كثيرا ما أثيرت مسألة الفوارق الاجتماعية ومدى تأثيرها المباشر على التمدرس خصوصا مع بورديو وباسرون ، فقد سبق واثبتوا أن المدرسة عملت لعقود كثيرة على تكريس هذا الوضع الذي غالبا ما يكون لصالح أبناء الأوساط الميسورة الشيء الذي يجعلهم الأكثر استفادة من النظام التعليمي. إنها الفكرة التي طرحها P.Bourdieu منذ سنة 1966: «يجب إعطاء ليس فقط الحق في التعلم، بل تنويع وتكثير حظوظ التعلم لكل طفل كيفما كان وسطه الاجتماعي ورصيده الثقافي». لتأتي بعد ذلك البيداغوجيا الفارقية بتصور أكثر وضوحا سنة 1970 مع Louis Legrand : «على المدرسة أن تعمل منذ الصفوف الأولى على تصحيح التفاوتات التي تسجل على مستوى النجاح المدرسي». لقد أصبح من الواجب التفكير في مدرسة منظمة قادرة على جعل كل متعلم في وضعية تعليمية منتجة، بالنسبة إليه وهذا ما تراهن عليه البيداغوجيا الفارقية بشكل كبير نظرا لأنها تنطلق من ضرورة تحقيق «معنى التعلم» أو بتعبير آخر إعطاء معنى للتعلمات، لأن المتعلم»ة» غالبا ما يعيش صراعا مع المدرسة سببه غياب المعنى والفهم في ظل هيمنة وفرة المواد والمقررات الدراسية، إضافة إلى إغفال الإيقاعات الفردية الخاصة بكل متعلم. المدرسة وفارقية التعلمات التربية على حد تعبير كوماز هي أن يتم تحريك التلميذ بالشكل الذي سيجعل منه متعلما وهذا يقتضي بطبيعة الحال توفر معينات ديداكتيكية قمينة بهذا الغرض، بالإضافة إلى تقويم تكويني قار وكذلك بتوفر تنظيم محكم وتسيير ناجع للفصل الدراسي. سنجد إذا ما تم العمل وفق التصور الفارقي، تغييرا على مستوى شكل حضور المدرسة، فمن مدرسة كلاسيكية تعتمد على تعليم عمودي يحافظ على وتيرة واحدة ألا وهي تقدم الأستاذ في تمرير المقرر الدراسي، إلى مدرسة تحضر فيها فارقية التعلمات إلى جانب تغيير يشمل كل من الطرق والمقاربات البيداغوجية المعتمدة، طبيعة العلاقة بالمعرفة، العلاقات الصفية والحث على المزيد من التعاقدات. قد نسعى أحيانا إلى تحقيق بعض الأفكار أو التصورات ولكن بإفراط نظري قد تغييب معه سبل التحقيق، وهذا ما طرحه برنو عندما فكر في مسألة تنظيم المدرسة بهدف تحقيق تفريد للتعلمات. فالأمر بالنسبة إليه يتجاوز بكثير فكرة الانخراط الإيديولوجي الذي غالبا ما يقف عند حدود مسايرة الموضة، كأن نقول أننا نعمل وفق المقاربة بالكفايات أو المشروع لكن دون تصور واضح وملموس على مستوى الفعل. فمن السهل أن نقول أننا نشتغل وفق البيداغوجيا الفارقية ومن الصعب أن نتوقع انخراطا كاملا وتنزيلا مثمرا من جانب الأستاذ، نظرا لأن ذلك يقتضي كفايات جديدة على مستوى الممارسة وتصورا مغايرا لمهنة المدرس, خصوصا إذا ما استحضرنا طبيعة التكوين الأساس الذي لم يعد مواكبا وكذا قصور وضعف التكوين المستمر. تطبيق وتفعيل البيداغوجيا الفارقية بداية لابد من الإشارة إلى عدد من الباحثين المنشغلين بمسألة تفريد التعلمات على مستوى الفصول الدراسية، ومنه سنعمل على البحث في سبل تجسيدها على أرض الواقع. نخص بالذكر كلا من Ph. Meirieu، J-P. Astolfi، A. De Peretti و L. Legrand وما سنقدمه في هذا الباب هو مستمد من عدد من كتاباتهم، والتي سنعمل على تجميعها من أجل الوقوف على سبل تطبيق البيداغوجيا الفارقية وذلك من خلال الإجابة عن تساؤلين رئيسيين: 1. أين يتجلى الاختلاف بين المتعلمين وما هي محدداته؟ سنرى بشكل مقتضب العناصر التي تدخل وتساهم في تنويع التشكلات المختلفة والتي قد نجد عليها تلاميذ الفصل الواحد، وربما من خلالها جاءت فكرة عدم تجانس الفصول الدراسية. إنها القاعدة التي رغم ذلك لازالت بعيدة نسبيا عن الأذهان، حيث نجد أن هناك من يعتقد بأن القسم المشترك أو متعدد المستويات هو من يمكن نعته بهذه الصفة، في حين أن الفصل الواحد (مستوى دراسي معين) هو من سنعتبره متجانسا والحقيقة تبقى على النقيض من ذلك: - المتعلمون ليست لديهم نفس المكتسبات المدرسية؛ - المتعلمون ليس لديهم نفس الرصيد الثقافي؛ - المتعلمون ليست لديهم نفس التجارب؛ - المتعلمون ليست لديهم نفس العادات المرتبطة بالتربية؛ - المتعلمون ليس لديهم نفس النمط المعرفي ونفس استراتيجيات التعلم ونفس النظام الفردي للمناولة؛ - المتعلمون ليسوا جميعا من نفس الجنس؛ - المتعلمون لا يتم تحفيزهم بنفس الطريقة؛ - لكل متعلم تاريخه الخاص... كل هاته العناصر تتضافر لتجعلنا نجزم أن أفراد القسم لن يتأتى لهم الاشتغال بنفس الطريقة وبالتالي سيكون من الغريب أن نتصور أن نوجه لهم نفس الخطاب أو أن نشتغل معهم بنفس الشكل؛ و الأغرب من ذلك هو أن نتوقع أن تكون مردوديتهم جميعا جيدة. ويمكننا أن نعود في هذا الصدد إلى تصانيف برنس . 2. كيف يمكننا تدبير تلك الفوارق حتى لا تصير بمثابة عوائق؟ 1-1 أشكال الفارقية: - الفارقية المتوالية: إنها فارقية على مستوى المقاربات فهي فعلا متعددة ومتنوعة، والتوالي هنا مقصود في اعتماد مقاربة ثم أخرى لكن دائما في خطاب موجه للفصل برمته؛ - الفارقية المتزامنة: إنها فارقية أكثر تعقيدا لأنها تعمل وفق مبدأ أن المتعلمين لا يعملون بنفس الطريقة في نفس الحين، بل المفروض أيضا ألا ينجزوا نفس المهمات، بمعنى أنهم سيشتغلون وفق تعليمات مختلفة وهذه هي الفارقية الحقة. 1-1 مستويات التفريد: سنرى الجوانب التي من الممكن أن يتم على مستواها التفريد وبالتالي تحقيق فارقية التعلمات وذلك من خلال إعطاء تصور واضح عن كيفية الاشتغال وفق البيداغوجيا الفارقية. - التفريد على مستوى الأدوات والوسائل (سمعية- بصرية- يدوية- حسية- تكنولوجيا حديثة...)؛ - التفريد على مستوى الطرق البيداغوجية التي من الممكن أن تكون (عامة- تحليلية- جدلية- منطقية...)؛ - التفريد على مستوى الوضعيات التعليمية: - وضعيات الإنصات التي من الممكن أن نربطها بتساؤلات عالقة في أذهان المتعلمين، كل حسب تصوره وتمثلاته؛ - وضعيات البحث (وضعية-مشكلة، بحث وثائقي) والتي من الممكن استثمارها بما من شأنه أن يعود بعض المتعلمين على البحث ويغني آخرين لكنه قد يصل بالمتفوق إلى مرحلة من البحث أكثر عقلنة. - التفريد على مستوى درجة الإرشاد حيث أنه من الممكن أن تحدد الأهداف في البداية وينطلق الجميع كل حسب مستوى فهمه، فمن الممكن أيضا أن نزج بهم في وضعيات-مشكلة تصل بهم حسب اختلافاتهم كل على حدة إلى المعرفة المراد اكتسابها؛ - التفريد على المستوى العلائقي: يعني الاهتمام بالجانب العاطفي عند المتعلمبن وكذلك شكل العلاقات فيما بينهم إضافة إلى ما يربطهم بالأستاذ لأن الجانب الوجداني له تأثير كبير على الجانب المعرفي؛ - التفريد على مستوى زمن التعلمات: يعد الوقت في نظر الكثيرين عائقا في حين أنه يبقى في واقع الحال موردا ينبغي استثماره بشكل مناسب. والتساؤل هنا حول إمكانية التفكير في جداول حصص متحركة ومرنة من شأنها أن تكسر نمطية التعلمات خصوصا إذا ما ارتبطت بنفس الأيام وبنفس الحصص؛ - التفريد على مستوى التحفيز: يعني كيفية منح الأدوار للمتعلمين في إطار مهمات أو بمعنى آخر البحث عن سبل تحقيق الرغبة في العمل والمتعة لدى كل متعلم وكذلك إعطاء معنى للتعلمات؛ - التفريد على مستوى شكل تنظيم الفصل: يمكننا أن نختار بين العمل مع تلاميذ القسم بشكل جماعي أو بتقسيمهم إلى مجموعتين أو أكثر مصنفة حسب الحاجيات الخاصة (مجموعات التعاون- مجموعات البحث- مجموعات المواجهة- مجموعات التقويم الذاتي...)