يشبه الخبراء في مجال التعمير المدينة بالكتاب أو الرواية التي تبدأ ولا تنتهي ، بحيث كل جيل يكتب فقرة من فقرات هذه الرواية، وكل فقرة تضفي عليها المزيد من الشاعرية ، وهكذا دواليك. المدينة العتيقة بوزان تحكي معالمها التاريخية نمط عيش ساكنتها ، قبل أن تشوهها المضاربات العقارية التي قادها أصحاب العقول الإسمنتية . كما تختزل قاماتها المعمارية التصور الشاعري والجمالي الذي اعتمده الأسلاف في تنزيل هندستها المعمارية. فالساحات والميادين العامة التي تتوسط قلب أحياء المدينة العتيقة، تحكمت في إخراجها للوجود خلفية تنتصر لأولوية المشترك على غيره، وهو ما يعني بأن التفكير في هندسة المدينة أو الحي، يبدأ بتثبيت المجال العمومي قبل أي شيء آخر. ساحة الرويضة تعتبر إرثا تاريخيا يتوسط القلب النابض للمدينة العتيقة دار الضمانة ، شكلت لقرون مجالا تقاسمه السكان المطلون عليها، ومركزا للتعايش والاشتراك بينهم وبين أعداد السياح الذين كانوا يحجون إليها عبر «الجيوب» التي تربطها بالمعارض القارة للصناعة التقليدية التي أبدعت فيها أنامل أهل وزان . هذه الساحة اليوم فقدت هويتها، وشل صقيع القبح أوصالها، وعششت العشوائية بين ثناياها بفعل جرعات القتل البطيء التي حقنها في شرايينها مجلس بلدي سابق ، حين أقدم على السماح ببناء مقر للبريد ودكاكين بقلبها ...ليتناسل بعد ذلك العبث في أبشع صوره. وتداركا لما طال ذاكرة المدينة هذه من مسخ لهويتها ووظائفها الاجتماعية والإنسانية، وبعد أن لم تشمل - لأسباب غير معلومة - عملية تأهيل المدينة العتيقة التي تشكل هذه الساحة قلبها، خلال الشطر الأول الذي سبق أن أشرف على إعطاء انطلاقته الملك محمد السادس في زيارته التاريخية للمدينة نهاية سنة 2006، سيعود موضوع مصالحة هذا الفضاء مع تاريخه ووظائفه ليشغل حيزا من النقاش العمومي منذ شهر رمضان الأخير ، بعد أن وقعت بعض الأطراف على اتفاقية شراكة تستهدف إتمام عملية تأهيل المدينة العتيقة. حفل توقيع اتفاقية الشراكة هذه (غلافها المالي 20 مليار سنتيم) لتأهيل مدينة وزان ، بما في ذلك حيزها العتيق، احتضنه مقر العمالة، وترأسه عامل دار الضمانة، بحضور وزير السكنى وسياسة المدينة، ورئيسي الجماعتين الترابيتين المحلية والإقليمية، وممثل وكالة تنمية الأقاليم الشمالية . وحسب المعطيات التي كشف عنها لاحقا رئيس بلدية وزان ، فإن الساحة المشار إليها من المقرر أن تتخلص، باعتماد القانون والمقاربة الاجتماعية، من البنايات التي دست في قلبها ، وسترى النور في حلة جديدة تصالحها مع تاريخها المشرق ، وتجسر الطريق نحو من يرغب في الاستثمار في مشاريع خدماتية تساهم في إنعاش السياحة التي بإمكانها أن تساهم في حلحلة تنمية المدينة والإقليم ، إن انخرط الرأسمال العمومي والخاص في هذا المشروع واستثمر فيه ، نظرا لما تتوفر عليه المدينة وامتدادها القروي من مؤهلات سياحية قل نظيرها عند غيرها. الرأي العام المحلي يتتبع وهو كله أمل ، ضخ الروح في هذا المشروع، وذلك بتسريع تنزيله بعد أن لوحظ بأنه لا يزال يراوح مكانه، ولم يثبت قدميه على أرض الواقع بعد . كما يناشد المؤسسات الموكول لها حماية المال العام للسهر على شفافية إنفاق الغلاف المالي الضخم المرصود لهذه العملية، بعيدا عن أي تبديد أو إتلاف قد يجرفه ، مثلما جرف تيار الفساد شطر عملية التأهيل الأولى . وفي انتظار تحقيق ذلك ، فإن أيادي ساكنة دار الضمانة موضوعة على قلوبها خوفا من أن تطمر الأطراف المعنية هذا المشروع تحت دواع واهية.