كلما كسب المغرب جولة في سبيل إنهاء نزاع الصحراء المفتعل، كلما تدخلت الجزائر لحمل البوليساريو على «التلويح بالحرب»، وإنهاء اتفاق إطلاق النار الذي استمر، حتى الآن، 25 سنة. وها هي الجزائر، الآن، تمارس استفزازاتها بمجرد قيام المغرب بمبادرة «مدنية» لحماية حدوده الجنوبية مع موريتانية) منطقة الكراكرات) من التهريب بكل أشكاله، ومن الإرهابيين الذين يشكلون تهديدا يقظا للمنطقة المغاربية برمتها. فالتلويح بالعودة إلى حمل السلاح وإثارة الصخب ليس جديدين على البوليساريو. فكلما انطلقت دينامية أممية انتفخت القراب الدعائية الجزائرية التي تحاول «شيطنة» المغرب، مدعومة بأصدقائها «التاريخيين» وبأموال غازها وبترولها وشتاتها الديبلوماسي المرتزق الذي جعل من العداء للمغرب هو خبز المسيح. بالعودة إلى التاريخ، فإن تحركات البوليساريو المسلحة لم تبدأ إلا في يونيو 1976 ، إذ هاجمت البوليساريو نواكشوط عاصمة موريتانيا، وهي الهجمة التي انتهت بمقتل قائد الحملة الولي مصطفى السيد رئيس ومؤسس جبهة البوليساريو. وفي 13 مايو 1977 كان التوقيع على معاهدة الدفاع المشترك بين المغرب وموريتانيا. أما في 3 يوليو 1977 فهاجمت البوليزاريو ثانية العاصمة الموريتانية نواكشوط، وكان على رأسها الراحل محمد عبد العزيز الذي كرسه الهواري بومدين قائدا ل»مجلس الثروة». وفي 10 يوليو 1978 سيطيح انقلاب عسكري بالرئيس الموريتاني المختار ولد داده، ليصبح العقيد المصطفى بن محمد السالك رئيسا للبلاد، وهو ما تكلل في 5 غشت 1979 ب»اتفاق الجزائر» الموقع بين القيادة العسكرية لموريتانيا والبوليزاريو الذي يقتضي بخروج موريتانيا من إقليم وادي الذهب، وتسليمه للبوليزاريو، الأمر الذي اعتبرته الرباط مؤامرة جزائرية على وحدة ترابها، وعلى روح المسيرة الخضراء. وفي 14 غشت 1979 دخلت القوات المغربية إقليم وادي الذهب، وإعلان أعيان وأشراف الإقليم البيعة للملك الحسن الثاني. لقد انبنت سياسة المغرب الإفريقية في ذلك الوقت، كما يقول الباحث الخبير في الشؤون الإفريقية الموساوي العجلاوي، «على مواجهة «الدول التقدمية» الإفريقية التي خاضت حملة من أجل إدخال «الجمهورية العربية الصحراوية» إلى المؤسسات الجهوية والدولية. كانت هذه الدول تنظر إلى حالة التوازي بين الصراع في الصحراء و الثورة التي كانت تقودها الحركات الماركسية المسلحة في موزامبيق وأنغولا و غينيا بيساو. كانت هذه الدول «التقدمية» ترى أن الاستفتاء هو الحل الوحيد لمشكل الصحراء، استفتاء يؤدي إلى استقلال الصحراء عن المغرب. جندت ليبيا والجزائر إمكاناتهما المالية والدبلوماسية لقبول «ج ع ص د» في المنتديات الدولية، و تبعا لذلك هدد المغرب بقطع علاقاته مع الجزائر وإثيوبيا في مارس 1979، ومع ليبيا في سنة 1980. في هذا الزمن كانت الحملة قوية لإدخال « ج ع ص د « إلى منظمة الوحدة الإفريقية، بيد أن مساندة عدد من الدول الإفريقية «المعتدلة»، ساعد المغرب على ممارسة دبلوماسية مواجهة مع عدد من الدول المناصرة للطرح الجزائري. وفي يونيو 1981 قبل المغرب في مؤتمر نيروبي، مبدإ الاستفتاء في الصحراء، وفي نهاية السنة ذاتها نجحت الحملة الجزائرية في كسب اعتراف 26 دولة إفريقية لصالح البوليزاريو، فطلبت الانضمام إلى منظمة الوحدة الإفريقية. وفي 12 نونبر 1982: بادر الكاتب العام للمنظمة إدمو كودجو ، و»بمبادرة فردية منه» بقبول عضوية «ج ع ص د» في منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1982، الشيء الذي أدى إلى انسحاب 18 عضوا من المنظمة الإفريقية، والإعلان عن مقاطعة قمة طرابلس. وهكذا أفضى تحالف إدجو مع الجزائر إلى إدخال منظمة