؛ - التفريد على مستوى أشكال العمل: التميز بين أشكال العمل الكبرى داخل الفصل الدراسي (أوقات عرض الأستاذ- أوقات البحث- أوقات التطبيق- أوقات التقويم...)؛ - التفريد على مستوى التعليمات: التعليمات بإمكانها أن تكون مقحمة للمتعلم أو أن تكون محايدة. بإمكانها أن توجه فرديا أو داخل مجموعات كما بإمكانها أن تكون شفهية أو مكتوبة؛ - التفريد على مستوى أشكال التقويم: تنويع الطرق والوسائل من أجل تقويم ناجع من شأنه أن يمكننا من الوقوف على تقدير حقيقي لقدرات كل متعلم؛ - التفريد على مستوى المحتويات: اعتماد محتويات متنوعة من شأنها أن تمكننا من اكتساب معارف لكن مع ضرورة إعطاء معنى للتعلمات. شركاء البيداغوجيا الفارقية: بيداغوجيا الأهداف: إذا لم يتم تحديد أهداف واضحة ومحددة فلن يكون للتفريد معنى، ليس المقصود هنا هو الهدف بالمعنى الكلاسيكي للمصطلح لكن بتصور يجعله يرقى لمستوى تعاقد مع مجموعات مصغرة لديها نفس الحاجيات وتتقاسم نفس الخصوصيات. - التقويم التكويني: إنها أهم أسس استقامة البيداغوجيا الفارقية، حيث من المفروض أن يكون التقويم في خدمة ارتقاء التعلمات. - بيداغوجيا المشروع: التفريد بمعنى التحمل الفردي لكل متعلم وهذا ما لا يمكننا الحديث عنه إطلاقا في غياب مشروع شخصي للمدرس كمشروع القسم، ناهيك عن ضرورة المشاركة في مشروع جماعي كمشروع المؤسسة. - مبدأ تكاملية المواد الدراسية: سيرورة التعلم بشكلها الدائري المنغلق لم يعد بإمكانها أن تخدم الفارقية لدى المتعلمين، لذلك ينبغي اعتماد مبدأ إلغاء جدران الفصول الدراسية من أجل فتح لقاء مباشر لأكثر من مستوى دراسي في نفس الحين مما سيخلق تفاعلات إيجابية، كما وصفها Xavier René ، تستدعي كل البرامترات على مستوى الشخص كما أنها ستفرض طرقا قد تتناقض في غالب الأحيان des modes hétérodoxes مما ستنتج عنه فارقية بطبيعة الحال. - اعتماد تصور جديد: ذلك لن يتأتى إلا بدحض التصور السائد الذي يجعل من هذه البيداغوجيا أو لنقل يختزلها في مجرد مساعدة أو دعم فردي لمن هو في حاجة إليه. في حين يبقى السؤال المطروح هو كيف سنستطيع المرور إلى تدبير جماعي تراعى فيه الفروقات الفردية بل الأكثر من ذلك كيف سنصل إلى تحفيز التفاعلات التي من شأنها تمكين الاقتراب بشكل أكبر من صيغة التعلم تلميذ/تلميذ، نظرا لمزاياه المتعددة كما جاءت بذلك النظرية السوسيوبنائية ويمكننا في هنا الصدد الرجوع إلى ما أكده فيكوتسكي في باب التعلم بالأقران. سنعتمد تعريفا للبيداغوجيا الفارقية كما جاء به Jean-Michel Zakhartchouk :»لقد ظهرت البيداغوجيا الفارقية كفكر توليفي منفتح: إنها تستدمج كل المميزات التي حملتها مختلف التيارات البيداغوجية بدون نكران لخصوصياتها ولا لطروحاتها بل عملت على تجميعها في تماسك وترابط منطقي لتجعله في خدمة المتعلمين». وسيكون من المجدي أيضا أن نختتم بتصور مشترك لكل من Ph. Meireieu و M. Develay عن سبب ما قد يشوب تحقق هذه البيداغوجيا داخل الفصول الدراسية خصوصا عندما نستحضر ما تعيشه هاته الأخيرة، ناهيك عن ظروف اشتغال العديد من الأساتذة حيث تنعدم أدنى الشروط الضرورية للعمل بشكل سليم. «ليس في وسعنا أن نختار بين ما إذا كنا سنفرد أم لا لأنها تحصيل حاصل نظرا لعدم تجانس الفصول، غير أنه بإمكاننا أن نختار إذا ما كنا سنفرد بطريقة اعتباطية أو سنعمل على تقييدها والوعي بها حتى نتمكن من الاستجابة للأهداف التربوية والاجتماعية التي حددناها مسبقا». *مفتش تربوي