لا أحد يربيه الشك في كون رهانات إصلاح المنظومة التربوية- قصد تحقيق الجودة التعليمية- قد اصطدمت تحضيراته و تطبيقاته كثيرا على أرض الواقع، أمام غول تكديس الحجرات الدراسية، الذي أرخى بظلاله المخيفة و ثقله المقيت على ثلاثة عناصر محورية في تشكيل و صياغة العملية التدريسية الناجحة. ويتعلق الأمر أولا ب « المدرس « . إذا كانت الإدارة التربوية غير معنية بعملية تكديس الحجرات الدراسية – وذلك انسجاما مع روح إستراتيجية تعميم التمدرس من جهة و تنفيذا للمذكرات الوزارية و الجهوية و الإقليمية من جهة أخرى – فإن الفاعلين التربويين تصدعوا كثيرا ( نفسيا و عمليا) من هول هذه الفيضانات البشرية التي اجتاحت حجرات مؤسساتنا التعليمية ، مما تسبب في اتلاف مخططات ومشاريع تربوية كبرى" ك: مدرسة النجاح، مشروع بيداغوجيا الإدماج و تحقيق الجودة التعليمية. ويهدد – الى يومنا هذا – بإفشال باقي الاستراتيجيات و التدابير البيداغوجية المختارة و على رأسها " التحكم في اللغات و تجويد التعلمات وإرساء القيم الانسانية الكونية وفي مقدمتها : قيم التسامح والتعاون و الانفتاح. إذ كيف يمكن تطبيق بيداغوجيا الإدماج و بالتالي تحقيق كفايات(أساس و عرضانية) في حجرات تئن بالتزاحم و التدافع؟ و الحال، أن من جملة الإشكالات التي دفعت بالشغيلة التعليمية نحو الانخراط في كل الإضرابات التي تدعو إليها المنظمات النقابية ، سواء منها المشاركة في الحوار الاجتماعي أو المستقلة هناك: – مراجعة نظام التقاعد و ملاءمته بما ينسجم مع كرامة معاشات الاستاذ المغربي, الاحتفاظ بنسبة 2.5 على الأقل , الزيادة في الاجور ,تحسين الوضعية الاجتماعية تماشيا مع التحولات الاقتصادية و الإجتماعية و الثقافية التي يعرفها العالم , تفعيل مضامين اتفاق 26 ابريل 2011 كاملة غير منقوصة, استمرارية اغراق الحجرات الدراسية بالاكتظاظ , إثقال كاهل المدرسين بمذكرات وزارية جديدة أي القيام بمهام و مسؤوليات إضافية . ثانيا : المتعلم ,لا نبالغ إذا قلنا: أن نفسية المتعلم أزهقت- عفوا أرهقت- لكثرة الاكتظاظ الذي تعرفه حجرته الدراسية، و حتى أضحت شهيته مفقودة في تحصيل المعلومات و التعلمات ، مادام غير مرتاح و لا مستقر الوجدان و البال. وغني عن التذكير، أن من أهم شروط تكيف المتعلم مع حجرته الدراسية و المدرس و أصدقاء القسم و المادة المدرسة هناك: حصول الانسجام و الرغبة الداخلية في التحصيل و الاستقرار النفسي و الوجداني, إذ بقدر ما تتحقق هذه الشروط ، ينخرط المتعلم في أوراش العمل و الدراسة عن حب و ودافعية . و بقدر ما تغيب هذه المستلزمات ، تظهر ملامح النفور و مؤشرات الملل و التوتر النفسي لديه. وبناء على ماسبق أقول:إن اتساع الفضاء المدرسي، و قلة المتعلمين إلى حدود (30 تلميذا) في الحجرة الدراسية الواحدة ، و خلق نظام التخصصات بمؤسساتنا التعليمية الابتدائية : ليعد مدخلا أساسيا ليس فحسب لمعالجة اختلالات الاستيعاب و اكتساب الموارد و المهارات و الكفايات المستهدفة لدى متعلمينا ، و انما لكافة المستلزمات المحورية المتبقية لتحقيق النهوض الشامل لمدرستنا الوطنية. ثالثا: الحجرة الدراسية, حتى تحقق العملية التدريسية نجاحها و مقاصدها الكبرى، لا بد من توفير حجرة دراسية تتوفر فيها شروط الفعل التربوي و مستلزمات الفعل التعلمي, بدءا بالنظافة و الإنارة والتهوية الصحية و التجهيزات الكاملة: مقاعد مريحة ووسائل ديداكتيكية و جدران ملونة و مشاجب لملابس التلاميذ التي تصبح ضرورية في فصل الشتاء. إذ لا خير في حجرات دراسية تنعدم فيها التهوية و النظافة و الإنارة و لو كان عدد المتعلمين بها قليل. إن الحجرة الدراسية - شئنا أم أبينا- تظل الركيزة الأساسية لاستمالة المتعلم نحو الالتفاف حول المعرفة بشراهة، تماما كما تثير مائدة الطعام شهيته و فضوله في معرفة من وراء صناعة هذه الوجبة اللذيذة. * ترى إلى أي حد يمكننا الحديث عن جودة التعلمات في خضم استمرار حياة الاكتظاظ بحجراتنا الدراسية؟ *مهتم بشؤون الطفولة