عاد النيجيري محمد ساني إلى السعودية ليؤدي مناسك الحج مجددا، حاملا معه ندوب فقدانه اثنين من رفاق الطفولة العام الماضي في حادث التدافع بمشعر منى، والذي يلقي بظلاله على شعائر هذه السنة. وساني، الصيدلي البالغ من العمر 46 عاما، هو واحد من 1,4 مليون حاج اجنبي على الاقل يتوقع ان يفدوا إلى مكة هذه السنة، بعد اقل من عام على مقتل 2297 حاجا في 24 سبتمبر 2015، في حادث هو الاسوأ في تاريخ الحج، ودفع السلطات السعودية لاتخاذ اجراءات اضافية في مجال السلامة سعيا لضمان عدم تكرر هذه الكارثة. ولا يزال الحادث يلقي بظلال سياسية ايضا بين السعودية وايران التي شكل رعاياها الجزء الاكبر من الضحايا. ومنذ ايام استعر التراشق الكلامي مجددا بين البلدين على خلفية الحادث والانتقاد الايراني للادارة السعودية للحج. وعلى بعد ايام من بدء المناسك السبت، والتي عادة ما يشارك فيها اكثر من مليوني شخص، يقول ساني لوكالة فرانس برس ان ما اختبره العام الماضي، ترك في نفسه آثارا لن يمحوها الزمن. ويوضح بعيد وصوله إلى السعودية برفقة زوجته، «نجوت بأعجوبة (العام الماضي)، لكن الحادث ترك جرحا في قلبي لن يندمل أبدا». ويضيف أن إيمانه هو ما دفعه للعودة مجددا إلى مكة، انطلاقا من أن «الأعمار بيد الله»، وان الموت سيدركه حينما يحين وقته أينما كان. ويأتي موسم الحج بعد تحديات امنية متزايدة، منها تفجير انتحاري قبل شهرين قرب المسجد النبوي في المدينةالمنورة، أدى إلى مقتل أربعة من رجال الأمن. ولم تعلن اي جهة مسؤوليتها عن التفجير، على رغم انه يحمل بصمات تنظيمات جهادية خصوصا تنظيم الدولة الاسلامية الذي تبنى سلسلة هجمات في السعودية خلال الاشهر الماضية. ولقي التفجير ادانة واسعة من مختلف اصقاع العالم الاسلامي، ما شكل صورة مغايرة عن الانقسام الذي يشوب علاقات دول اسلامية ببعضها البعض، خصوصا السعودية وايران. وقضى في التدافع بمنى 464 حاجا ايرانيا، واستتبع بانتقادات ايرانية حادة للسعودية، آخرها الاثنين دعوة المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية في ايران آية الله علي خامنئي المسلمين إلى ان «يفكروا تفكيرا جادا بحل لإدارة الحرمين الشريفين (الحرم المكي والمسجد النبوي) وقضية الحج بسبب سلوكهم الظالم ضد ضيوف الرحمن». ورد المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ على خامنئي، قائلا في تصريحات صحافية الثلاثاء ان «هؤلاء ليسوا مسلمين». ودعا الرئيس الايراني حسن روحاني الثلاثاء «دول المنطقة والعالم الاسلامي» إلى «معاقبة» السعودية عن «الجرائم التي ترتكبها في المنطقة ودعمها للارهاب». وكان خامنئي انتقد أيضا عدم «اعتذار» المسؤولين السعوديين عن الحادث او ملاحقة «المقصرين المباشرين»، وإحجامهم ايضا عن «تشكيل هيئة تقصي حقائق دولية اسلامية». وفي ظل عدم توصل طهران والرياض لاتفاق حول ترتيبات مشاركة الحجاج الايرانيين، سيغيب هؤلاء هذه السنة للمرة الاولى منذ زهاء ثلاثة عقود. ووصل عدد الحجاج الايرانيين العام الماضي إلى 60 الفا. ووقع حادث التدافع العام الماضي اثناء توجه الحجاج في اول ايام عيد الاضحى لجسر الجمرات، لاداء الشعائر التي ترمز لرجم الشيطان. والقى حجاج باللوم على اغلاق بعض الطرق في مشعر منى وسوء التنظيم، الا ان السلطات قالت ان الحجاج لم يلتزموا بالتعليمات. واعلنت السلطات السعودية الرسمية ان الحادث ادى إلى مقتل 769 حاجا، الا ان احصاءات اكثر من 30 دولة فقدت رعايا في الحادث، افضت إلى حصيلة توازي ثلاثة اضعاف الرقم المعلن عنه سعوديا. وأعلنت المملكة فتح تحقيق في التدافع، إلا أن أي نتيجة له لم تعلن. وقبل هذا الحادث بايام، قتل 109 اشخاص على الاقل جراء سقوط رافعة في الحرم المكي، تتبع لمجموعة بن لادن السعودية التي كانت تنفذ اعمال توسعة. ويحاكم القضاء 14 متهما في هذه القضية. ويلفت مصدر متابع لقضية حادث التدافع، إلى التفاوت في الاجراءات السعودية بين قضية سقوط الرافعة وحادث التدافع. ويقول لوكالة فرانس برس ان المسؤولين السعوديين «لم يكونوا شفافين في هذا الحادث كما كانوا في حادث الرافعة، وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد ان اللوم كان يقع على عاتق السلطات اكثر من الحجاج». وفي اعقاب كارثة منى، امر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز باجراء مراجعة لكامل اجراءات تنظيم الحج. واوردت وسائل اعلام محلية خلال الفترة الماضية سلسلة خطوات قامت بها السلطات. فقد أشارت صحيفة «آراب نيوز» إلى توسيع المسارات في منطقة الجمرات، في حين أفادت «سعودي غازيت» ان نقل منشآت حكومية من مشعر منى ساهم في توفير مساحات اضافية للحجاج. كما تعمل وزارة الحج والعمرة على اعتماد مقاربة تقنية لتعزيز السلامة. فللمرة الاولى، سيضع الحجاج سوارات الكترونية تضم معلومات شخصية عنهم. كما تم تقليص الوقت المخصص لرمي الجمرات، وزيادة كاميرات المراقبة والاجهزة الالكترونية لمراقبة انسيابية الحركة. ويقول حجاج انهم لمسوا تغييرات عن مرات سابقة ادوا فيها المناسك، منها على سبيل المثال اجراءات أسرع لدى الوصول إلى المطار. وقال آسي وات عزيزان، وهو مسؤول في البعثة التايلاندية، «لاحظنا تحسنا هائلا في الخدمات والاهتمام». وأعربت السودانية نجوى حسن عن اطمئنانها لما «رأيته بعيني من نظام وتسهيل» يؤشران إلى ان الموسم «لن يعكر صفوه اي شيء». إلا أن كل الإجراءات لا تخفف من وطأه كارثة 2015 على الناجين. وتقول سيدة مالية قبيل مغادرتها باماكو إلى السعودية «آمل في أن تكون السلامة قد تحسنت»، قبل ان تضيف بأسى «أفكر بكل الموتى العام الماضي. ما رأيته يعود الي مرارا، وهذا أمر مؤلم».