بدأت بوادر الاختلاف الحاد بين أحزاب الائتلاف الحاكم الألمانية في الظهور عقب نتائج الانتخابات الأخيرة في ولاية مكلنبورج فوربومرن لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المعادي للهجرة واللاجئين، وذلك خلافا لكل التوقعات التي تكهنت بفوز حزب المستشارة أنجيلا ميركل لأن الولاية كانت منطقة نفوذها السياسي. تغير خطاب السلطة كان تصريح رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي الشريك في السلطة هورست زيهوفر، الثلاثاء، باتباع "سياسة بناءة لصالح ألمانيا" قد أثر في الكشف عن النقاشات الحادة داخل الائتلاف الحاكم حول سياسة ميركل التي تتسم بالانفتاح وإشراك اللاجئين والمهاجرين في الدورة الاقتصادية التي تريد ألمانيا تطويرها. ويضيف زيهوفر قائلا "نحن نتحدث دائما"، في إشارة إلى دفع الحزب المسيحي الاجتماعي الائتلاف الحاكم نحو التخلي عن السياسة الحالية لألمانيا والتي تقودها المستشارة أنجيلا ميركل والتحول إلى سياسة أكثر "محافظة" في خصوص قبول اللاجئين والمهاجرين. ومن ناحية أخرى، فإن وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله قد قام بتصريح ملفت حين أكد أن "ألمانيا تواجه تحديات ضخمة في ظل العولمة وأزمة اللجوء العالمية"، وأشار في مستهل مشاورات الميزانية بالبرلمان الألماني "بوندستاج" بالعاصمة برلين أنه يفضل القيام بتغييرات، وليس الاستسلام. وأشار الوزير إلى أن مواصلة السبل القديمة وحدها لن تكون سهلة، وأكد أن الأحزاب الديمقراطية يتعين عليها فتح فرص من أجل مواصلة ضمان تحقيق النمو الاقتصادي والرخاء، مستبطنا حسب مراقبين فكرة أن سياسة الانفتاح على اللاجئين والمهاجرين سوف لن تستمر طويلا لأن ذلك يهدد مكاسب ألمانيا الاقتصادية حسب اعتقاده. هذه التطورات، تمس بشكل مباشر حسب مراقبين المسلمين في ألمانيا، لأنهم أكبر جالية موجودة في البلاد من ناحية ومن ناحية أخرى فالإسلام هو ثاني الديانات الكبرى في ألمانيا، وعندما تتصاعد وتيرة اليمين في مساحات الحكم، فإن المسلمين والعرب هم أول ملف يتم نقاشه والخوض فيه. تعيش المجتمعات الإسلامية حسب رأي أودو شتاينباخ، الخبير في مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، صراعا حضاريا بين دعاة التحديث من ناحية والأيديولوجيات ونظم السلطة المتعلقة بالماضي من ناحية أخرى. ويرى شتاينباخ أن على السياسة الغربية أن تحث النخبة الإسلامية على تطوير مفهوم جديد للعلمانية في سياق إسلامي يتناسب مع روح العصر. وعلى وقع التجاذب الذي يعصف بالمسلمين، أظهرت نتائج انتخابات ولاية مكلنبورغ فوربومرن يوم 5 سبتمبر 2016 حصول حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي على 20.8 بالمئة من مجموع الأصوات وحلّ ثانيا في الانتخابات الإقليمية، متقدما على الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشارة ميركل. وأحرز الحزب المسيحي الديمقراطي على 19 بالمئة من الأصوات، والحزب الاشتراكي الديمقراطي أحرز على 30 بالمئة من الأصوات. وتعكس هذه النتائج حقيقة مفادها أن سياسة الترحيب باللاجئين لم تعد سائدة وغير مرحب بهم في ألمانيا. وبحسب استطلاع "دويتشلانترند" الذي أجرته شبكة "اي ار دي" التلفزيونية العامة خلال شهر أغسطس الماضي، فإن 47 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع أعربوا عن رضاهم على أداء ميركل، ما يمثل تراجعا بنسبة 12 نقطة مئوية عن مستوى شعبيتها في يوليو 2016. طبيعة معقدة تواجه ألمانيا معضلة قانونية وسياسية معقدة، وتتمثل في مسألة فصل الدين عن الدولة وتأثير ذلك على المسلمين والمسيحيين في البلاد وتصاعد الموقف المعارض لكثرة المسلمين وممارستهم لعباداتهم. فالعلاقة بين الدولة