تواصلت فعاليات الدورة 16 من مهرجان الفيلم الدولي بمراكش في يومها السادس بتكريم السينما الروسية وهي ضيفة شرف هذه الدورة.. وكانت مناسبة للتعرف عن قرب على الفن السابع بهذا البلد.. الوفد الروسي بلغ عدد أفراده27 من ممثلات وممثلين ومخرجات ومخرجين ومنتجين يتقدمه رئيس الوفد كارين شاخنازاروف وهو مخرج ومنتج وسيناريست.. الذي عبر عن سعادته لتكريم السينما الروسية في أرض المغرب، شاكرا المنظمين على هذه الالتفاتة، وأبرز بأنه رغم بعد المسافة بالقارات والتقاليد والثقافات.. إلا أن هناك مشتركا إنسانيا يستوعبه الجمهور من خلال لغة السينما التي تقلص كل المسافات من خلال مواضيع الأمل واليأس والهزائم والانتصارات والحب والعاطفة أيضا. وقال بأن قيمة الصداقة والأخوة أغني من الثروة.. اليوم السادس تواصلت فيه أيضا عرض الأفلام المشاركة في المسابقة، حيث كان الجمهور على موعد مع الفيلمين « سكين في مياه صافية» للمخرج الصيني «وانغ كسييبو» وفيلم « ميستر إينيفيرسو» من إخراج مشترك للمخرجة الإيطالية «تيزا كوفي» والمخرج النمساوي « ورينر فريمل» يتحدث الفيلم الصيني أنه في قرية نائية في جبال محافظة نينغشيا، ينعي العجوز ما زيشان زوجته المتوفاة حديثا والتي كان كل أهل القرية يحبونها. بمناسبة تخليد الذكرى الأربعينية لوفاتها يود ابنهما أن يذبح الثور الوحيد الذي تمتلكه العائلة، لا يبدي ما زيشان أي اعتراض على رغبة ابنه، لكن حزنه الشديد والحب الذي يكنه للحيوان الذي عمر لديهم طويلا جعلاه مترددا إلى غاية اليوم امتنع فيه الثور عن الشرب والأكل، كما لو أنه شعر بأن موته وشيك.. أما الفيلم النمساوي/الايطالي فيحكي عن الشاب تايرو مروض الأسود الذي تنتابه حالة من الحزن الشديد فاتخذ من فقدان تميمة حظه ذريعة للذهاب في رحلة عبر إيطاليا بحثا عن أرتو روبين وهو بطل سابق في كمال الأجسام كان قد منحه إياه منذ مدة طويلة.. السينما الروسية كما كتب عنها «جويل شاربون» المتخصص في السينما الروسية رغم وجود مخترعين كبار من الروس في مجال الصورة المتحركة، فإن الفرنسيين هم من فرضوا أجهزتهم ومعداتهم الخاصة في المجال من خلال قيامهم بأول عرض سينمائي في سانت بتيرسبورغ يوم 4 ماي 1896، وكان ماكسيم كوركي أول كاتب في العالم علق على هذا الحدث الجديد في شهر يوليوز من سنة 1896. قام لوميير، ومن بعده كومون وباطي سنة 1904، بعرض الصور الوافدة من فرنسا وبتصوير الأحداث الكبرى. وشهدت سنة 1908 حدث إخراج أول فيلم روائي روسي بعنوان «ستينكا رازين» لألكسندر درانكوف. وفي سنة 1910، قامت نحو خمسة عشر شركة بإنتاج أفلام سينمائية، ومنها من قام كذلك باستيراد وتوزيع أفلام أجنبية. عشية الحرب العالمية الأولى، كانت في روسيا ما يقارب 1400 قاعة للفرجة السينمائية، وكان إنتاجها من الأفلام يناهز المائة. لكن منذ سنة 1914، بدأت الشركات الأجنبية تغادر البلاد، وشرعت حكومة القيصر في تولي مهمة إنتاج الأفلام الدعائية. وفي خلال فترة النزاع على السلطة، أعلن كل من ياكوف