نقرة فوق باب البداية لم يكن اختيارنا للأستاذ أحمد متفكر في العدد الأخير من كتاب أفروديت «من ضوئه تشرب الأقاصي» عشوائيا، وإنما قلنا: إذا كان هذا الرجل المتواضع في علمه، الباذخ في كتاباته، قد خص عمره بسقي شجرة الفكر والعلم في مراكش، ونفض الغبار عن أسماء رحلت دون أن يرى إنتاجهم النور، لم لا نقوم بعمل متواضع في حقه، أن نراه في مرايا خلانه وقرائه والمعترفين بفضله. لن ننكر أن الحمراء أنجبت الكثير ممن يستحقون منا التوقف على أعتابهم، لكن الحقيقة أيضا؛ أننا ما وجدنا مثل هذا المفكر الذي تجرد من الأنانية، وسخر كل وقته للنبش في ذاكرة مراكش الثقافية والتراثية،دون إغفال غيرها... يتوسد نهار التواضع؛ وهو يعدو بين جفون كتابة تقود خطاه، لا يستسلم لنرجسية الكُتَّاب، ويصغي فقط لصحائف نبضه تملي عليه اقتناص مجد يسري في خلاياه. كفاه نهر تضلل جوانبها أشجار باسقات من فيض علمه، الذي كُتب بمداد الفخر فوق صحائف الوطن. انحناءة فوق كتف الوطن وقفت عند مقولة لجبران تصدر بها الباحث كتابه»مراكش في الشعر العربي»، بل وضعت أيضا على غلافه» لا تسأل الوطن ما ذا قدم لك؟ اسأل دائما ماذا أعطيت لهذا الوطن؟« إن قاريء فاتحة هذا الكتاب، ليقف مشدوها أمام قناديل العشق المضاءة فوق أرض مراكش، فالأستاذ أحمد متفكر من هذه المدينة التي رضع لبان ترابها، وتربى فوق كتف هوائها، مطرزا ذاته من قصب جمالها الأخاذ، وكأنها حورية تختال في مقلة الزمن. من خلال هذا الحب، نراه طفلا يعدو بين روابيها، ممسكا بشعرها مثل قصيدة وجودية لا يحسن غناءها سواه. هكذا يعيده سحرها دوما لتحقيق المحال، والحكي عن ما قيل وما لم يقل. أهو الحنين المختبيء بين الحروف؛ ذاك الذي جعله يمد للوطن راحتيه لينقر شوارعه الخرساء ؟!! كثيرون هم؛ من يجعل الوطن وجداناتهم فارغة، ويشعرون بأن زمنهم قاس؛ لأنه لا يعترف بقدرهم، فَيُصْلَبُون فوق هُدْبِ الجحود بالرغم مما قدموه، والتاريخ زاخر بأسماء كانت مثل الشلالات في عطائها، لكنها عانت جرح الإقصاء. فأين مكان ذ. أحمد متفكر من كل هذا؟ للوطن في دمه أغنياتٌ تعانق الكينونة، لا يسأل لماذا؟ وكيف؟ وهو يلتحف بردائه، فهو يمشي بلا خفين في مدنه معانقا أسراره، لا ينتظر أن تصافحه مكافآته، لذا فهو يغني لغيومه ونجومه، وينثر فوق صدره عطاياه، بالرغم من حمله لصخرة سيزيف الصماء!! لا يعير اهتماما لِمُزق خطواته وهي تختال فوق الجمر، بل يمتطي فرس التحدي، وترى الأيام تسقط بين يديه لتعلن انتصاراته. أهي حرب إذن؛ تلك التي يخوضها أصحاب الريشة الخضراء؟ نعم هي كذلك، فأن تكون متميزا لك بصمتك الخاصة، أمر لعمري يتطلب صبرا وجهدا فكريا كبيرا، وهذا ما فعله ذ. أحمد متفكر، فأضحى مثل اللؤلؤة الزرقاء، يصغي لأحلامه المزنرة بسعف النخيل والماء. هذا الوطن المكتوب بقلمه، العاشق لترابه، منحه حبا سماويا نرى من خلاله كل الأقاصي بمثابة رياحين تسكنه، تُحَوِّلُ صحراء الكلام لربيع يرسم اسمه. هكذا بنى المفكر والمؤرخ أحمد متفكر معلمة وجوده، لذا اعترف الوطن بفضله، وعانق دفاتر أيامه، مصغيا لصوته الذي ملأ المكان. شيء من الاعترافات لقد احتضن كتاب أفروديت بشموخ كبير هذا الاسم الذي يسكن شهقة الإنسان...وما أروع اعترافات الشاعر الكبير جلول دكداك شاعر السلام الإسلامي في حقه: أنت يا أحمد شعر فوق شعر البلغاءْ أنت تاج من لجين فوق رأس الشعراءْ أنت نبع من صفاء في صفاء في صفاءْ أنت نجم ساطع بالحب في كل سماءْ ذاك هو العلامة أحمد متفكر الذي جعل من العلم رغيف وجوده، فقدَّره كل من ارتاد مقاهيه، وتأمل فتوحاته الجمالية التي شغلت العديد من المهتمين في المغرب و الشرق. فهل هذا الكتاب كاف للاعتراف بقيمته العلمية؟ قطعا لا!، فما هو إلا شعاع من دثار شمسه..فيكفي المطلع على محتوى هذا العمل، ليعرف فضل هذا الرجل على مراكش وأبنائها مؤرخا وإنسانا.دون أن ننسى الإشارة إلى مؤلفاته الست والثلاثين؛ المختلفة في رسالتها، والتي جعلته وضاء في صفحة تاريخ المغرب الحديث.