سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في ندوة إشكالية المحافظة على الثرات اللامادي «لوتار» نموذجا بسطات موليم العروسي: المهدي بنبركة دافع عن الثقافة الشعبية والاهتمام بها تزايد مع حكومة التناوب
قال الدكتور موليم العروسي في الندوة التي نظمتها جمعية المغرب العميق لحماية التراث في إطار المهرجان الوطني السادس ل"الوتار" بسطات الخميس الماضي،"جميل أن يهتم شباب من المدن الهامشية بآلة لوتار أكثر الآلات الموسيقية بساطة وعمقا في نفس الآن". واعتبر في الندوة التي أدارها الأستاذ عياد السبيعي، أنها آلة بدوية و قروية بامتياز،" لا نعثر على آلة لوتار في الموسيقى الحضرية إلا لدى القليل من أجواق الملحون، وتدمج دائما بخجل في بعض اللحظات الخاصة جدا.. لا أدري هل بإمكان مؤرخي الموسيقى أن يدلونا على زمن إدخال هذه الآلة في منظومة الموسيقى الملحونية - يضيف موليم العروسي - لذا ليس من السهل، ولا من اليسير، أن يقام مهرجان للوتار.. ما حدثني به الصديق عبد الله الشخص عن دواعي وأسباب تنظيم هذا المهرجان دليل على ذلك. فلقد قال لي أنه كان بمدينة آسفي في مهرجان العيطة وسمع أحد ممتهني العزف على لوتار يقول لصديقه كل الألوان الموسيقية تنظم لها مهرجانات إلا لوتار. من هنا جاءت الفكرة. وكان بسطات أحد أهم المراكز التي تمارس فيها هذه الموسيقى.." وأضاف "لكن لابد وقبل أن نطرح موضوع أهمية لوتار في إشكالية التراث بالمغرب، لابد أن أسائل علاقتي بهذا النوع من الآلات وهل اهتمامي بها فقط للمتعة الفكرية أم أن هناك أمرا آخر - يقول المحاضر - عندما تحدثت عن الكنبري في ندوة الثقافة الشعبية سنة1981 بقاعة ابا حنيني بالرباط - يضيف الأستاذ موليم العروسي- ، لم يكن الحديث عن الثقافة الشعبية آنذاك متداولا بين الناس والمثقفين على السواء. بل كان المثقفون ينظرون إلى الثقافة الشعبية على أساس أنها تخلف وجملة ممارسات لا تليق بالمثقف الذي يريد أن يلج الحداثة. ليست هذه الآراء مجرد تخمينات أو أشياء التقطتها من الشارع أو في تعاملي الانطباعي مع ما يقال،يرى لعروسي، بل هي مواقف موثقة ومكتوبة ودافع عنها الكثيرون ولمدة طويلة ولربما لازالوا يدافعون عن هكذا مواقف. ومن بين أشهر هذه المواقف موقف عبد الله العروي في كتابه العرب والفكر التاريخي وخصوصا الباب المعنون ب"المضمون القومي للثقافة"،69 إلى76. في هذا الكتاب لا يعتبر عبد الله العروي الثقافة الشعبية والثقافة الشفوية ممارسة جديرة بأن تحمل اسم ثقافة. بل أكثر من هذا يعتبر أن الباحثين من المغاربة الذين يهتمون بهذه المناحي من الفعلية البشرية عملاء للاستعمار يريدون أن تبقى بلداننا مرتبطة بتلك الممارسات المتخلفة حسب قوله. لكن من أين يستقي عبد الله العروي مواقفه؟يتساءل، هل من منطلق فكري ماركسي كما كان يقول ؟ أم من موقف رجل مدني يعتبر أن الثقافة غير الحضرية وغير المكتوبة لاحظ لها في الوجود بل تجب محاربتها؟ أم من موقف سياسي محدد؟ يبدو أن الرجل يمتح من هذه المنابع كلها ليحارب بشراسة الثقافة الشعبية ويدعو إلى الاستعناء عنها بل وإلى إلغائها" ويردف قائلا :"سبق لي وأن نشرت بحثا، لم يقرأ كثيرا في المغرب، حول هذا الموضوع نشر في كتاب جماعي من نشر المركز الفرنسي للبحث الجامعي CNRS سنة 1988. لكن لابد من العودة إلى آراء هذا المؤرخ والتي طبعت مواقف أجيال كاملة". الموقف الأول يقول الأستاذ موليم لعروسي ماركسي، يتبنى العروي الماركسية التي دأبنا على تسميتها بالستالينية، أي أنها تعتبر أنه ليس من الضروري الإصغاء للناس، بل وبما أن النخبة قد فهمت كل شيء، و خصوصا ما يخدم مصلحة الشعب، فإنه ليس من الضروري الاهتمام بكل ما يسمى الثقافة الشعبية والتي هي في الأساس، حسب هذا الفكر، خرافات لاعقلانية تعيق التقدم. من هنا وجب استبدال الشعب الثقافي بالشعب البروليتاري، أي جمهرة الناس التي تجمعها المصالح الاقتصادية أكثر من المشترك الروحي. وهذا الموقف هو نفسه الذي سوف تتبناه العروبية (ما نسميه بالفكر القومي) كفكر. خصوصا وأن العروبية تنزع إلى البحث عن المؤتلف أكثر من المختلف. وكل ما تعددت التعبيرات والآراء كل ما كان هناك خطر الاختلاف الذي تفهمه هذه العقليات على أساس أنه تناقض قد يؤدي للانفجار. أما الموقف المدني الحضري الذي يكره، كما ابن خلدون، الأعراب ويعتبر أنهم جاهلية يصعب ضبطها، ولا حل في هذا الباب إلا طمس حضارتها إن كانت لها حضارة وهذا الموقف لاواعي ويتبناه غيره كثيرون من المدن والبوادي والجبال وخصوصا أولئك الذين يعيشون على المواءمة بين جذورهم البدوية ووضعياتهم الجديدة سواء أكانت ثقافية أو إدارية أو سياسية، من بين هؤلاء محمد عابد الجابري. أما الموقف السياسي العقدي ويأتي من السلفية المغربية، التي اعتبرت أن كل ما ليس إسلاميا عربيا صرفا فهو يكاد يكون خارجا عن الملة. كل ما لا نجد له تبريرا في الدين أو العقل فهو ضرب من الجهل، وبما أن الموسيقى الشعبية المغربية مرتبطة أيما ارتباط بالمعتقدات السابقة على الإسلام فكان من الضروري أن تقف السلفية منها نفس الموقف. هذا الموقف تبنته الحركة الوطنية وحاولت بواسطته أن تحارب الزوايا بدعوى موالاة المستعمر، وحاولت أن تمنع المواسم، وهي لا تعلم أن هذه المواقف وهابية، وأنها وصلت إلى المغرب في عهد المولى سليمان في مطلع القرن التاسع عشر، وأنها لم تجلب على المغرب إلا التخلف والدمار الفكري والروحي. هذه الأفكار تسللت للسلفية التي يسميها يساريونا اليوم بالمستنيرة. في حين نجد أن المهدي بنبركة كان له موقف مغاير تماما، إذ كان من المدافعين عن الثقافة الشعبية. وأشار إلى أن ندوة الثقافة الشعبية التي نظمت سنة 1981 سمحت بفك عقدة العروبي (القروي) وأصبح يعبر عن رأيه، بل يأخذ الكلمة في المنابر ويتحدث بصوت عال. هل فعلنا شيئا حسنا أم أننا فعلنا قبحا؟ وللجواب عن ذلك أعطى مثالين جعلاني ? يقول - اليوم أعيد النظر فيما قلناه وربما في الطريقة التي قلناه بها. إذ الندوة كانت في مارس 1981 وفي يونيو من نفس السنة، أي بعد ثلاثة أشهر بالتمام والكمال سوف نسمع لأول مرة تعبيرا عروبيا (بدويا) لا يشرف العروبية يصدح داخل قبة البرلمان وهو يتوجه لبرلمانيي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ?آش من شهيد؟ شهيد كوميرة؟?، كان هذا تدخل وزير الداخلية آنذاك، وهو على ما يبدو من أصول بدوية ومن سطات أو نواحيها بالضبط. كانت هذه أول خرجة كلامية للرجل بحيث لم نكن نسمع صوته في الإعلام. فهل فكت ندوة الثقافة الشعبية عقدة لسانه؟ والجميع ? يضيف - يعلم أنه بعد ذلك جمع بين بين وزارتي الداخلية والإعلام، وهي الفترة التي حارب فيها الفن العروبي الرائع وأطلق أيدي الرداءة العروبية في التلفزيون غناء وموسيقى وفكاهة، فهل فعلنا حسنا؟ وبخصوص عودة المكبوت الديني؛ يقول الدكتور موليم العروسي، انه كنا في هذه الندوة تكلمنا أيضا عن التصوف ودافعنا عن هذا المكون الثقافي المغربي ،خصوصا أنه كان من ضحايا السلفية ومن ضحايا الحركة الوطنية أيضا، التي ورثت مواقف السلفية. وبما أننا ربطنا التصوف أيضا بالثقافة الشعبية، فإن الأمر فهم على أساس التدين المتوحش. فُكَّتْ عُقَدُ الطَّالْبْ (ما نسميه بحامل القرءان)، هذا الصنف من حامل المعرفة المغربي و الذي كان الاستعمار قد هزمه وأظهر فشله في تدبير التعليم والإدارة، بل وحتى السياسة في بداية الغزو الاستعماري للمغرب. عاد إذن ليعبر عن نفسه ثقافيا أولا بلباسه ومظهره التقليدي قبل أن يسيطر على الفضاء العمومي ويتسلل للسياسة خصوصا و أن بوادر انحسار اليسار كانت قد بدأت تظهر للعيان. في هذا الاتجاه بدأ يرى المحاضر ومنذ 1981 الاهتمام الثقافي بالثقافة الشعبية وتزايد خصوصا مع حكومة التناوب، التي كانت جل سياسييها ومثقفيها خصوصا من اليسار يدافعون عن الثقافة الشعبية". الدكتور الشرقي نصراوي في مقاربته حول التراث اللامادي وجمالية آلة لوتار، أكد أن دراسة الثقافة الشعبية تكتسي مكانة خاصة، داخل خريطة التراث اللامادي، نظرا لما توفره للدارس من معطيات ثقافية وتلوينات واشكال لها أهميتها في التعرف على سمات وخصائص الشعوب وطريقة تفكيرهم وأحلامهم وطابوهاتهم، وما إلى ذلك، ومن هنا يقول الأستاذ الشرقي نصراوي"ضرورة الوقوف عند أهمية التراث اللامادي، في الوقت الراهن ومدى المساهمة التي يمكن لهذا التراث، أن يستدعيها للقيام بتنمية ثقافية شاملة تمس عمق الرؤية والحس الوطني وكيفية تجذيره عند المهتمين والمواطنين.وأوضح أن التراث اللامادي يصون الذاكرة الفردية والجماعية، ومن ثمة ضرورة تدوين كل ما يتعلق بتاريخ التراث وأصقاعه، ليكون هذا التراث سجلا للأجيال حتى تتعرف على بنية شعبها وتاريخ أجدادها وأسلافها والوقوف عند ما يأسر الأفئدة من العادات الأصلية والطبوع الغنائية، والأنماط التراثية اللامادية المختلفة في أبعادها العربية والأمازيغية والأندلسية والصحراوية، لأن هذه الصور - يرى الأستاذ نصراوي- مختلفة قادرة على توسيع أفق انتظارنا وزرع الدهشة فينا وفي الآخر الذي يلملم أطرافه وذاكرته من أجل التقاط هذه التموجات الدسمة في بعدها الشفهي والتواصلي. ورأى أن هذا المعجم التراثي غني بالطبولوجيا المكانية وله القوة لاستعارة الشخصية سواء في بعدها الإنساني أو الحيواني أو الأسطوري، ومن ثمة فالمعجم التراثي حمال لموسوعة غنائية تتخذ من الاستعارات ومن تطريز الكلام عتبات أساسية، تمتح كل تفاصيل الحياة في الماضي والحاضر والمستقبل. ولعل هذه التوليفة مجتمعة يضيف هي ما جعلت من آلة الوتار نمطا تراثيا يدخل ضمن التراث اللامادي وبدأت دائرته تتسع لتنبعث من موسيقاه مقومات إنسانية فيها التوهج والتوالد، وكم هائل من المسارات الغنائية العربية والأمازيغية التي تعبر عن كيفية انصهار الإنسان مع بصمات التاريخ، لتصبح آلة الوتار سجلا مغربيا على مدى العصور وتعاقب الأجيال، بل وتمسي هذه الآلة تراثا لا ماديا فيه لمسات شاعرية وأحاسيس جياشة تعكس فلسفة المغني وذكر هنا كل من الفنان مغني، حمو اليزيد،جمال الزرهوني و المرحوم رويشة. فهؤلاء ? يقول - أغنوا الثقافة الشعبية تنويعا في الأنماط وتعددا في الرقصات وتشاكلا في الآلآت الموسيقية والنقرية، بل وتمكنوا من تجسيد التنوع اللغوي المغربي، فأصبح الوتار رمزا للجمال والإبداع، ولم لا؟ فهذه الآلة تسعف الفنان كثيرا، لعكس ثقافته المجتمعية والدينية، وإعطاء الأشكال الغنائية أبعادا متعددة، ويكفي كما يرى الشرقي نصراوي"هنا العودة إلى المتن الغنائي المغربي، من خلال هذه الآلة وتأمل ما تركه قشبال وزروال ونعينيعة، لنتمكن من تسجيل رجات متنوعة لهذه الآلة على المستوى الشكلي والمضمون. فالتراث اللامادي، يصبح كل الممارسات ? يضيف - والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، و ما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية، التي تعتبرها الجماعات وأحيانا الأفراد جزءا من تراثهم الثقافي، ولذلك لابد من المحافظة على آلة الوتار من خلال العديد من الإستراتيجيات كما يقترح منها العمل على إحياء دورات تكوينية صونا له من الاندثار - توثيق الأغاني وأرشفتها،التدوين والبحث العلمي، دعم التظاهرات ماديا ومعنويا، إنشاء أجهزة ذات كفاءة لصون آلة الوتار، تشجيع الناشئة على هذه الآلة المغربية القادرة على توليف موسيقى خالدة من خلال تأسيس نواد بدور الشباب، ضرورة استفادة الأغنية العصرية من التعدد النغمي لآلة الوتار حتى تصبح متخللة داخل الأبعد اللحنية.." وخلص إلى أن الحديث عن آلة الوتار يذكرنا بطبيعة وجمال الأرض المغربية ويبلور لنا مفاهيم ثنائية بين الرجل والمرأة والمدينة والقرية، مما يفسح أمام الدارس منافذ كثيرة للحديث عن معجم متعدد وقراءات تستثمر قوة هذه الآلة لاستعارة وجود الإنسان المغربي عبر التاريخ، ومن ثمة تصبح فلسفة الوتار قائمة على الإيمان بالجماعة وآلة كذلك قادرة على خلق دوائر موسيقية ولحنية ومدونة كلامية.