الخطاب الملكي الأخير الذي كان افتتاحا للدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، أماط اللثام عن مجموعة أمور تعتبر استكمالا وتتويجا لمجموعة خطابات تروم إصلاح هذا البلد في ضوء الدستور الجديد وفي ضوء الجهوية الموسعة التي هدفت إلى التنمية والاستقرار بالمغرب منذ الخطاب الملكي في 11 يناير 2010. وقد جاء الدستور الجديد ليؤكد على دور الحكامة في الديمقراطية وأكد من خلال الفصلين 154 و159 ، على قيمتين أساسيتين الأولى تتعلق بتنظيم المرافق العمومية وتؤكد على المساواة بين المواطنين في الولوج إليها، والثانية تتعلق بالممارسة والسلوك، وتؤكد على أن المرافق العمومية تخضع لمعايير الجودة والشفافية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور، ومن ثم فإن تجربة الجهوية الموسعة واللامركزية لا يمكنها أبدا أن تكون ناجحة في ظل إدارة بعيدة كل البعد عن الانخراط في هذا الإصلاح. تروم اللامركزية أولا تقريب الإدارة من المواطنين، والجهوية الموسعة ليست إلا تجربة تروم تدبير حاجيات المواطنين عبر إدارة القرب بهدف إرساء الممارسة الديمقراطية التشاركية. وإذا كانت الحكامة الجيدة والرشيدة قد أثبتت نجاعتها في المقاولات أولا من خلال مبادئ جوهرية أهمها الإشراك والمساءلة والمحاسبة، فإن تطبيقها في الحقل الإداري المغربي من شأنه أن يمهد كثيرا من العقبات التي ما زلنا نعاني منها اليوم، في حقول متعددة اقتصادية وسياسية وتربوية وصحية. ويعتبر جوهر الخطاب الملكي هو جعل خدمة المواطن في مقدمة اهتمامات الإدارة المغربية، حيث أكد أن «تسعى إليه كل المؤسسات ، هو خدمة المواطن»، ويمكن إجمال أهم النقط التي تطرق إليها هذا الخطاب في النقط الآتية، والتي يمكن اعتبارها تتويجا للمسار الديمقراطي وتتويجا أيضا لجوهر الدستور الجديد ولمبادئ دولة الحق والقانون، في خمس نقط أساسية، ترتبط بالحكامة الإدارية، وتتمثل فيما يلي: وضع أهمية المواطن وحاجياته في صلب أي عملية انتخابية وأي مسؤولية، على اعتبار أن «تدبير شؤون المواطنين، وخدمة مصالحهم ، مسؤولية وطنية، وأمانة جسيمة، لا تقبل التهاون ولا التأخير». ضرورة تقديم الواجب والالتزام بروح المسؤولية لتحسين وضعية الإدارة المغربية على مستوى الخدمات، والتي ما زالت تعاني من «التضخم ومن قلة الكفاءة ، وغياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين». تحسين تعامل الإدارة مع المواطن والاستجابة لحاجياته والذي «من حقه أن يتلقى جوابا عن رسائله، وحلولا لمشاكله، المعروضة عليها». الاستجابة لمطالب المواطنين على مستوى الوثائق الإدارية، لأن من شأن ذلك المساهمة في تنمية الوطن وتقدمه باعتبار ذلك رهانا أساسيا، ومن شأنه تعزيز الاستثمار، فغياب الحكامة الإدارية قد تساهم في «حرمان الوطن من فرص الاستثمار والتنمية ، و حرمان المواطنين من فرص الشغل» ولأن «النجاعة الإدارية تساهم في النهوض بالتنمية ، وفي جلب الاستثمار الوطني والأجنبي، وتعزيز الثقة التي يحظى بها المغرب». الاهتمام بالجانب التكنولوجي والإلكتروني-الرقمي في التعامل الإداري بين الإدارة والمواطنين لأن «تعميم الإدارة الإلكترونية بطريقة مندمجة ، تتيح الولوج المشترك للمعلومات بين مختلف القطاعات والمرافق». وأخيرا فمن شأن هذا الخطاب الذي يعتبر الأول بعد الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر 2016 أن يكون عاملا أساسيا يدفع بالمغرب على المستوى الإداري إلى الأمام، وأن يكرس المطلوب وأن يدفع بالدولة إلى درجة متقدمة في الديمقراطية، ومن شأن ذلك أيضا أن يعيد الثقة إلى المواطنين في علاقتهم بالإدارة ومن ثم الانخراط في الإصلاح من خلال مدخلي المواطنة والديمقراطية.