فوز واسع وواضح لفرنسوا فيون على ألان جيبي في الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط. وهو فوز كبير بنسبة 66.5 في المئة ليتفوق على غريمه الذي لم يحقق إلا 33 في المئة. وهو اختيار واضح لما يمثله المرشح الفائز من يمين تقليدي ومحافظ في عائلة اليمين الفرنسي المتعددة. هذا الفوز، له أكثر من دلالة ، منها نجاح عائلة اليمين والوسط لأول مرة في اختيار مرشحها عن طريق الانتخابات التمهيدية، والتي شهدت نجاحا كبيرا، من حيث نسبةُ المشاركة، أي أكثر من 4 ملايين مشارك. اختار اليمين رجلا له اختيارات اقتصادية جد ليبرالية، وسياسة للحد من النفقات العمومية، و من عدد الموظفين، والخدمات العمومية التي تميزت بها فرنسا، ورفع ساعات العمل من 35 إلى 39 ساعة. والدلالة الأخرى، هي أن اليمين والوسط خرجا موحدين وراء مرشح واحد بدل اليسار الذي يعاني من التشتت، وتعدد المرشحين، ووضعية صعبة للمرشح الطبيعي لليسار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند. هذا النجاح لليمين الكلاسيكي بفرنسا، جاء بعد سلسلة من الكتب والمظاهرات، هذه الكتب التي لقيت نجاحا كبيرا، كانت كلها مرتبطة بالهوية القديمة لفرنسا،وذات منحى رجعي، منها كتب تبكي وتحن للعودة إلى نظام فيشي المتعاون مع النازية و للماضي الاستعماري لفرنسا، وأخرى تعتبر فرنسا ا نهارت وتراجعت كقوة بالعالم. فرنسوا فيون، هو أيضا مرشح الجمعيات الكاثوليكية، التي تظاهرت –بقوة- طيلة فترة حكم فرنسوا هولند، ضد الإصلاح العائلي، الذي يسمح للمثليين بالزواج وتبني الأطفال. وفي الوقت نفسه، فشل مرشح «الهوية السعيدة»، وفرنسا التعدد الثقافي، وفرنسا الدغولية التي يمثلها ألان جيبي الذي لم يتمكن من الحصول سوى على ثلث أصوات عائلته السياسية. هذا الطرح، يحاول إعطاء صورة عصرية عن اليمين الفرنسي، وجعله أكثر انفتاحا على طريقة جاك شيراك، الذي كان رمزا لهذا التوجه الذي كان ألان جيبي، هو ممثل وركيزة هذا التوجه. مرشح اليمين، كان مقربا من الجمعيات الكاثوليكية التي تقترح نموذجا واحدا للعائلة ، جمعية «مانيف بور توس» التي كانت ضد الزواج للجميع، والتي تناضل ضد زواج المثليين وحقهم في تبني الأطفال، وقد نظمت تظاهرات كبرى بباريس طيلة فترة حكم اليسار. ومن أهم أهداف مرشح اليمين الواضحة، دعم الهوية الوطنية، القضاء على نظام التأمين الاجتماعي العام،وبناء فرنسا اقتصاديا واجتماعيا على طريقة ماركريت تاتشر، الحد من الخدمات العمومية من مستشفيات، والمساعدات الاجتماعية، والحد من مختلف الخدمات، التي كان يقدمها القطاع العام، والحد من النفقات العمومية، المطالبة بإعادة كتابة التاريخ، وموقف متشدد من الإسلام. هذه الانتخابات التمهيدية، التي طالب بها فرنسوا فيون، تمكن من النجاح فيها، رغم أن الاستطلاعات، لم تكن في صالحه في البداية، و كانت لصالح ألان جيبي، متبوعا بنيكولا ساركوزي الذي أقصي بدوره في الدور الأول، وهو إقصاء شكل مفاجأة كبيرة لجميع المتتبعين للحياة السياسية بفرنسا. اليمين المتطرف الفرنسي بزعامة مارين لوبين، تابع -عن كثب- هذه الانتخابات التمهيدية، وتجد زعيمته نفسها، في وضعية صعبة، وهي أنى نجاح زعيم مرشح اليمين، لم يكن منتظرا بعد أن كان هذا الحزب ينتظر