بروتازانوف وفلاديمير كاردان وايفان موسجوكين عن بداية مسار مهني حافل. مع صعود البلاشفة إلى الحكم في أكتوبر من سنة 1917، تعطلت حركة القطاع السينمائي برمته، ولأنها كانت رهينة الخارج، بحيث لم يحدث أن صنعت من قبل كاميرات للتصوير ولا أشرطة فيلمية، فقد توقفت روسيا عن أي نشاط في مجال الفن السابع، ووجد العديد من المخرجين أنفسهم أمام لازمة مغادرة البلاد، كان ذلك شأن جوزيف ارمولييف، وموسجوكين، وبروتازانوف -الذي عاد لاحقا-، فاستطاعوا أن ينالوا في بلدان المهجر الحظوة المفقودة. في العام 1919، صدر قرار تأميم قطاع السينما، وتم تأسيس أول مدرسة للسينما في العالم (المعهد العالي للسينما بموسكو VGIK)، وأصبحت السينما من ذلك الحين الوسيلة الرئيسية للاتصال والتثقيف والدعاية، وهو قرار انخرط فيه كذلك السينمائيون الطلائعيون أمثال بوريس بارنيت وليف كوليشوف. وجاءت السياسة الاقتصادية الجديدة التي أقرها لينين سنة 1922، فخففت من وطأة الخناق، وأعلنت ميلاد قطاع خاص سينتج لاحقا أعمال بارنيت وبروتازانوف و فسيفولود بودوفكين، فيما نتج عن سينما الدولة فيلم الإضراب لسيركي ايزنشتاين، وخرج في نفس الفترة كذلك فيلم المدرعة بوتيمكين لأيزنشتاين، و ثلاثة في الطابق السفلي لأبراهام روم، و ملكة جمال ميند لبارنيت وفيدور اوزيب، فكان حضور الأفلام الطلائعية جنبا إلى جنب مع أفلام التيار التقليدي (النسر الأبيض لبروتازانوف)، والأفلام التاريخية، وتلك التي تتناول موضوعات الحياة اليومية الصبية ذات القبعة من كرتون لبارنيت) وكذا الأفلام الوثائقية (دزيكا فيرتوف)،كما يعود إلى نفس هذه الحقبة تاريخ النظريات الكبرى حول المونتاج، وسينما «الواقع». ومنذ أواخر عقد العشرينات من القرن الماضي، كان للاستحواذ الإيديولوجي الذي عاشته البلاد في عهد ستالين أثره على السينما التي «يجب أن يستوعبها الملايين»، وباتت السينما الطلائعية التي يحملها سينمائيون من قبيل كوليشوف وفيرتوف وايزنشتاين تعتبر «نخبوية». ومع ذلك، فقد كان لوصول السينما الناطقة ولتركيز السلطة أثره الواضح على عمل الاستوديوهات وتنظيمها. وفي الفترة ما بين 1932و 1934، فرضت الحركة الواقعية الاشتراكية نفسها، لكن النموذج الهوليودي ظل يثير الإعجاب. وتميز عقد الثلاثينات بأفلام الكوميديا الموسيقية، من ذلك أفلام كريكوري ألكسندروف (الربيع) وإيفان بيرييف، والأفلام «النفسية» مع مارك دونسكوي، وأفلام الحياة اليومية مع ليونيد تروبيرك وكريكوري كوزينتسيف، إضافة إلى الأفلام الملحمية. ومنحت فترة ما بعد «التطهيرات الستالينية الكبرى»، الحياة للشخصيات التاريخية الكبرى التي مجدت الروح الوطنية والقومية كفيلم بيير الأكبر لفلاديمير بيتروف، و ألكسندر نيفسكي و إيفان الرهيب لأيزنشتاين، و سوفوروف لبودوفكين، وذلك في مواجهة تصاعد الفاشية في أوروبا والشرق، وأعادت الحرب الحياَة للأفلام الوثائقية من إنجاز دونسكوي وفيرتوف وألكسندر دوفجينكو؛ فيما سادت في فترة ما بعد الحرب أفلام تمجد الحاكم