عندما ينبري آخرون وراء الكلام المكتوب، خائفين من جواسيس المعنى. ينزل آخرون بمظلاتهم داخل أسواق الكلام... غير عابئين بعيون « الإيتكيت» التي تترصد خطواتهم، يشربون نخب النصر ويهجعون على الرصيف المهجور. سعيد منتسب، جلس في ظلمة مقصودة داخل القاعة التي تزينت لاستقباله. غارقا في صمته كان. لا يمكن أن تعرف بحدسك المفترض، ما يدور في مجرات مخيلته. كان بيننا وانتهى الأمر. بدورنا، كنا ندرك أن الاحتفاء بهذا الشخص لن يتطلب غير شحنة من المعنى. غير احساس بسيط بأن الطريق التي يسلكها منتسب لا تحتاج لبوصلة أو نجم قطبي. طريق ستفضي لحلبة رقص صاخبة. لذلك، ارتأينا أن ننبش في الأثر. أن نبدع في البساطة. كانت الندوة التي افتتحها القاص أحمد بوزفور، كفيلة بمجابهة منتسب بظلاله التي طالما حلم باكتشاف حدودها الجغرافية. تكلم محمد معتصم، تلاه عمر العسري، ثم اختتم عبد العالي الدمياني هذه الباقة من الكلمات التي أماطت اللثام عن المكنونات السردية في أعمال منتسب السردية والشعرية. رغم أن الندوة كانت خاصة بالأدب، غير أن المتدخلين، وجدوا أنفسهم غارقين في وصف الإنسان الكاتب. فسعيد منتسب ليس شخصا عاديا، بل صقر اختار عشه قريبا من السماء. من أعلى الجبل، تراه يراقب الحروب التي تشنها البوم على الغربان. لذلك وجد المتدخلون شفاههم ترقص طربا وهم يتحدثون عن سعيد. تسيير عبد الهادي الفحيلي، كان حافلا بالفرح العفوي. كيف لا وسعيد سعيدنا جميعا، قد بصم بسحره قلوبنا. أحسسنا، ونحن نتابع شهادة عبد الغني عارف، ربيعة عبد الكامل، رجاء الطالبي، مصطفى ملح، العلواني وعبيدو، بانتشاء عجيب... كان، ربما، من ارتياح عميق. المحاورة بين الكاتب وزميله محمد جليد، فتحت شرفات عديدة. الجلسة كشفت معدن الرجل، وأحلامه البعيدة. لم ننصفه فعلا. كنا بخلاء جدا (على حد تعبير الفحيلي). لم نستمتع بالمحتفى به وهو يفجر ألغام المعنى من خلال نصوصه القصصية اللذيذة . لكنه ظل زاهدا، هادئا، يخفي اترياحه داخل عينيه المشعتين. غنينا جميعا مع رشيد كَرَوان. احتفلنا بسعادة. تفرقنا ونحن نردد بدواخلنا: ملآى السنابل تنحني بتواضع...