تحاول العديد من الأقلام ، خصوصا منها تلك المقربة من حزب العدالة و التنمية ، حصر دائرة الاهتمام المنصب حول استحقاقات السابع من أكتوبر المقبل في طبيعة الاشخاص المزمع ترشيحهم من قبل حزب بنكيران من جهة ، و الثنائية القطبية المزعومة في مشهدنا السياسي و الصراع المرتبط بها من جهة ثانية .. تركيز لا شك تحاول من خلاله هذه الأقلام ، عن سبق إصرار ، صرف نظر المواطنات و المواطنين عن كل ما من شأنه طرح التجربة الحكومية الحالية موضوع نقاش ، و تناول حصيلتها/حصلتها بالدرس و التحليل إنطلاقا من برنامج الحزب الأغلبي و الوعود المقدمة من قبله قبل الاستحقاقات التشريعية لسنة 2011 و التصريح الذي تلى تكوين حكومة بنكيران كتعاقد بينها و بين الشعب المغربي .. من هذا المنطلق ، سيكون من اللازم ، كفاتحة مقالات متعددة تتناول حصيلة أول حكومة ما بعد دستور 2011 ، أن نستهل الموضوع بأسئلة و ملاحظات أساسية ، لا شك تسعف في فهم حقيقة الهروب من الخوض في حجم و طبيعة إنجازات و إخفاقات هذه الحكومة ، و آثار ذلك على التحولات السياسية ، الاقتصادية ، الاجتماعية و الثقافية ببلادنا . فقد راهنت الحكومة الحالية من خلال مكونها الرئيسي ، حزب العدالة و التنمية ، على خطاب العاطفة في التعاطي مع قضايا البلاد ، كعنصر احتياط يعفيها من السقوط في ضرورة شرح و إيضاح مسارات الاصلاح الموعود به أسابيع قليلة بعد تنصيبها كما هو شأن جميع الحكومات . و تمادى بعض وزرائها في دغدغة الاحاسيس عبر تصريف بعض القرارات الشكلية/الشعبوية من زاوية الحديث عن محاربة الفساد و الحد من الفوارق الطبقية كما هو حال واقعة نشر أسماء أصحاب رخص النقل العمومي و الحديث عن إحالة العديد من الملفات على القضاء عبر التشهير بالعديد من المواطنات و المواطنين و إدانتهم بشكل مسبق ، فيما يمكن وصفه اليوم بالزوبعة في فنجان حكومة أتقنت التفرقة بين عموم الشعب المغربي و تفننت في التنكيل و التشهير بكل من يخالفها الرأي أو التوجه .. يحق لنا في هذا الباب أن نطرح سؤال واقع بدايات هذه الحكومة و حصيلة ما تحقق إلى حدود اليوم : هل حاربت هذه الحكومة الفساد كما وعدت ؟ هل حققت النمو الموعود به هو الآخر ؟ هل حافظت على المكتسبات و الامكانات المحققة بفضل سنوات من نضال الشعب المغربي ؟ هل كانت بحق حكومة لكل المغاربة أم لفئة من الشعب فقط ؟ .... أسئلة كثيرة تفرض نفسها ، و لا يتسع المجال حتما للإحاطة بها جميعها ، لكن الحديث عن أجندة خاصة ، لا علاقة لها بأولويات وطن و شعب ، لا شك يشكل عنوان إرادة خاصة ظلت تحكم تصرفات و مواقف الحزب القائد لحكومة التراجعات بامتياز . إذ أن خمس سنوات من التدبير المؤسس على خطاب المؤامرة و التباكي و البحث عن العواطف الضامنة لاستمرارية التجربة ، كانت مصحوبة بتجاوب مدروس مع كافة إملاءات البنك الدولي و المؤسسات المانحة دون أي إعتبار للآثار السلبية لذلك على المستوى المعيشي لشرائح واسعة من الشعب المغربي ، خاصة الطبقة الوسطى او ما تبقى منها إذا صح التعبير .. هل نخطئ عندما نشك بأن هؤلاء إنما كانوا يبحثون عن تأزيم الوضع الاقتصادي و الاجتماعي ببلادنا ؟ الملاحظ بأن هذه التجربة الحكومية ، على خلاف حكومة التناوب بقيادة عبد الرحمن اليوسفي ، كانت مصحوبة بسنوات ماطرة ذات أثر كبير على المواسم الفلاحية ، و شهدت انهيارا تاما لأسعار المشتقات النفطية من أزيد من 150 إلى أقل من 40 دولار للبرميل ، و بارتفاع سعر الفوسفاط بالاسواق العالمية . و رغم كل ذلك فإن حكومة بنكيران لم تتردد مطلقا في اللجوء ، كنوع من الإدمان المتسمة به تجربتها ، إلى جيوب المواطنات و المواطنين ، من أجل الخروج ، المؤقت ، من دائرة الفشل المتمثل في سوء تدبيرها ، سواء عبر صندوق المقاصة من خلال رفع الدعم عن العديد من المواد الاساسية ، أو بالرفع المباشر للأسعار ، أو ترك البلاد و العباد رهينة قروض مالية خيالية لم تتردد هذه الحكومة في اقتراضها من المؤسسات المانحة بشروط مجحفة ، لا شك ستكون لها تبعات وخيمة على وتيرة النمو الاقتصادي ببلادنا... هل نكثر من السواد في تعاطينا مع حصيلة هذه الحكومة ؟ سؤال مشروع ، لكن هل يمكن حقا أن نبرر الفشل الكبير من باب موضوعية لا تستقيم و الواقع ؟ .. بالرجوع إلى مقدمة هذا المقال ، و بالحديث هذه المرة عن مرشحي الحزب الاسلاموي ، بتكوينهم و أفكارهم المعلنة قبل الخفية ، و ربط ذلك بالحصيلة الكارثية لهذه الحكومة ، لا يمكن إلا أن ندق جرس إنذار صاخب بخصوص ما يحاك لمستقبل هذه البلاد ، لأن الأمر بات مرتبطا في شق كبير منه بإفراغ الساحة السياسية و الثقافية من أي فكر تنويري منفتح على المحيط العالمي ، و محاولة إحلال مزيد من السطحية و الشعبوية و الانغلاق محل ذلك في جميع مناحي الحياة العامة ببلادنا ، بالرهان على مزيد من التوظيف الملتبس للدين ، و استغلال خطاب العاطفة لحشد الاتباع ، مع العمل المدروس على تمييع الحياة السياسية بحثا عن اللاثقة في كل ما هو مرتبط بها ، و من ذلك الانتخابات المقبلة التي لا شك تشكل المشاركة الواسعة فيها مبعث قلق لحزب أغرق البلاد في تراجعات اقتصادية و اجتماعية خطيرة ، و نجح فقط في تحصين وعائه الانتخابي المؤسس على الاستغلال اليومي للدين .. يتطلب الأمر اليوم قراءة متأنية لخمس سنوات من الهدم المقصود ، الذي لولا طبيعة الحكم ببلادنا ، و يقظة جزء كبير من قواه الحية لكانت لنتائجه الخطيرة انعكاسات آنية على استقرار الوطن برمته ، إذ لا يمكن مطلقا أن تغيب عن ذاكرة كل متتبع نوعية الخطابات الموظفة من قبل الحزب الاسلاموي و اتباعه ، و لعبه على لغة التشكيك و التخوين في التعاطي مع كل من يخالفهم الرأي بخصوص مختلف القضايا بمغربنا العزيز .. هل نبدأ في ذلك من بوابة النص القانوني كمنظم للحياة داخل المجتمع ؟ لنا في ذلك حديث لاحق .