ستالين من قبيل سقوط برلين لميخائيل تشياوريلي، كما تميزت هذه الحقبة بتقلص كبير في عدد الإنتاجات السينمائية. بعد هدنة 1955-1956، استعادت وتيرة الإنتاج إيقاعها السابق،وُفكت القيود،وأصبح الفرد مرة أخرى في مركز الاهتمام. وبعد العودة من الحرب، نقل كل من كريكوري شوخراي بفيلم «نزهة الجندي»، وسيركي بوندارتشوك بفيلم «مصير رجل»، ويوري اوزيروف من خلال فيلم «التحرير»، صورا للمحن التي عاشوها. لكن شاعرية السينما، وإلهام الممثلة تاتيانا سامولوفا، وبراعة المصور سيركي اوروسيفسكي منحت لميخائيل كالاتوزوف التتويج بالسعفة الذهبية لمهرجان كان، الوحيدة إلى غاية اليوم في تاريخ السينما الروسية، وذلك من خلال فيلم «حين تطير اللقالق» سنة 1958. ومع ذلك، وبالرغم من استمرار العراقيل الإدارية والإيديولوجية، وتنوع أوجه التضييق التي وصلت درجة دعوة الكرملين لمساءلة (مارلين خوتسييف من أجل فيلم «أنا في العشرين من عمري»، والمنع من مزاولة المهنة (ألكسندر اسكولدوف عن فيلم «المفوضة»)، مرورا بفرض إعادة المونتاج، أو بتر بعض المشاهد، أو تغيير الحوارات، أو تأخير خروج الفيلم، أو المنع من حضور المهرجانات بالخارج، أو حذف أسماء من الجينيريك. بالرغم من ذلك كله، تمكن كل من أندري تاركوفسكي (طفولة ايفان، و اندري روبليف)، واندري كونشالوفسكي (المعلم الأول و سيبيرياد)، وسيركي باراجانوف، واليكسي كيرمان، وكيرا موراتوفا، ولاريسا شيبيتكو، وتولوموش اوكييف، ونيكيتا ميخالكوف (5 أمسيات، مقطوعة ناقصة للبيانو الميكانيكي)، وايليم كليموف (تعالى وانظر)، وغليب بانفيلوف (موضوع)، واوتار ايوسيلياني، وعلي خامراييف ويوري نورستاي، تمكنوا من تدوين أسمائهم في قائمة عمالقة السينمائيين من عقد الستينيات والسبعينيات، رغم أنه في بعض الأحيان لم يتم الكشف على أعمالهم إلا بعد البيريسترويكا. وأصبحت السينما أكثر الأشكال الفنية ترفيها (20.00 شاشة سنة 1965 و4,7 مليار متفرج في الاتحاد السوفياتي سنة 1970). وفي نهاية عقد السبعينيات اتسعت الهوة بين الصورة التي رسمها السوفيات عن سينماهم (الشعبية) وتلك التي كونها عنها الغرب (سينما المؤلف) وذلك بالنظر لاختيارات المهرجانات الدولية، حيث كان النصيب الأكبر لمن يعانون من تضييق الرقابة، وذلك نظرا لتدهور صورة الاتحاد السوفياتي في الخارج (التدخل العسكري السوفياتي في براغ، السباق نحو التسلح، غزو أفغانستان، مقاطعة الألعاب الأولمبية)، وهي هوة لم يتم تقليصها بعد، إذ مازالت السينما الروسية المعاصرة تعاني من نفس هذه الازدواجية. وأفسد مجيء البيريسترويكا بريق الإيديولوجيا والإنتاج والتوزيع والاستغلال، وأبعد مؤتمر اتحاد المخرجين السينمائيين الذي انعقد في شهر ماي من سنة 1986 الحرس القديم، ومهد الطريق للإصلاحيين. فأظهر فاسيلي بيتشول من خلال فيرا الصغيرة، ويوريس بودنييكس من خلال «هل من السهل أن تكون شابا»، وتنكيز ابولادزي من خلال «التوبة»، والكسندر سوكوروف من خلال «صوت الإنسان الوحيد»، و «أم وابن»، وكارين شاخنازاروف من خلال «المدينة الصفر»، ونانا دجودجازي من خلال «روبنسوناد»، صوراً كان ممنوعا إظهارها من قبل، وعالجوا موضوعات كانت في عداد المحظورات؛ كالمخدرات، والجنس، ومعسكرات العمل القسري، والفقر، والحياة في الأرياف، والستالينية، واللغة غير المهذبة ...