في خضم النقاشات بين الفاعلين السياسيين والجدل القائم في الصحافة والإعلام، حول الوضع السياسي، في المغرب، هناك بعض المعطيات، قليلا ما يتم اِستحضارها، حيث إن تشكيل أغلبية جديدة، تشرف على اقتراح حكومة، مهمة تتطلب عدم تجاهل العديد من التحديات المطروحة، اليوم، على المغرب والمغاربة. يجتاز المغرب، منطقة زوابع حقيقيةٍ، تتمثل في التغيرات التي تعرفها بنيته السوسيولوجية والديمغرافية والعمرانية، في اتجاه ارتفاع نسبة الشباب الذي يصل إلى سوق الشغل، ومضاعفة معدلات الهجرة من القرية إلى المدينة، وازدياد الطلب على السكن المتوسط والاجتماعي... مما يعني أن المغرب يعيش أقصى درجات التحدي التي عاشتها مجتمعات أخرى، من طلب متزايد على الشغل، وعلى متطلبات التربية والتعليم، و التغطية الصحية لفئات متزايدة من السكان، والحماية الاجتماعية و النقل، و الأمن والطمأنينة... بالإضافة إلى الخدمات والثقافة والترفيه والرياضة... يحتاج المغرب إلى تغيير نموذجه الاقتصادي، لينتج الثروات، عن طريق سياسة إرادوية للتصنيع، وتحديث القطاعات وتطوير المقاولات الصغرى والمتوسطة، وعصرنة القطاع الفلاحي وتمتين قطاع الخدمات... كل هذا يحتاج إلى استثمارات وإلى توسيع الوعاء الضريبي وعدالته، و إلى مواردَ بشريةٍ ذات كفاءة، وإلى إدارة عصرية وعقلانية وموضوعية، أي غير خاضعة للنموذج العتيق من الزبونية والمحسوبية، حتى تنجح في توفير حد أدنى من النزاهة والشفافية والعقلانية. النجاح في مواجهة هذه التحديات لا يمكن أن يحصل دون أغلبية، متراصة وقوية، تتعامل مع الهندسة الحكومية، بمنطق الكفاءة والنجاعة، وليس بمنطق الغنيمة الانتخابية، الأمر الذي يمكن من تجاوز أخطاء، قد تكون ارتكبت. لن يكون سهلا على رئيس الحكومة، المكلف، عبد الإله بنكيران، أو على قيادات الأحزاب، التي من المحتمل أن تشكل الأغلبية، مواجهة الضغوطات الداخلية التي تمارس،عادة، في اقتراح الأسماء التي تتولى المسؤوليات، غير أن رسم الأهداف بشكل واضح ودقيق، وإدراك طبيعة التحديات، واِستحضار التوجيهات الملكية، الواردة في خطاب داكار، سيساعد كثيرا على تجاوز الإكراهات التقليدية، التي تطرح عند هندسة أي حكومة واقتراح أسمائها. لقد عاش المغرب تجارب سيئة، في عدد من الحكومات، بسبب سيادة منطق التوزيع الانتخابي وإرضاء الطموحات الشخصية والتوازنات الحزبية، حيث وجد المغاربة أنفسهم أمام وزراء بدون كفاءة ولا نزاهة، في بلد هو في أشد الحاجة إلى استثمار أبسط الفرص والإمكانات، وكل الكفاءات، لمواجهة حجم التحديات الكبرى المطروحة في حاضره وعلى مستقبله.