الوحدة الإفريقية في أزمة لم يسبق لها مثيل في مؤتمر القمة بأديس ، وفي المقابل هددت الدول المؤيدة للجزائر بأنها ستقاطع أي مؤتمر للقمة الإفريقية، إذا لم تحضره « ج ع ص د»، وكانت المنظمة الإفريقية قاب قوسين من الانفجار، وفي 12 نوفمبر 1984 تم قبول عضوية «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية»، كعضو في منظمة الوحدة الإفريقية، دون مراسيم، وأدى ذلك إلى انسحاب المغرب منها وتشكلت حالة فريدة في المنظمات الدولية، أن المغرب دولة عضوا مؤسسا لمنظمة الوحدة الإفريقية خارج المنظمة، في حين أن «عضوا» بالمنظمة يوجد «مقره» بتراب دولة أخرى عضو كامل العضوية. في هذا السياق تطورت الأمور في تحالفات ستحد من أثر دخول البوليزاريو لمنظمة الوحدة الإفريقية، فوقع المغرب وليبيا اتفاق وجدة سنة 1983، وضمن بذلك تبني ليبيا للطرح المغربي. و31 أكتوبر 1986 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا تحت رقم 4 0/ 50 حول الصحراء الغربية، والمطالب بإجراء مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع. ابتداء من 1988 عاد عدد كبير من المؤسسين لجبهة البوليزاريو إلى المغرب بعد أن أعلن الملك الحسن الثاني عبارته المشهورة «إن الوطن غفور رحيم»، وهو ما زكى الطرح المغربي إن على المستوى الإفريقي أو الدولي. وفي غشت 1988 كذلك كانت موافقة المغرب وجبهة البوليساريو على خطة السلام المقترحة من طرف الأمين العام للأمم المتحدة. ثم في 20 شتنبر 1988 صادق مجلس الأمن بالقرار رقم 621 على تعيين ممثل خاص للأمين العام المتحدة مكلف بقضية الصحراء. وفي 5 فبراير 1989 التقى وفد من جبهة البوليساريو في مراكش الملك الحسن الثاني. وفي هذه السنة وصل عدد الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» إلى 74 دولة. أما سنة 1990 فقد انعقد في مستهل يونيو أول اجتماع لشيوخ الصحراء بجنيف وفي 18 يونيو 1990 قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا لمجلس الأمن حول التسوية المقترحة لنزاع الصحراء، وأبدى المغرب تحفظات بشأن عددا من النقاط الواردة في مقترح الأجرأة في مخطط تسوية النزاع والقاضي بإجراء استفتاء في الصحراء الغربية بعد وقف إطلاق النار. وفي سنة 27 يونيو 1990 أصدر مجلس الأمن قرارا بوقف إطلاق النار و بحث تسوية نزاع الصحراء. في 6 شتنبر 1991 دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وانتشر المينورسو في المنطقة، وتحددت مهمتها كما يدل على ذلك اسمها في الإشراف على الاستفتاء. وبعد وقف إطلاق النار أدى تدخل الأممالمتحدة في الصحراء الغربية منذ 1991 إلى تغيير عدد من المعطيات، ودخلت الجزائر في حرب دموية داخلية، دامت عشر سنوات ، وتوالت عودة المحتجزين في مخيمات تندوف إلى المغرب. هذه التحولات أدخلت صراع الصحراء في الوضع الثابت، إضافة إلى عوامل أخرى جعل عددا من الدول الإفريقية تراجع موقفها من هذه « الجمهورية» وتسحب اعترافها بها. ففي نهاية سنة 1992 تم الاجتماع الثاني لشيوخ القبائل الصحراوية في جنيف. وفي 19 يوليوز 1993 انعقد لقاء العيون تحت إشراف الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء. وفي 4 نونبرمن نفس السنة بدأت لجنة تحديد الهوية التابعة لمينورسو الأعمال التحضيرية لتسجيل المصوتين الفعليين. وفي 12 دجنبر قامت لجنة تحديد الهوية في عملية تسجيل سكان الصحراء المسموح لهم بالتصويت بفتح مكتبين في مدينة العيون. وفي دجنبر1995جمدت عملية تحديد الهوية من لدن الأممالمتحدة بعد خلافات كبيرة، بين المغرب من جهة والجزائر وجبهة البوليزاريو من جهة أخرى، على تفسير الشروط المطلوب