مع نهاية 2016 يكون الاقتصاد الوطني قد وقع على أضعف نسبة نمو لم يشهد لها مثيل منذ 1999 ، حيث لن يتجاوز معدل النمو هذا العام 1.5 في المائة ، وهو معدل هزيل كانت له عواقب وخيمة على الدورة الاقتصادية عموما ، وعلى سوق الشغل بشكل خاص . هذا المستوى الضيف للنمو الاقتصادي لم يسعف في امتصاص جيوش العاطلين التي تزداد سنة تلو أخرى، وهو ما جعل نسبة البطالة ترتفع لتناهز 10 في المائة عموما وتصل إلى 26 في المائة بين حملة الشهادات.. وخلال السنة التي ودعناها لم تتمكن الحكومة من تصريف ميزانيتها بشكل جيد ، وفق ما وعدت به في قانونها المالي ، إذ لم تفلح في تنفيذ العديد من الاستثمارات التي وعدت بها من قبل، وبقيت عشرات الأوراش العمومية التي كان على الحكومة تنفيذها معلقة.. وبينما وعدت الحكومة بإنجاز 64 مليار درهم من الاستثمارات العمومية ، لم تنفذ حتى الآن ، وبالضبط حتى متم نونبر الماضي ، سوى 54 مليار درهم مما وعدت به ، أي بفارق يناهز 10 ملايير درهم دون احتساب شهر دجنبر. وسيتذكر المغاربة 2016 على أنها سنة افلاس المصفاة الوحيدة للبلاد ، سامير حيث أمرت المحكمة التجارية بالدارالبيضاء بالتصفية القضائية الإجبارية للشركة ، وهو القرار الذي جاء لينهي أي أمل في التسوية القضائية لسامسر التي وصلت مديونيتها إلى أزيد من 50 مليار درهم، منها 13 مليار درهم لفائدة الجمارك المغربية، و23 مليار درهم لفائدة المصارف، و12 مليار درهم للممونين. نقطة الضوء في 2016 قد تكون هي الطفرة التي عرفتها صناعة السيارات بالمغرب والتي درت صادراتها ما يقارب 50 مليار درهم، ضمنها 26.6 مليار درهم من السيارات الجاهزة و 18.3 مليار درهم من الكابالات ، أي بزيادة سنوية معدلها 8.5 في المائة، وهو ما يؤكد استمرار المنحى التصاعدي لصادرات هذا القطاع ضمن سلة الصادرات اجمالا ، حيث باتت مداخيل السيارات تفوق بكثير مداخيل الصادرات الفلاحية والصناعات الغذائية للمملكة التي ناهزت في الشهر الماضي 43 مليار درهم ، بينما تراجعت مبيعات الفوسفاط إلى الصف الثالث بأقل من 32.5 مليار درهم ، حسب ما أفادت أخر بيانات مكتب الصرف. سنة اكتساح المغرب الفضاء الاقتصادي لإفريقيا مكنت الزيارات الملكية المكثفة لدول إفريقيا، خلال 2016 من مرور المغرب إلى السرعة القصوى في اكتساح الفضاء الاقتصادي الافريقي ، وقد لقيت هذه الدينامية الجديدة للمغرب بالقارة السمراء تجاوبا كبيرا من طرف جميع العواصم التي نزل بها العاهل المغربي، وهو التجاوب الذي ترجمته عشرات الاتفاقيات والصفقات الهامة الموقعة في شرق القارة كما في غربها.. ويكمن سر التجاوب الإفريقي مع هذه الدينامية التي أطلقها المغرب، في المبادئ البراغماتية والواقعية التي بنى عليها المغرب استراتيجيته لولوج الفضاء الاقتصادي لإفريقيا، والمتمثلة في المصلحة المشتركة التي يخدمها التعاون جنوب-جنوب، ما جعل مبادئ «رابح رابح» و «خيرات افريقيا من أجل إفريقيا» و «التنمية المتكاملة» و «المصير المشترك» .. تشكل عناوين رئيسية لمعظم الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها المغرب مع شركائه الأفارقة. ومن بين الاتفاقيات الاستراتيجية الهامة التي ميزت الجولة الملكية الافريقية في 2016 تلك الصفقة التاريخية التي وقعها المجمع الشريف للفوسفاط في أديس أبيبا ، والتي تهم إنشاء أكبر مركب صناعي مندمج لإنتاج الأسمدة الفوسفاطية في إثيوبيا. وتكمن أهمية الصفقة في كون المركب الصناعي المندمج سيكون بعد إنشائه الأكبر من نوعه في أفريقيا، بعد مركب الجرف الأصفر. وسيكلف إنجازه ، في مرحلة