نيكولا ساركوزي بصبر فارغ، وكل الحملة الإعلامية كانت جاهزة في هذا الاتجاه. وفرنسوا فيون، ممثل اليمين والوسط، يطرح صعوبات عدة لمارين لوبين، لوجود عدد من أوجه الشبه بينهما:فهو محافظ، وقريب من الجمعيات الكاثوليكية التي ناضلت ضد الزواج للجميع، الذي طبقته حكومة اليسار، هذا إلى أن مرشح اليمين ليس ضده أي متابعة قضائية مثل المتابعات التي يعاني منها ساركوزي، وهو ما يسهل الهجوم عليه، ويسهل الخطاب الشعبوي لليمين المتطرف. إن «السياسيين فاسدون كلهم «، لكن فريق لوبين غيّر استراتيجيته، واعتبر أن فيون، هو مكسر النظام الاجتماعي بفرنسا، إشارة إلى الإصلاحات التي يقترحها، إلى إلى قربه الكبير من روسيا، مثل مارين لوبين، ودعوته إلى الانفتاح على النظام السوري. فرنسوا بايرو، الذي يمثل الوسط الفرنسي، من المنتظر ،هو الآخر، أن يترشح في هذه الانتخابات الرئاسية المقبلة. وهو ما يمكن أن يطرح عددا من الصعوبات لممثل اليمين والوسط، ويحرمه من عدد من الأصوات، وحتى الوسط الذي شارك في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، التزم الصمت بعد فوز فرنسا فيون، خاصة أن الوسط، كان يدعم -بشكل واضح- ألان جيبي، وهو ما يعكس عدد الصعوبات التي مازالت تنتظر زعيم اليمين. وإذا كان اليمين والوسط، يتوحدان وراء فرنسوا فيون، فإن اليسار مشتت، بكل ما في الكلمة من معنى، ويعيش التفرقة حتى رئيس الحكومة ايمانييل فالس، لا يستبعد ترشحه في الانتخابات الرئاسية، هذا إلى إلى مرشحين آخرين من عائلته السياسية منهم من يريد التقدم إلى الانتخابات التمهيدية لليسار، ومنهم من يريد تجاوزها، وحتى الحزب الراديكالي المشارك في الحكومة، أعلن تقديم مرشحه في هذه الانتخابات، فضلا عن اختيار الحزب الشيوعي بعد تضارب بين القيادة والقاعدة إلى دعم المرشح جون ليك ميلونشو الذي يمثل جبهة اليسار ويعتبر نفسه غير معني بالانتخابات التمهيدية لليسار والحزب الاشتراكي. السياسة الخارجية لفرنسا، كانت حاضرة هي الأخرى، في هذه الانتخابات التمهيدية .ففرنسوا فيون، لم يخف طيلة حملته الانتخابية، قربه بل صداقته مع فلادمير بوتين، وركز على ضرورة الانفتاح على روسيا والتعامل معها كقوة كبرى بالمنطقة وجزء من أوربا، وحذف العقوبات التي تطبقها البلدان الغربية، واعتبر الحل في سوريا، يمر عبر التعاون مع روسيا ضد الحركات الإرهابية في المنطقة، و دعا إلى الانفتاح على إيران باعتبارها فاعلا أساسيا بسوريا وكذا مع النظام السوري من أجل القضاء على الحركات المسلحة وعلى داعش. وهي نظرة تختلف عن نظرة حلفاء فرنسا سواء بأوربا مثل ألمانيا أو حلفائها بمنطقة الشرق الأوسط، وبشمال افريقيا ،خاصة المغرب الذي يعتبر أن النظام السوري لم يعد مقبولا من طرف شعبه ، ودعا إلى أوربا تحترم سيادة البلدان، أي استمرار اوربا بشكلها الحالي، حيث تحافظ كل دولة على توجهاتها المالية والاقتصادية، مما يبعد إمكانية الوحدة فيما بينها، كما تدعو إلى ذلك حليفة باريسألمانيا. لكن إذا اختار اليمين والوسط مرشحه فرنسوا فيون، بشكل يجعل هذه العائلة السياسية موحدة أمام التشتت الذي يمثله اليسار، فإن الطريق نحو الإليزي شهر ماي المقبل، طويلة ومليئة بالمنعرجات، ولن تكون سهلة رغم هذا النجاح الأولي.