توفرها في الناخبين. مارس 1997: عهدت الأممالمتحدة إلى جيمس بيكر ليكون المبعوث الشخصي لها في الصحراء ليتم عقد اتفاق في هيوستن 1997، بين المغرب وجبهة البوليساريو، وبحضور كل من موريتانياوالجزائر كمراقبين. موازاة مع ذلك وفي يونيو 1998 طلب عدد من الدول الصديقة للمغرب في قمة واكادوكو طرد «الجمهورية الصحراوية»، من المنظمة الإفريقية، وطرحت نفس الفكرة في قمة الجزائر في السنة الموالية، لكن انتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية الجزائرية في العام 1999، عقد الأمر أكثر، فهو الرجل الذي قاد سياسة خارجية الجزائر ضد المغرب عندما كان وزير خارجية بومدين، وارتبط اسمه كثيرا بسياسة العداء ضد المطالب المغربية. في شتنبر تم انتهاء المرحلة الثانية من تحديد الهوية، ليصبح مجموع من حُددت هويتهم في المرحلتين 147348 شخصا. وفي أكتوبر قام الأمين العام الأممي بجولة في المنطقة و عرض خلالها مقترحات لتجاوز الخلاف حول تحديد هوية القبائل محل الخلاف. وفي هذا السياق قدم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان اقتراح تأجيل الاستفتاء إلى ديسمبر 1999. فتم نشر لوائح المؤهلين للتصويت من القبائل محل الخلاف في يناير 2000. وجرت بعد ذلك ثلاث جولات من المباحثات، لم تستقر عن أي تقدم. في يونيو 2001 اقترح جيمس بيكر اتفاقية إطار جديدة تقضي بمنع الإقليم حكما ذاتيا قبل إجراء الاستفتاء الذي يقرر المصير النهائي للإقليم، وقد حاولت الولاياتالمتحدة جاهدة فرض هذه الخطة على الأممالمتحدة. وفي 24-25 يناير 2002 قام جيمس بيكر بزيارة للمغرب لإبلاغ المغرب رفض الجزائر وجبهة البوليساريو لمشروع الاتفاق الإطار، وأن هناك طرحاً آخر لحل النزاع، قدم من لدن الجزائر والبوليساريو لتقسيم الإقليم ، وهو حل رفضه المغرب. وفي يناير 2003 قدم مخطط جديد لبيكر ( بيكر 2) والقاضي بإقامة نظام للحكم الذاتي لمدة 5 سنوات تعقبه عملية استفتاء يتضمن اختيار الاستقلال، فرفض من لدن المغرب. وأما هذا الوضع تم تعيين بيتر فان فالسوم ممثلا للأمين العام، في يوليوز 2005، وهو الذي أعلن في نهاية عمله استحالة إقامة دولة في الصحراء الغربية. في أبريل 2007 المغرب يقدم مشروعا للحكم الذاتي في الصحرا في سياق نتائج تجربة هيأة الإنصاف والمصالحة. وفي يونيو 2007 بدأت أولى جولات المفاوضات بين المغرب والبوليزاريو في مانهاست بضواحي نيويورك. وفي يناير 2009 تم تعيين كريستوفر روس خلفا لبيتر فان فالسوم ، وفي غشت 2009 بدأت الجلسات غير الرسمية بين المغرب والبوليزاريو . وأمام « لعب « روس في ملف النزاع أعلن المغرب في 17 ماي 2012 سحب ثقته من كريستوفر روس، وبعد تدخل قوى صديقة للمغرب زار كريستوفر روس مدينة العيون في أكتوبر 2012، وكانت الزيارة الأولى للعيون. مارس 2013: جولة جديدة لروس للمنطقة، مع توسيع الاتصالات بشأن نزاع الصحراء خارج المؤسسات الرسمية. وأمام انسداد الأفق وتجاوز روس لاختصاصاته رفض المغرب استقبال روس وطالب برد مكتوب من لدن الأممالمتحدة يحدد فيه مهام المبعوث الأممي، واستمر الوضع أشهرا إلى أن اتصل بان كي مون بالملك محمد السادس ويقر بحيادية الأممالمتحدة، فانفرجت الأمور بين المغرب وروس. زيارة الملك محمد السادس إلى العيون في 6 نونبر 2015 غيرت كثيرا من المعطيات، إذ أعادت إلى الواجهة الارتباط الكبير للمغاربة بالصحراء، وأعلن الملك مشروعا سياسيا اقتصاديا واجتماعيا يهم الأقاليم الصحراوية في إطار جهوية موسعة، وأشار إلى أن أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب هو مشروع الحكم الذاتي، لكن بعد القبول به من لدن الأطراف الأخرى..