أولى، حوالي 2.4 مليار دولار . ومن المتوقع استثمار مبلغ إضافي قدره 1.3 مليار دولار بحلول عام 2025. إلى ذلك شكل إعلان المغرب ونيجيريا عن إطلاق المشروع الضخم لأنبوب الغاز الذي سيربط بين البلدين مرورا بدول غرب افريقيا، حدثا بارزا و فرصة عملية وواقعية تصب في صالح دول المنطقة برمتها . وقد وصف هذا المشروع بأنه سيشكل عند إتمامه أكبر شبطة أنابيب للغاز في غرب أفريقيا، ومن ناحية الكلفة المالية للمشروع سيتكلف بهندستها كل من الصندوقين الاستثماريين إثمار كابيتال (وصال كابيتال سابقا) وهيئة الاستثمار السيادي لنجيريا ، وسيتم تصميم خط أنابيب الغاز بمشاركة جميع أصحاب المصلحة، وذلك من أجل تسريع مشاريع كهربة جميع أنحاء منطقة غرب أفريقيا . سنة ركود اقتصادي و إفلاس 6400 شركة شهد الاقتصاد الوطني خلال 2016 ركودا محسوسا أرخى بظلاله على العديد من القطاعات الحيوية، و تكالبت حالة الفراغ الحكومي المستمرة منذ أشهر وانحباس الاستثمارات العمومية وتراجع وتيرة الاستثمارات الخارجية على أوضاع المقاولات ، خصوصا الصغرى والمتوسطة ، التي باتت تجد صعوبة في إيجاد صفقات استثمارية لتأمين نشاطها. وفي ظل هذا الركود الاقتصادي تكون 2016 قد سجلت أضعف معدل نمو منذ 1999 حيث لايتوقع أن تتعدى 1.5 في المئة . وبسبب هذا الركود الاقتصادي ، حطم عدد الشركات المغربية التي أعلنت إفلاسها خلال ال12 شهرا الأخيرة رقما قياسيا بعدما وصل إلى 6338 شركة ، وبلغ عدد الشركات التي أغلقت أبوابها منذ يناير إلى متم أكتوبر الماضي -أي في 10 أشهر فقط - 5022 شركة، حسب ما أكده مكتب الدراسات الفرنسي «أنفو ريسك» . وإذا كانت الحكومة المنتهية ولايتها قد وعدت في قانونها المالي 2016 بإنجاز نحو 64 مليار درهم من الاستثمارات العمومية فإنها لم تنفذ حتى الآن ، وبالضبط حتى متم نونبر ، سوى 54 مليار درهم مما وعدت به ، أي بفارق يناهز 10 ملايير درهم دون احتساب شهر دجنبر، ويجد هذا المبلغ الضخم تفسيره في العديد من المشاريع الاستثمارية المتوقفة أو التي برمجتها الحكومة و لم تخرج أصلا إلى حيز الوجود. واتسمت 2016 كذلك بتراجع تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة ، والتي تفيد بشأنها آخر إحصائيات مكتب الصرف، أنها تراجعت هي الأخرى بحوالي 9 ملايير درهم ، حيث تقلصت من 29 مليار درهم في شهر نونبر من العام الماضي إلى 20 مليار درهم في شهر نونبر من هذه السنة. ومع تجلي الآثار الكاملة للجفاف الذي أصاب البلاد في خريف 2015-2016 ، سيكون الناتج الإجمالي المحلي الفلاحي قد تقلص بمعدل 9.5 في المئة عند نهاية السنة قبل أن يسترد عافيته قليلا إلى 8.9 في المئة في عام 2017. سنة الغلاء ..أو عام البصل والعدس على امتداد 2016 شهدت معظم أسعار المواد الاستهلاكية ارتفاعا بلغ معدله 1.7 في المائة، فباستثناء أسعار النقل والمواصلات التي تراجعت بشكل طفيف لا يتعدى 0.3 في المائة ، فإن تكاليف المعيشة في جل القطاعات استمرت في الارتفاع للعام الخامس على التوالي . وفي عام واحد فقط ، قفزت أسعار المواد الغذائية ، حسب ما أكدته أمس أخر إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط ، ب2.8 في المائة حيث انتقل مؤشرها الرئيسي من 123.6 نقطة في نونبر 2015 إلى 127 نقطة في الشهر ذاته من 2016 . ومنذ مطلع العام الجاري شهدت أسعار المواد الغذائية زيادة بواقع 2.7 في المائة لتكون بذلك هي الأكثر تأثرا بموجة الارتفاعات، متبوعة بأسعار المطاعم والفنادق التي ارتفعت بمعدل2.5 في المائة ثم تكاليف التعليم التي ارتفعت هي الأخرى بمعدل 