب العمال وعلى حساب المقاولات التي تطبق القانون وهو ما يتطلب تصحيح هذه الاختلالات، وذلك بتعميم التعويضات وسلامتها من العيوب. - قطاع الصيادلة: يشغل قطاع الصيادلة نسبة كبيرة من مساعدي الصيادلة إلا أنهم في الغالب الأعم لا يتقاضون أجورا في المستوى المطلوب، ومن شأن تطبيق قانون الحماية الاجتماعية أن يحمي حقوق المساعدين ولو بشكل نسبي، ويحمي القطاع ويقويه وليس العكس، خاصة وأن الصيادلة يشتكون من أنهم لا يستطيعون تأدية أجور مرتفعة. - التعليم الخصوصي: عرف هذا القطاع توسعا كبيرا في السنوات الأخيرة، كما أنه يعرف اختلالات كبيرة بسبب عدم تطبيق قانون الحماية الاجتماعية ومن شأن تطبيق القانون أن يحمي حقوق الأجراء ويقوي هذا القطاع الذي أصبح يلعب دورا كبيرا على المستوى الوطني. - القطاع التجاري : يشغل هذا القطاع نسبة كبيرة من اليد العاملة وهناك من يحقق أرباحا وهناك من يعاني من صعوبات، ورغم اتساع هذا القطاع وتشعبه، فإن تعميم الحماية الاجتماعية على جميع الأجراء يؤدي إلى تقويته لمواجهة الصعوبات التي يعاني منها وليس العكس. - قطاع الصناعة التقليدية : حيث يتطلب وضع برنامج لتعميم التصريحات على الحرفيين الذين تشملهم المادة 4 من مدونة الشغل، ويتعلق الأمر بالصناعة التقليدية الفنية ذات الحمولة الثقافية والحضارية، وهو ما يتطلب إحداث رسوم على الخمور والتبغ لدعم هذه الفئة من الحرفيين الفرادى مثل «الخرازة والدرازة ومن يماثلهم» ، لكون هذه الفئة دخلها متواضع جدا لا يمكنها من تأدية جميع التزاماتها تجاه «ص و ض ج» وحتى لا يقع مثل ما حصل بالنسبة لمنتوج «عناية» سابقا، على أن يتم تطبيق القانون على الحرفيين بقطاع الخدمات سواء المحسوب على الصناعة التقليدية أو العصرية، وفق ما هو معمول به على جميع الأجراء. - قطاع المهن الحرة، ونعني بذلك على الأخص العاملين في مكاتب المحامين وعيادات الأطباء ومكاتب المهندسين والموثقين ومن يماثلهم، وكما هو معروف بأن كثيرا من المهنيين بهذا القطاع يعرفون وضعية عادية ويحققون مداخيل محترمة غير أن جلهم لا يصرحون بأجرائهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو لا يصرحون بهم بشكل سليم وإن كان بعضهم يعاني من الصعوبات، فإن ذلك لا يبرر عدم تطبيق القانون باقي القطاعات: ومنها قطاع التشغيل المؤقت الذي يقوم بمهام النظافة وصيانة المناطق الخضراء والحراسة وغيرها لصالح القطاع العام والمؤسسات العمومية والبرلمان بغرفتيه والجماعات الترابية والمقاولات وإن كان في الواقع جل ما يقوم به هذا القطاع من مهام تدخل في إطار العمل المستمر وليس المؤقت، والذي يعرف هو الآخر العديد من أشكال خرق قانون الحماية الاجتماعية من طرف العديد من المقاولات، ومنها التلاعب في بيانات الأجر وتخفيض ساعات العمل على سبيل المثال)وضعية عاملات النظافة بالبرلمان اللواتي ينقسمن إلى فرقتين : فرقة تشتغل من السابعة إلى العاشرة صباحا يتقاضين 550 درهما في الشهر وفرقة تشتغل طيلة اليوم تتقاضى 1550 درهما في الشهر)، يضاف إلى ذلك العاملون غير المصنفين في القطاعات التي قمنا باستعراضها لكي يشمل ذلك جميع الأجراء دون استثناء. ومن خلال ما أشرنا إليه من ملاحظات، حسب كل قطاع على حدة، يتبين أنه رغم المجهودات المبذولة من طرف إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حول تعميم التصريحات، فإن هذه المجهودات تبقى متواضعة مقارنة مع ما يجب القيام به وهو ما يتطلب الوقوف عند هذا الموضوع لمناقشته وإعطائه الأهمية التي يستحقها من طرف المجلس الإداري لهذا الصندوق الثلاثي التركيبة والمتكون من 24 عضوا، 8 يمثلون الأجراء و8 يمثلون أرباب العمل و8 يمثلون القطاعات الحكومية ذات العلاقة. ويمكن عقد دورة خاصة لمجلس المفاوضة الجماعية أو عدة دورات تخصص لكل قطاع على حدة أو للقطاعات المتجانسة لكون هذا المجلس يتكون من جميع الأطراف للتداول فيما يمكن القيام به في الموضوع ويمكن أيضا تقوية دور الحماية الاجتماعية خاصة بما هو أحسن مما هو منصوص عليه في القانون من خلال إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية على مستوى المقاولة أو القطاع أو على المستوى الوطني. أسبق الأسبقيات ينبغي التأكيد مجددا، في الأخير، على أن تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وسلامتها من العيوب، يعد من أسبق الأسبقيات، التي يجب التعجيل بها لكونها غير قابلة للتأجيل، وهي أمر ممكن إذا ما تم القيام به على الوجه المطلوب، سيؤدي إلى: حماية حقوق الأجراء بتعميم الحماية الاجتماعية - حماية حقوق المقاولات والمشغلين في تحقيق التوازن حول تكلفة الإنتاج - حماية وتقوية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لكي لا يصبح مهددا بعدم التوازن المالي ولكي يتمكن من تطوير خدماته إلى أحسن مما هي عليه - المساهمة في توفير مناخ اجتماعي سليم - تقوية الاقتصاد الوطني من خلال الرفع النسبي للقدرة الشرائية لعدد كبير من المواطنين - وضع حدٍّ لمعاناة عشرات الآلاف من المواطنين الذين يصلون إلى سن التقاعد ويحرمون من هذا الحق بشكل جزئي أو كلي مما يجعلهم يلجأون إلى التسول في آخر عمرهم، وكثيرا ما تجدهم موزعين في الأحياء الشعبية والقرى يلعبون الورق أو الضامة وهم في وضعية جد سيئة.