الألمانية والدين هي ذاتها العلاقة التي تميز كل الدول الأوروبية والدين بشكل عام، وهذه العلاقة ترتكز إلى القطيعة بين الإدارة والمعتقد الديني، أي عدم تحمل الدولة للمسؤولية الدينية في البلاد، وترك الكنائس والمعابد تتصرف كما تراه مناسبا عبر مسيرها. وما حدث أن الكنائس في ألمانيا تم بيعها أو تحويلها إلى متاحف أو هدمها وبناء وحدات سكنية أو تجارية مكانها، وذلك نظرا للظرف الاقتصادي السيء الذي تبع نهاية الحرب العالمية الثانية. وبقي الحال على ما هو عليه الآن، ولا توجد مؤسسات لصيانة الكنائس والمعابد سوى الاتحاد الكنائسي الألماني الذي يضم الكنيسة الكاثوليكية والبروتستنتينية. وفي مقابل هذا الواقع، يتمتع المسلمون (بنفس القانون الذي يفصل الدين عن الدولة) بالدعم المالي والتبرعات والمشاركات لبناء أقصى حد ممكن من المساجد وأماكن الصلاة المخصصة للمسلمين في المطارات ومحطات القطار والأماكن العامة والمجمعات القريبة من المصانع الكبرى والأبنية السكنية. وكنتيجة لهذا، كثرت المساجد في ألمانيا وأصبح عددها كبيرا. وأدى هذا التوسع إلى طرح سؤال لدى القيادات اليمينية القومية المتطرفة في ألمانيا حول أفضلية المسلمين على المسيحيين في البلاد، الأمر الذي أدى إلى تصاعد حملة المعاداة والتحريض ضد المسلمين. وما يزيد الأمر تعقيدا أمام المسلمين ووضعيتهم في ألمانيا، وبعض الدول الأوروبية أيضا، هو الإجراءات الأمنية والتصريحات التي تصدر عن المسؤولين الأمنيين في البلاد التي تحذر بشكل دائم من علامات تطرف دينية إسلامية قد تؤثر على أمن الأشخاص وحياتهم، كتصريح رئيس هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ألمانيا أن الهيئة تراقب نحو 90 مسجدا في البلاد، ويضيف رئيس الهيئة هانز غيورغ ماسن "إننا قلقون من وجود جمعيات إسلامية متشددة تتبعها مساجد يتعين علينا مراقبتها". استطاعت أحزاب اليمين المتطرف الصعود معتمدة خطابا عنصريا ضد الأجانب وخاصة من المسلمين، وتحميل الأجانب مسؤولية تراجع القارة العجوز سياسيا واقتصاديا من أجل الحفاظ على الوحدة الأوروبية، وقد بدأت بعض الدول تدفع ثمن هذه الوحدة لتتحول إلى عبء على اقتصاديات بعض الدول. نازية بوجه آخر يطالب الإعلامي الأميركي بول هوكينوس أجهزة المخابرات والأمن بيقظة أكبر، والأحزاب الديمقراطية بالمزيد من العمل على مواجهة اليمين المتطرف ويقول "إن العنصرية المناهضة للمسلمين هي تعريف أيديولوجيا الكره لديهم، وهي عبارة عن تدرّج ثقافي ينسب إلى ثقافة ما خصائص ثابتة (بمعنى أن الثقافة الغربية في الأعلى، والإسلام الرجعي هو عدوها)، فهم يجادلون أن المسلمين ليسوا أدنى شأنا بسبب تركيبهم البيولوجي، بل بسبب عدم توافقهم الثقافي". وكشف التقرير السنوي لجهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية الصادر في شهر يونيو 2016 أن كل أشكال التطرف العنيف (يمين متطرف ويسار متطرف وتيار إسلامي) سجلت تصاعدا كبيرا خلال عام 2015 في ألمانيا. وكشف وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير خلال عرض مضمون التقرير، أن "مشاهد التطرف، مهما كان اتجاهه، تشهد ازديادا متناميا في ألمانيا". وحسب التقرير فقد تم إحصاء 1408 أعمال عنف من جانب اليمين المتطرف خلال عام 2015 مقابل 990 في العام الذي سبقه. ويذكر أن المحكمة الاتحادية في مدينة كارلسروه، التي تعتبر أعلى محكمة في ألمانيا، هي من تتولى النظر في قضايا اليمين المتطرف والشغب الجماعي. وفي حادثة صدمت ألمانيا، أعلنت شرطة ميونيخ يوم 23 يوليو 2016، أن مطلق النار في مركز التسوق بالمدينة والذي لقي مصرعه منتحرا بعد أن قتل تسعة أشخاص وتسبب في جرح 16 آخرين، كانت دوافعه يمينية، رغم أنه من أصل إيراني.