2.3 في المائة بالإضافة الى الزيادات المتفاوتة التي عرفتها كل من أسعار الملابس والأحذية 1.1 في المائة ، وتكاليف السكن والماء والكهرباء والغاز والمحروقات 1 في المائة ، بالإضافة الى أسعار الأثاث والأدوات المنزلية والصيانة العادية للمنزل.. وسيتذكر المغاربة 2016 بسنة اشتعال اسعار البصل وبعدها العدس حيث وصل ثمن البصل في مارس من هذا العام إلى مستويات قياسية لم يعهدها المغاربة خلال السنوات الأخيرة، إذ بلغ ما بين 13 و15 درهما (1,3 و1,5 دولار) للكيلوغرام الواحد سواء في الأسواق الشعبية أو الأسواق الممتازة، رغم أن الثمن في الأيام العادية كان يتراوح بين 2,5 و5 دراهم، ممّا جعل الكثير من المغاربة يقلّلون من استهلاكه. من جهته أثار ارتفاع أسعار العدس في شتنبر الماضي ، موجة غضب وتهكم، لاسيما أن وجباته ظلت بمثابة طعام شعبي متاح بثمن زهيد. وارتفعت أسعار العدس من نحو 15 درهما إلى 30 درهما للكيلوغرام الواحد، في غضون أشهر، مما دفع مستهلكين إلى إبداء غضبهم. وهو ما دفع الحكومة إلى ، اعتماد مشروع مرسوم حول تعليق الرسوم الجمركية على حقوق الاستيراد المتعلقة بالعدس.وهي الطريقة الوحيدة التي ساهمت في الحد من استمرار ارتفاع أسعار هذه المادة.. سنة تفاقم المديونية الداخية ..إلى 500 مليار درهم خلال السنة التي نودعها اليوم، استمرت الحكومة في تعميق هوة الدين العمومي للبلاد ، محطمة بذلك أرقاما قياسية، حيث ستنهي الحكومة ولايتها ل 2016 بمديونية خارجية للخزينة تصل إلى 169 مليار درهم أي بارتفاع يوازي 20 مليار درهم مقارنة مع مستواه في مالية 2015. غير أن ميزة هذه السنة هي افراط الحكومة في الاستدانة من السوق الوطني لترفع بذلك جاري المديونية الداخلية للخزينة إلى حدود 500 مليار درهم بنمو . وكلفت فوائد الدين العمومي إلى غاية نونبر الماضي أزيد من 24.5 مليار درهم، وابتلعت فوائد الديون الداخلية وحدها 21.7 بينما كلفت فوائد المديونية الخارجية 2.8 مليار درهم . وقد ارتفعت نسبة الديون التي يفوق أجلها 5 سنوات ضمن إجمالي الدين الداخلي للخزينة إلى 86 في المئة، وذلك نتيجة ما يسمى «التدبير النشيط للمديونية»، والذي يقضي بتحويل الديون التي يقل أجلها عن عامين إلى ديون يفوق أجلها خمس سنوات. وعرفت المديونية الداخلية للخزينة توسعا بوتيرة قوية مند مجيء الحكومة الحالية، إذ ارتفعت قيمتها بنسبة 53 في المائة، منذ بداية ولاية حكومة بنكيران لتصل إلى قرابة 489 مليار درهم نهاية يونيو، أي ما يعادل حصة 51 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي. ويعزى هذا التوسع في المديونية إلى سياسة الهروب إلى الأمام التي انتهجتها الحكومة في مجال تدبير العجز المتفاقم للخزينة، والذي تمحور، من جهة، حول سياسة التقشف التي قوضت القدرة الشرائية لأوسع الشرائح الاجتماعية وعرقلت محركات النمو الاقتصادي، ومن جهة ثانية، إلى الاعتماد الحصري على المديونية بعد خنق قنوات إنتاج الثروة والدخل بسياسات التقشف. أما بالنسبة للعام 2017 فقد رخص مشروع القانون المالي، الذي مازال ينتظر المصادقة عليه، باقتراض 70 مليار درهم إضافية منها 43 مليار درهم من السوق الداخلي و 27 مليار درهم من الأسواق الدولية ، ما سيرفع كلفة خدمة الدين العمومي للبلاد ويستنزف الميزانية بشكل أكبر علما أن ميزانية السنة المقبلة ستخصص 73 مليار درهم لتسديد الدين العمومي 27 مليار درهم منها عبارة عن فوائد وعمولات، ما يمثل أزيد من 3 مرات ميزانية الاستثمار المخصصة لوزارة الفلاحة. وحوالي نصف ميزانية الاستثمار في الميزانية العامة.