" إنه أكبر سوق عشوائي " هكذا وصف أحد التجار سوق الجملة للخضر و الفواكه بمراكش ، الذي وجد وضعه يناقض مطلقا كل ما روجه عنه المسؤولون باعتباره أكبر سوق نموذجي . هذا التاجر يجد أنه سوق كبير نموذجي في عشوائيته التي لا حد لها ، و التي لا تناسب مدينة سياحية بسمعة كبيرة كمدينة مراكش . سوق الجملة للخضر و الفواكه بمراكش ، ظل منذ سنين مثالا كبيرا لمظاهر الفوضى و التسيب و العبثية ، التي تنخر الكثير من المرافق الحيوية التابعة للجماعة ، و مبعث خيبة كبيرة لدى الآملين في الإصلاح، لأن كل الخطوات التي سوقت تحت هذا الشعار تحولت إلى نقيض هدفها ، و شكلت مصدرا ثمينا لزيادة ثراء الذين يرغبون في الاغتناء السريع بشكل غير مشروع . ويضيف نفس التاجر الذي يرأس جمعية مهنية ، "أن فساد الوضع العام بسوق الجملة للخضر و الفواكه بمراكش ، يقدم ملامحه الأولى من التردي الكبير على مستوى الخدمات الأساسية خاصة على مستوى النظافة التي تعكس نفسها في مشاهد الأزبال و القذارة التي تمتزج بمختلف فضاءاته، مترجمة حالة من الإهمال لمرفق يقدم لساكنة المدينة و وضيوفها أهم مورد للتغذية و هو الخضر و الفواكه . تضاف إلى ذلك مظاهر أخرى ، كانتشار حواف البيع بالتقسيط، و غيرها" . ملفات ثقيلة سوق الجملة بمراكش ، هو أيضا ملفات كبيرة من تبديد المال العام بغلاف مالي جد منتفخ يناهز الملايير من الأموال المنهوبة . و كان ملف إنجاز السوق بحي المسار أحد أكبر هذه الملفات التي سبق أن أثارت تفاعلات كبيرة من قبل المجتمع المدني ، و نقلته الهيئة الوطنية لحماية المال العام حينها إلى القضاء قصد التحقيق فيها و تقديم المتورطين فيه أمام العدالة . هذه القضية تعود إلى الولاية الجماعية ماقبل السابقة على عهد العمدة عمر الجزولي ، حين تم التصويت على مقرّر بإحداث سوق الجملة للخضر والفواكه بتجزئة المسار على مساحة تقدر بأربعة عشر هكتارا، وذلك من أجل تجاوز المشاكل التي كان يطرحها السوق القديم بباب دكالة، بسبب الكثافة التي تعرفها حركة السير وتأثيرها السلبي على المحيط البيئي. و حسب شكاية هيئة حماية المال العام، فقد كلف هذا المشروع مالية الجماعة مبلغا وصل إلى 9 ملايير و600 مليون سنتيم، وهو المبلغ الذي فاق كثيرا التكلفة التقديرية، التي كانت محددة في 6 ملايير و400 مليون سنتيم، رغم أن العديد من المرافق لم يتم بناؤها بعد تعديل التصميم الأصلي للمشروع، الذي لم تسو الوضعية القانونية للعقار المشيد عليه.كما أن الجماعة الحضرية تحملت نفقات إضافية لم تكن مبرمجة، «إذ تم أداء أتعاب لفائدة المهندس المعماري المكلف دون أن يستحقها فعلا، وتحمّلت نفقات مترتبة عن إصلاح عيوب في الأشغال المنجزة، التي لم تكن في أغلب الأحيان مطابقة للتصاميم، ولم تستجب للمواصفات التقنية المطلوبة». مظاهر العبث التي لازمت مشروع إنجاز سوق الجملة للخضر و الفواكه بحي المسار ، تجلت بقوة في المشاكل التي يتخبط فيها السوق و التي يكمن أهمها في عدم تسوية الوضعية القانونية للعقار الذي أقيم عليه المشروع، حيث أن المجلس الجماعي شرع في أشغال البناء قبل اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه مالكي العقار، إذ لم يتخذ المجلس قرار نزع الملكية إلا خلال دورته الاستثنائية المنعقدة بتاريخ 7 يونيو 2006 شمل تسع قطع أرضية بتجزئة المسار 2 بمساحة إجمالية تقدر بهكتار واحد. وأن مجلس المجموعة الحضرية لمراكش قد سبق له خلال دورته المنعقدة بتاريخ 28 أبريل 2003 أن اتخذ قرارا يقضي باقتناء ست قطع أرضية كائنة بمنطقة سيدي غانم التابعة للمؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء التي حلت محلها شركة "العمران" من أجل توسيع الوعاء العقاري لبناء السوق واستكمال انجازه، ولم يتم تفويت هذه القطع لفائدة المجلس الجماعي إلا بتاريخ 11 فبراير 2009، كما أن مجمل الصفقات التي أبرمها المجلس الجماعي بمراكش لإنجاز السوق لم تتقيد بقواعد تنفيذ الصفقات العمومية، حيث تم الشروع في إنجاز الأشغال موضوع هذه الصفقات قبل تاريخ انعقاد جلسة فتح الأظرفة، ويتعلق الأمر بالصفقة رقم 121/05 المتعلقة ببناء قاعة لبيع الخضر الشطر "أ"، إذ تم البدء في تنفيذ هذه الصفقة بتاريخ 21/09/2004، وهو تاريخ سابق لموعد انعقاد جلسة فتح الأظرفة 13/06/2005 ولتاريخ مصادقة السلطة الوصية على الصفقة بتاريخ 28/11/2005 ولتاريخ الأمر ببدء الأشغال في 28/11/2005، خلافا لما تشير إليه مقتضيات المادة 78 من المرسوم رقم 206388 الصادر بتاريخ 5 فبراير 2007 الخاص بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة. شكاية هيئة حماية المال العام أكدت أن المجلس الجماعي عمد إلى هدم محلات تجارية بقاعة بيع الفواكه وكلفت هذه العملية ما مبلغه 49063434 درهما، وأن جميع الصفقات المتعلقة بإنجاز السوق قد شابتها اختلالات قانونية ومالية وإدارية أدت إلى الوضع الكارثي الذي يعيشه السوق حاليا. كما أن المبالغ المالية أنفقت بشكل غير واضح، حيث تحمل المجلس بشكل غير مفهوم نفقات مترتبة عن إصلاح عيوب في الأشغال المنجزة والتي لم تكن في أغلب الأحيان مطابقة للتصاميم ولم تستجب للمواصفات التقنية المطلوبة، إذ أن الأشغال المتعلقة ببناء القاعة "د" المخصصة لبيع الخضر والفواكه الموسمية والفواكه الجافة والمنجزة من طرف شركة "إك" في إطار الصفقة رقم 142/07/م.ج. لم تنفذ وفق التصاميم الموضوعة من طرف المهندس المعماري. مسلسل متعدد الحلقات ملف إنجاز سوق الجملة بحي المسار ، كان حلقة في مسلسل متواصل لتبديد للمال العام الذي يمتزج ببهارات نهبه التي لا يخفى طعمها على أحد . فقد سبق لهيئة حماية المال العام أن نبهت في شكاية لها ، إلى أنه وبينما لم تتطور المداخيل سوى ب 9 في المائة ما بين سنوات 2006 و2009، انتقلت إلى حوالي 44 في المائة خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2010، أي بزيادة بلغت أكثر من 787 مليون سنتيم، أي إن أكثر من مليار و560 مليون سنتيم كانت تضيع سنويا، وهو ما اعتبرته الهيئة «جريمة هدر وتبديد للمال العام واغتناء غير مشروع». بعدها ، انتقلت فضيحة أخرى إلى الواجهة ، إثر ضبط موظفين سمحوا بدخول ثلاث شاحنات إلى السوق دون تسجيل وزن حمولتها، و هو ما دفع بجمعية مهنية إلى نقل هذه النازلة إلى العدالة عبر شكاية توثق لحجم الاختلالات المماثلة و التي يقدر غلافها بأزيد من ملياري سنتيم سنويا من الأموال العمومية المنهوبة نتيجة حالة التسيب التي تسود سوق الجملة . من باب دكالة إلى حي المسار يمضي سوق الجملة للخضر و الفواكه بمراكش ، في تاريخ متواصل من" الفساد و النهب" غارقا في حالة من التسيب و العشوائية التي لم يشفع معها تغيير موقع السوق . ففي هذا المكان كل الناس يشتكون التجار و الزبناء و أرباب وسائل النقل و سكان المناطق المحيطة به و حتى بعض المسؤولين، و لم تنفع في وضع حد لاختلالاته لا التحقيقات التي فتحت من قبل القضاء و لا المتابعات و لا التغيير الجزئي في أسماء بعض المفوض لهم الإشراف على تدبيره ، ففي ظل كل ذلك حافظ السوق على وظيفته بالنسبة لبعض الأفواه الشرهة كبقرة حلوب تمول بشكل متواصل مشروعا لا يتوقف من الاغتناء غير المشروع .