بعد أن بلغ عمر المجلس الرئاسي ثمانية أشهر، منذ أن أعلن عن ولادته في مدينة الصخيرات المغربية، وبعد أن تحققت لمجلس النواب جلسة حضرها النصاب القانوني من أعضائه، ها هو يتحقق له بعد محاولات كثيرة فاشلة عقد جلسة كاملة النصاب من أجل أن تتحقق فيها المصادقة على التشكيلة الثانية التي قدمها المجلس، وهي تشكيلة انتظرت أشهرا طويلة، ودار حولها نقاش في شرق البلاد وغربها. وكان مجلس النواب لا ينعقد إلا لينفض، تحت التهديد والوعيد، من جماعات لا تريد لهذه الجلسة أن تنعقد، وحراك ربما فيدرالي الميول، يحاول أن يمنع الأغلبية من أعضاء مجلس النواب من التصويت والمصادقة على الحكومة، وحدث كما يعلم الرأي العام، أن أعلن هؤلاء النواب المناصرون للحكومة عن غضبهم الشديد ورغبتهم في الذهاب بجلسات المجلس إلى مدن أخرى، وظهر في الأخبار اسم مدينة غدامس باعتبارها المدينة المرشحة لانعقاد هذه الجلسة التي شهدت الكثير من التأجيل ومنع انعقادها بالبلطجة والتهديد، وجماعات تحمل الهراوات لضرب الأعضاء القادمين للمجلس. شاهد الناس في الإعلام مئة عضو من أعضاء مجلس النواب يتلون بيانا من مكان خارج مجلس النواب، يعلنون فيه أنهم يمنحون أصواتهم للمصادقة على الحكومة التي اقترحها المجلس الرئاسي، ثم نشروا فوق الصحف وثيقة بإمضاء كل واحد منهم، يؤكدون فيها على البيان الذي أذيع في المحطات الفضائية، ومرت أشهر على هذا الموقف، ومجلس النواب يعلن عن جلسات لم يتوفر لها النصاب القانوني، ولذلك لم يكن ممكنا مناقشة بند جدول الأعمال، وتنتهي المسألة إلى جلسات تشاورية كما هو الاصطلاح الذي يتردد على لسان الناطق الرسمي لمجلس النواب الليبي، ثم حصلت المعجزة أخيرا، وتوفر النصاب القانوني، وتم طرح الحكومة على التصويت، ما إذا كانت ستفوز بالمصادقة أو بعدم المصادقة، وكانت المفارقة العظيمة، التي صنعت سابقة يصعب وجود مثلها في أي مجلس نواب في العالم أن تلك الأغلبية التي وصل ضجيجها إلى أركان الأرض الأربعة، ووصل عدد أعضائها المناصرين للحكومة إلى مئة وواحد عضو صادق في الإعلام على حكومة الوفاق الوطني المقترحة، كانت المفارقة هي أنه لم يصوت على هذه الحكومة بالمصادقة والموافقة غير صوت واحد لا غير، بحيث تم رفضها ومطالبة المجلس الرئاسي بتقديم حكومة بديلة عنها، ولا أحد يعلم أين ذهب المئة نائب الذين وضعوا توقيعاتهم على وثيقة المصادقة المنشورة في الصحف وكيف اختفوا وكيف تغيرت قناعاتهم وتضاءلت أصواتهم من هذه المئة وواحد إلى صوت واحد، إنه أحد ألغاز السياسة الليبية، التي يصعب جدا أن نجد لألغازها حلولا ولمعضلاتها ومفارقاتها العجيبة الغريبة تفسيرا أو شرحا. ومن معضلات هذا الرفض أن أحدا لم يقدم له تبريرا أو تعليلا، لأن التشكيلة الأولى التي رفضت، كان الرفض بسبب أنها كانت حكومة كبيرة العدد، وأنها لا تمثل كل المناطق ولا كل ألوان الطيف السياسي ولذلك فإنه في التشكيل الجديد تم اختصار العدد إلى ثلث العدد القديم، وهو يمثل أقل عدد ممكن للكيانات الرئيسية للوزارات، وتحيل البقية إلى هيئات ومصالح دون الكيان الوزاري، كذلك فإن التمثيل شمل كل ألوان الطيف السياسي، إلى حد أن عناصر تم تعيينها من وزراء النظام السابق، لكي لا يتم إقصاء ولا تهميش أي فصيل سياسي، ومع ذلك تم رفض الحكومة، وبعد الرفض ثار جدل كبير، لأن هناك من أثار نقطة قانونية تقول إن هذا الرفض يبطل المجلس الرئاسي كله ويضع الكرة مرة أخرى في مبنى لجان الحوار في الصخيرات لتقديم تشكيلة جديدة للمجلس وربما تلبية مطالب بالعودة إلى مسودة للاتفاق غير المسودة الأخيرة وهي تلك التي تقول برئيس للمجلس الرئاسي بنائبين فقط، وإعادة النظر في حق الفيتو الذي يتمتع به ستة نواب للرئيس بحيث يصيب المجلس بالشلل وعدم القدرة على الحركة وإصدار القرارات بمثل هذا الإجماع الذي يصعب توفره في أي حالة من الحالات، ولكن رئيس المجلس عند إعلانه عن رفض المصادقة على التشكيلة دعا المجلس الرئاسي إلى تقديم التشكيلة الجديدة في المدة المحددة المنصوص عليها في الاتفاق بحيث يتم فيها النظر من طرف المجلس فور تقديمها، وإنجاز هذا الاستحقاق في أسرع وقت ممكن بالنظر إلى معاناة الناس وحالة التأزم المعيشي والأمني التي تعيشها البلاد. وهناك طبعا من يقول إن الأمر يتجاوز مجرد المصادقة على مشروع مجلس وزاري، وأن هناك خلافات بين الحراك السياسي في شرق البلاد والمجلس الرئاسي والجماعات المناصرة له في طرابلس وأن هذه الخلافات سوف تعرقل أي حسم في مسألة التشكيلة الحكومية، وأنه لا أمل في أن تنال أي تشكيلة جديدة، المصادقة المطلوبة قبل تحقيق الصفقة السياسية التي ترضي المجلس والجيش ومن يتبع نهجهما مثل أعضاء الحراك الفيدرالي وغيره. وهناك على صعيد آخر جهود لرأب الصدع بين هذين الحراكين تقوم بهما مصر بالذات ولكن الهوة لا تزال كبيرة، ولا يبدو أن هناك حلا للخلاف بينهما، يلوح في الأفق، مما يعيدنا جميعا إلى ذلك الحل الذي صار مطلبا ينادي به قطاع كبير من الرأي العام وهو الإسراع بانتخابات برلمانية جديدة تحت الإشراف الكامل لطرف حيادي هو الأممالمتحدة وتحت حماية قواتها لحفظ السلام. كاتب ليبي