، ومنحوا السينما الروسية صورة جديدة وجعلوها تجاريةُ تصَّدر خارج الحدود. وفي فترة تفكك الاتحاد السوفياتي خلال سنتي 1990-1991، صورت أفلام بافيل لونكين (تاكسي بلوز)، وفيتالي كانيفسكي (لا تتحرك، مت، وأحيا من جديد)، وليديا بوبروفا (أنتم أيها الأوز !) مرحلة انهيار المجتمع. واستمر هذا النهج طيلة سنوات التسعينيات، حين حققت «أفلام تبييض الأموال» رواجا كبيرا. لكن الفوضى الناتجة عن اختلال النظام كان من نتائجها تقليص أعداد مرتادي القاعات (في سنة 1998، لم يعد هناك سوى 6 قاعات فقط بمعايير تقنية دولية، وبمجموع لا يتعدى 38.6 مليون من المتفرجين). ولم يعد بمقدور المخرجين إنجاز أعمالهم إلا من خلال الإنتاجات المشتركة (خاصة مع فرنسا)، من ذلك نيكيتا ميخالكوف (المنهكون من الشمس)، وإلكسي كيرمان (خروستاليوف، هيا بالسيارة) وإيفان ديخوفيتشني (موكب موسكو)، وفاليري تودوروفسكي (كاتيا إسماعيلوفا)، وألكسندر سوكوروف (السفينة الروسية)، وظهر منتجون مستقلون استطاعوا أن يجدوا التمويل لأفلام كبرى مثل الأخ لأليكسي بالابانوف، و سجين الجبال لسيركي بودروف. ولم تعرف السينما الروسية انتعاشتها الحقيقية في جميع فروعها إلا في سنة 2004 مع خروج أول فيلم لقي إقبالا جماهيريا كبيرا هو «ساعة ليلية» لتيمور بيكمامبيتوف، والذي حظي بدعم من القناة التلفزيونية الأولى. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الأفلام الكوميدية وأفلام الحركة تحقق جزءا هاما من عائدات السوق الوطنية يتراوح ما بين 15 إلى 25م، مما سمح بهيكلة قطاع التوزيع والاستغلال (190,7 مليون متفرج، و 4021 شاشة للعرض في العام 2015)، واستمرت أفلام سينما المؤلف في تسجيل حضورها المتميز في المهرجانات الدولية الكبرى، خاصة منذ الأسد الذهبي لأندري زفياكينتسيف الذي ناله عن فيلم «العودة» (مهرجان البندقية لسنة 2003) وجوائز مهرجان كان التي نالها «ايلينا» (2011) و «الطاغوت» (2014)، و«الأحمق! « ليوري بيكوف (مهرجان لوكارنو سنة 2014)، و«الليالي البيضاء لساعي البريد»(مهرجان البندقية سنة 2014) و «الجنة» (مهرجان البندقية سنة 2016) لأندري كونشالوفسكي. في سنة 2013، أقرت الدولة الروسية إصلاحا جديدا لنظام تمويل السينما، حيث أعادت وضع اليد على القطاع، وفرضت مزيدا من الرقابة على محتويات الأفلام التي يجب أن تنسجم والصورة التي تريد السلطة أن تقدمها عن البلاد. وبين أفلام الفرجة التي تجد صعوبات كبرى للذهاب خارج الحدود، وأفلام سينما المؤلف التي تلقى الحظوة الكبرى لدى الجماهير والمهرجانات الأجنبية، والتي تبقى مغمورة في الداخل، مازالت السينما الروسية تحيا حياة مزدوجة، من دون آفاق تعطي الأمل في التغيير.